رام الله ليست القدس ويجب ان لا تكون ..........

رام الله، كانت بالامس القريب، مدينة صغيرة، هادئة، شوارعها نظيفة، ومتنزهاتها تستقطب الزوار من جميع الاراضي الفلسطينينة.

رام الله، كانت بالامس القريب، مدينة تظللها الاشجار، وتزين شوارعها فرق الكشافة في المناسبات الوطنية والدينية، بينما نواديها ومؤسساتها تحفل بالنشاطات والفعاليات الثقافية والفنية.

رام الله، كانت بالامس القريب، مدينة المظاهرات ، والبيئة المناسبة للعمل الوطني، مدينة التقاليد التطوعية والانفتاح الاجتماعي الواعي، ومدينة المؤسسات التعليمية والمدارس التي تستوعب الفقراء، والمدارس الاخرى الخاصة التي لا تفتح ابوابها سوى لأبناء الاغنياء.

رام الله، المصيف، الحديقة، ملتقى الشعراء، وساحة مفتوحة للعطاء في المجالات كافه .

لكن ما الذي جعل رام الله تفقد هدوءها ووداعتها واناقتها، لتتحول الى مدينة صاخبة، تناطح البنايات العالية بعضها بعضاً، ما الذي حولها الى علب اسمنتية تصطف بنظام وبغير نظام؟!

ما الذي حول شوارعها، الى شوارع مكتظة، مضغوطة، صاخبة، متوترة، يتسابق الناس فيها بغضب، لا تدري الى اين، ومن اجل ماذا؟

وما الذي جاء بهذا الكم الكبير من الشبان المتعطلين او العاطلين عن العمل، ليتسمروا على الارصفة، يلسعون الفتيات بكرابيج السنتهم!!

وكيف اصبح الجار في هذه المدينة لا يعرف جاره، بعد ان كانت المدينة اسرة واحدة،الكل يعرف الكل، تكاد ترى الجميع في تشييع جثمان شهيد، او مظاهرة، او استقبال محرر.

اسئلة تتردد على السن الذين عرفوا وخبروا رام الله الهادئة الوادعة منذ سنوات طوال، بينما يصم ضجيجها اليوم اذانهم. بعضهم يلامس الحقيقة عندما يجيب ممسكاً بالسبب، وبعض اخر تخدعه القشور.

وبعيداً عن اية اجابات منزوعة من ضجيج رام الله، يمكن وضع الامور في سياق تطور الحياة، وبالتالي تطور المدن، حيث من الطبيعي ان لا تكون رام الله اليوم هي رام الله الامس، اقتصاداً وتعداداً سكانياً ومنشآت ومتنزهات. بيد انه من غير الطبيعي ان تتضخم رام الله وتتضاعف عدة مرات في بضع سنوات، من خلال هذا الكم الكبير الذي جاء اليها في اطار هجرة داخلية، بحثاً عن لقمة الخبز، بعد ان تركزت الغالبية العظمى من المؤسسات الرسمية وغير الحكومية في هذه المدينة، وبعد ان تحولت رام الله الى ورشة بناء تعمل ليلاً نهاراً، يقصدها العمال من جميع مناطق الضفة.

و السؤال لماذا تركزت المؤسسات في رام الله، ولماذا غادرت مؤسسات غير حكومية القدس واستسهلت العمل في رام الله؟ ولماذا بات الكثير من الفلسطينيين يتعاملون مع المدينة، وكأنها المدينة الرئيسة الاستراتيجية، متناسين انها لأسباب سياسية وجغرافية وتاريخية ودينية ومعنوية واخلاقية واجتماعية، لا يمكن ان تكون العاصمة، بمعنى ان رام الله ليست القدس ولن تكون...

انها رام الله اذن، التي ما زالت جميلة رغم صخبها، وما زالت البنت المتألقة بين اخواتها المدن، بسبب ما حظيت به من موقع ومناخ. واجمل ما في رام الله ان تبقى ذاتها، دون ان تمط جسمها وتضخم قدراتها لتستحوذ على دور غيرها.

واجمل ما في رام الله، انها المدينة المدللة، المفتونة بجمالها وشبابها، واجمل ما فيها ايضاً انها بقلب اخضر يشرب من مياه المعاصرة، لكن رغم كل ذلك فانها ليست القدس ويجب ان لا تكون، لأن القدس لها قصة اخرى، وملامح مختلفة، وجذور ضاربة في القدم، القدس لها طعم خاص، واحلام متجددة، تجمع ما بين السكينة والتمرد، قبل صلاح الدين، وفي زمنه، وبعده.

القدس ام المدن، وام التسميات، وام الامهات. بينما رام الله كانت رشيقة في الماضي، وتصر اليوم على الاحتفاظ برشاقتها، رغم المغريات المسببة للسمنة، غير انها لو حاولت مجاراة خطوات الام وتقليد حركاتها، فانها تظل الابنة، بصرف النظر عن مستوى اتقانها للتقليد، فالابنة هي ليست الأم، ورام الله، ليست القدس.