بعد هزيمة الدول العربية في حرب 1967م، شعرت (إسرائيل) أنها تملك الجيش الذي لا يقهر، وأن عليها مواصلة التوسع على حساب الدول العربية المجاورة، خاصة وأن قوات الثورة الفلسطينية بدأت تتجمع في تلك الدول لتواجه (إسرائيل)، وخاصة على طول الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة.
قررت القيادة العسكرية الصهيونية القيام بعملية عنيفة لضرب قوات الثورة الفلسطينية في الأردن، فقامت بحشودات كبيرة على طول نهر الأردن في 19 مارس/آذار 1968م، وتزامن ذلك مع تصريحات هدد فيها قادة إسرائيليون الأردن، بحجة أنها لا تفعل شيئاً لوضع حد لأعمال الفدائيين التي تنطلق من أرضه.
أعلنت الأردن أن (إسرائيل) حشدت أربعة ألوية، لواءين مدرعين، ولواء مظليين، لواء مشاة، تدعمها وحدات مدفعية، ووحدات هندسة عسكرية، وأربعة أسراب طائرات نفاثة، وحوامات، وبلغ عدد القوات خمسة عشر ألف جندي.
تحركت القوات الإسرائيلية في الساعة الخامسة والنصف من صباح 21 مارس/آذار 1968م، على أربعة محاور هي: محور العارضة، ومحور وادي شعيب، ومحور سويمة، ومحور الصافي، وعبرت القوات (الإسرائيلية) نهر الأردن تحت تغطية نيران المدفعية، لكنها اصطدمت بمقاومة عنيفة بعد أن تقدمت مسافة 300 متر فقط، ولجأت للتمويه والتضليل، فأنزلت بعض عناصر قواتها في غور الصافي، وأنزلت غالبية القوات في بلدة الكرامة، فتصدت لها القوات العربية الأردنية، إضافة إلى قوات الفدائيين الفلسطينيين المتواجدين في المنطقة، وكانت غالبيتهم من قوات التحرير الشعبية (امتداد جيش التحرير الفلسطيني)، وفدائيي حركة فتح.
وأمام المقاومة العنيفة، بدأت الطائرات الإسرائيلية بقصف مواقع المدفعية الأردنية، ومواقع الفدائيين، وتواصل إمداد القوات البرية بأعداد إضافية، وتم نقل الجرحى وجثث القتلى.
وأحبطت القوات الأردنية، والفدائيون الفلسطينيون محاولات التقدم التي حاولت القوات الإسرائيلية تنفيذها، وفي الساعة الثانية من بعد الظهر شعرت القيادة الإسرائيلية أن خسائرها في ازدياد، وأن أهدافها لم تتحقق، فطلبت وقف إطلاق النار، وتم انسحاب آخر جندي إسرائيلي في الساعة الثامنة والنصف مساءً، وتكبدت (إسرائيل) خسائر فادحة.
فقد بلغت خسائرها 70 قتيلاً، وأكثر من 100 جريح، و45 دبابة، و25 عربة مجنزرة، و27 آليات مختلفة، و5 طائرات.
وخسر الفدائيون الفلسطينيون 17 شهيداً، أما القوات الأردنية فقد خسرت 20 شهيداً، و65 جريحاً بينهم عدد من الضباط، و10 دبابات، و10 آليات مختلفة، ومدفعين.
وقامت القوات الإسرائيلية بأسر 147 عربيا من الفلاحين من أهالي المنطقة، وادعت أنهم من الفدائيين.
كانت (إسرائيل) الطرف المعتدي؛ اغتّرت بقوتها، وجيشها الذي ظنت أنه لا يُقهر، فكانت هذه المعركة في بلدة الكرامة الأردنية استعادة لكرامة الأمة، وتمريغاً لكرامة (إسرائيل) أيضاً..
وفي الوقت الذي أرادت فيه (إسرائيل) أن تلفت أنظار مواطنيها المحتلين عما يجري من مقاومة شرسة للاحتلال في قطاع غزة من ناحية، وعبر الحدود من ناحية أخرى، والفشل (الإسرائيلي) في وقف هجمات الفدائيين، وإذ بها تفشل أيضاً في تحقيق نصر في هذه المعركة أيضاً.
اليوم، وبعد واحد و أربعين سنة من معركة الكرامة، وفي واقعنا المعاش، يحق لأي شخص أن يسأل:
· في 21/3/1968، تمكنت الأردن، وعدد قليل من رجال المقاومة الفلسطينية من تمريغ أنف (إسرائيل) في الوحل، فأين أمة العرب جميعاً لتكرر ذلك، في الوقت الذي تعربد فيه (إسرائيل) على غزة والضفة، وتلتهم مدينة القدس، وتحفر تحت المسجد الأقصى؟!.
· أين هم رجال فتح الأبطال الذين شاركوا في معركة الكرامة مع إخوانهم أبطال قوات التحرير الشعبية "الذين أنهي تنظيمهم قهراً بعد ذلك بسنوات قليلة"، أين هم اليوم من المشاركة الفاعلة في المقاومة ضد (إسرائيل) التي تجتاح قطاع غزة يوماً بعد يوم، وتحتل الضفة الغربية بالكامل؟
· أنا لا أتساءل عن تلك القيادة السياسية التي تلهث وراء سراب المفاوضات، بل أتساءل عن الزنود السمراء التي عشقت فلسطين، والبندقية، والكرامة.
أتمنى أن يجتمع شمل فصائل الشعب الفلسطيني على كلمة سواء، وأن يسعى الكل إلى الرجوع إلى الكرامة، وما أعز وأحلى موتة في كرامة، وما أخس وأدنى حياة في ذلة ومهانة.