ِِلماذا كتب علينا أن نتعامل مع الأمور بسطحية وأن ننظر للقشرة وننسى اللب؟..ألمجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات فيه الصالح وفيه الطالح, وفيه الفساد بأنواعه أيضا, والفرق هو أن مجتمعنا الفلسطيني لا يزال محتلا برمته,
فلا وجود لقانون فيه, وفي ظل غياب سلطة القانون فمن الطبيعي أن تكون ظواهر الفساد أكثر انتشارا وعمقا عما هي في المجتمعات الأخرى, ويقوم الاحتلال وبعنف بزيادتها فهذه مصلحته النهائية. وكما هو الوضع عليه في معظم دول العالم الثالث, حيث يغيب الدور الفعال"للسلطة الرابعة" فان الفساد يسرح ويمرح ولا حسيب ولا رقيب. لقد أثارت قضية الفضيحة الجنسية لرئيس ديوان الرئاسة الفلسطينية رفيق الحسيني الكثير من التفاعلات والتساؤلات والتي حسب رأيي الشخصي لم يجب أن تكون بهذا الحجم, فالفضائح بأنواعها المختلفة متواجدة في مناطق السلطة الفلسطينية..فضائح مالية وجنسية وسرقات ورشاوي وغيرها الكثير, ولكن قليلون هم من يمتلكون الجرأة للحديث عنها, فيد السلطة واصلة الى كل مكان والقمع هو سيد الأحكام. لست بصدد الحديث عن هذه الفضيحة من حيث مصداقيتها, ولكن السؤال الذي يطرح نفسه:إن هذه الحادثة تتصف بالفساد المالي، وليس بقصة الاستغلال الجنسي فحسب،وهي معروفة منذ أكثر من عام ونصف العام..فما الفائدة من هذا الإعلان عنها ألان من قبل مخرجها الضابط السابق في المخابرات الفلسطينية فهمي شبانة التميمي؟..الحديث عن مظاهر الفساد في المجتمع الفلسطيني يطول, بل ان الفساد ينخر عظام السلطة الفلسطينية ولا يمكن استثناء أية شخصية قيادية صغيرة كانت أو كبيرة.وأستذكر هنا مقولة ذكرها الدكتور عبد الستار قاسم الذي عانى الويلات بسبب موقفه الصريح من السلطة في أحد كتبه:"إن أحد أسباب فشل الثورة الفلسطينية المعاصرة هو غياب القيم الأخلاقية في منظمة التحرير الفلسطينية وتحديدا حركة(فنح)". ألأهم من كل هذه الأمور هو الحديث عن قضية الفساد السياسي الذي قارب من القضاء على القضية الفلسطينية..ان قضية الحسيني وشبانة التميمي تؤشر إلى خطورة إنتاج حالة من الإفساد، لا تتعلق فقط بالنهب والثراء غير المشروع، بالذين يعتبرون أنفسهم مؤتمنين على "المشروع الوطني", وقد أبتلي بهم شعبنا الفلسطيني أشد الابتلاء..فحين يكون لديك مشروع أمني يقول بأن العدو ليس المحتل بل "الظلاميين"..وحين نقرأ في وسائل الاعلام:"فياض يدين حادثة طعن ومقتل إسرائيلي جنوب نابلس" و يخرج بعد هرتسيليا ليخبر شعبه ، بعد أن حول الجندي إلى "مجرد إسرائيلي" رغم إصابة واعتقال منفذ العملية واعتقال كل أفراد عائلته لتدمير منزله، قائلا "إن هذا الحادث مدان من قبلنا، وهو يتعارض مع المصالح الوطنية الفلسطينية، ومع الجهود التي تبذلها السلطة الوطنية، و كذلك مع الالتزامات التي أخذتها على عاتقها", وبناء على أقواله هذه ومشاركته في المؤتمر الذي عقد مؤخرا في مدينة هرتزليا وخصص لمعالجة أمور الأمن القومي الصهيوني منحه"شمعون بيريس" رئيس الكيان الصهيوني لقب بن غوريون فلسطين..فهنيئا لك يا فياض بهذا اللقب و"منها إلى اللي أعلى منها". بعد هذه المقدمة بودي أن أتطرق إلى المواضيع الهامة التالية: أولا:أين كانت سلطة رام الله عندما كان العدو الصهيوني يحرق غزة في مجزرته الأخيرة عليها؟..لقد كان موقف هذه السلطة مخزيا جدا, حتى أنها قمعت المتظاهرين المحتجين والمنددين بهذه المحرقة والمطالبين السلطة باتخاذ موقف حازم من العدو الصهيوني, فأبناء غزة هم إخواننا وهم أبناء شعب فلسطين الأبي..ومما يؤلم أن تقوم السلطة ممثلة ببعض قياداتها بإيجاد الذرائع للعدو الصهيوني لأن رجال المقاومة الفلسطينية في غزة يطلقون صواريخهم على الكيان الصهيوني, هذه الصواريخ التي وصفها قادة سلطة رام الله ب"الكرتونية".ومن هنا فبإمكاننا أن نستنتج بأن الأمن القومي الصهيوني أهم بكثير من أمن"الظلاميين" الغزيين فهم أعداء شعبنا وليس الصهاينة. ثانيا:بما أن هذه الفضيحة حدثت قبل عام ونصف فمن المؤكد أن الرئيس محمود عباس على علم بها, فلماذا لم يتصرف في ذلك الوقت ويتخذ القرارات المناسبة, بدلا من وصول الأمور إلى حد قد لا تحمد عقباه..وهنا يتوارد إلى ذهني السؤال:هل تعتبر الصحافة الفلسطينية حرة؟, فمن المؤكد أيضا بأن معظم الصحافيين كانوا على دراية بهذه القضية, فلماذا لم يقوموا بنشرها في وسائل الإعلام هذا إذا افترضنا أنها صحيحة وليست مفبركة, فالإعلام الفلسطيني كغيره في العالم العربي تبعي وسلطوي, مع احترامي للصحافيين الفلسطينيين والذين يتمتعون بمهنية عالية, إلا إنهم ينظرون إلى حبل المشنقة قبل أن يفكروا بنشر خبر يتعلق بأحد أعمدة السلطة. ثالثا:لقد قام البعض بالقاء اللوم والعتب على فهمي التميمي بأنه كشف عن هذه الفضيحة عن طريق القناة العاشرة الصهيونية وليس عن طريق إحدى الفضائيات العربية كالجزيرة مثلا, فهؤلاء لا يدركون بأن التميمي حاول مرارا فعل ذلك ولكن طلبه قوبل بالرفض, وهم لم يركزوا كثيرا عما كانت السلطة ستفعله بطاقم الجزيرة ومبناه في رام الله لو جرى رواية القصة عن طريقهم, فما حدث من قطيعة بين هذه السلطة وفضائية الجزيرة بخصوص تقرير" غولدستون "لم ينته بعد..ولو عدنا إلى الوراء قليلا وعندما كانت المفاوضات مع الصهاينة في أوجها شاهدنا بأن هذه القناة الصهيونية كيف فضحت أحمد قريع حينما طلب من تسيبي ليفني وزيرة خارجية الكيان الصهيوني السابقة بمساعدة ابنته في الحصول على الهوية الاسرائيلية"الزرقاء", ففكروا قليلا لو قامت الجزيرة ببث هذا النبأ, فالمسموح للفضائيات الصهيونية ممنوع لوسائل الإعلام الفلسطينية والعربية. وأقول في النهاية بأنه إذا ثبتت رواية التميمي فانها فعلا فضيحة لأن من قام بها يعتبر أحد أقطاب الرئاسة الفلسطينية, ولكن هذا الأمر يحدث في أي مجتمع ومجتمعنا الفلسطيني ليس ملائكيا, فقد حصل نفس الشيء مع بل كلنتون والرئيس الصهيوني السابق موشي كتساف وآخرين في هذا العالم, والحل بسيط جدا وهو إقالة الحسيني من منصبه وتقديمه للعدالة النزيهة هذا ان وجد هذا النوع من العدالة..وفي استطلاع لآراء بعض المواطنين, أبدى هؤلاء في تعليقاتهم على القضية تساؤلاً عريضًا: "هل يستحق مثل هؤلاء أن يكونوا مؤتمنين على مصير الشعب الفلسطيني؟!, وهل هذه الممارسات هي السبب في الفساد السياسي غير المبرر من خلال مواقف انهزامية وتنازلات تطرح علامات الاستفهام؟.
وقالت مواطنة:"ما من شك أنهم مكبلون بالفضائح ويخضعون لابتزاز من كل مخابرات العالم بسبب جشعهم الجنسي والمالي, لذلك تجدهم يقدمون التنازلات غير المبررة ويخضعون لإملاءات الاحتلال.. لقد سئمهم الناس وهم لا يحتاجون إلى قوة حتى تنهيهم, فسينهون أنفسهم بأيديهم..ولكن ما يقلق هو السقوط السياسي. وفي الختام أقول, حتى إن القوى التي تعتبر نفسها معارضة لسلطة أوسلو بدأت تتقرب أكثر وأكثرمن هذه السلطة لتصبح ذيلا لها وللأسف, ولكن علينا أن نتذكر دائما أمرا مهما جدا وهو ان للشعب الفلسطيني قراءات وأجندات أخرى والتي لن تكون على الصراط المستقيم لهذه السلطة الذي يجرؤ البعض على التهامس بأنها أكثر سوءا من سلطة روابط القرى في سبعينيات القرن المنصرم..هذه الرواية تعتبرجزءا من عمليات تصفية الحسابات, فالمعظم غارق حتى أذنيه في مستنقع الفساد, ولكنها وكغيرها كشفت حقيقة ما يجري في مضاجع سلطة رام الله والأتي أعظم..حمى الله فلسطين وشعب فلسطين.