امنية
كنت اقول ، ولا ازال اقول : إن المصيبة الكبرى التي حلت بهذه الامة هي غفلتها عن حقيقة دينها مما جعلها تنسى نفسها انهاخير أمة أخرجت للناس ، وأدى بها الى ما حل بها من ذلة واستضعاف ، فذهبت وراء هؤلاء وتلاعب بها هؤلاء .
وادرك الاعداء سر المألة ، وادركوا خطر يقظة الامة فحاربوها بالوسائل الماكرة ، والاساليب الخبيثة حتى تبقى في سباتها العميق ، وتظل خاضعة وخانعة ، لاتحرك ساكنا ، ولا تغير واقعا .
وبداية اليقظة تحتاج الى دعاة هداة رعاة ، لا تحرك ساكنا ، ولا تغير رعاة ، يدركون خطورة ألأمر ، وعظم المسؤولية ، وثقل الأمانه.
وكنت أتخيل نفسي وانا صغير احد هوؤلاء الدعاة ، وعشت وانا ارجو الله ان يحقق بي ومن هو على شاكلتي يقظة الامة ، حتى كبرت وادركت ان الامر ليس كما تمنيت ، والواقع على غير ما اردت ، واقترب العمر من الاربعين واشعر بدنو الاجل وقرب الرحيل ، ويتباكى القلب على العمر على الثواني قبل الدقائق ، لأني اعلم اني عن ذلك محاسب ... لكن لا يمنع ذلك من الحديث الى من بقي من مشايخنا وإخواننا طلبة العلم وورثة الكتاب والسنة عن هذه الامنية ، وان نتدارس سويا كيفية تحقيقها لتاتي الاجيال القادمة وهيتعلم اننا برم ضعفنا حملنا الامانة وحمَّاناها .
ولعل الامر يبدا بالدعاة الهداة كيف نصل بالامانة الى صتاعتهم وايجادهم ؟وما هو السبيل الى ذلك؟
لقد ضاع العمر وانا احاول ان التمس تلك النوعية وجدت بعضها ، وعاجل الموت آخرن فسبقوا وما بدلوا ، وبقى آخرون وكأنهم " نداء اخير " يتردد بضعف لا يسمع اقرب المقربين – فضلا عن ايقاظ الاخرين ..
إذن الخلل فينا بصراحة " نحن طلبة العلم" لسنا بالمستى المطلوب ، ولا " بالحقيقة المرجوة " إن الخلل في قلوبنا وعقولنا وعلومنا واعمالنا ، ولذا ضاعت جهودنا ، وتعثرت قدراتنا ، وذهبت صيحاتنا .
إنها الصراحة التي تدمي قلمي ، وتشعرني بعجزي وضعفي فلا أدرك معها إلا الحسرات ، ولا أجني بها إلا مراة الدمع .
" خلل القلوب " في أعمالنا ... في يقينها ... في توكلها ... في ثباتها ... في رجائها ... في جلها وخوفها .
" خلل القلوب " حين تنسى الرفق ،وتهمل الرحمة ، وتتخلف عن الشفقة .
" خلل القلوب " حين لا تعايش القرآن ، وتتفاعل مع آياته .
" خلل القلوب " حين آثرت الحياة الدنيا على الآخرة .
" خلل القلوب " في التعلق في أهل البطالة وإضاعة الأعمار ، وقطاع طريق الآخرة .
" خلل العقول " حين رأت الجزئيات قبل الكليات ، وتعاملت مع واقع الشبهات ، وتركت إيضاح الأدلة ، وغرقت في أكداس من زخارف الأقوال ، وسفاسف الأفكار .
" خلل العزم " حين تركت المنهجية العلمية لأهل السنة ، وتخبطت في تجديدات مزعومة ، وتقاليد متوارثة عن القرون المتخلفة ، والعصور المتأخرة فلا هي بالتجديد ولا هي بالتقليد .
" خلل الأعمال " في سلوكيات وأخلاقيات الدين في هديه وبره ، وضد الشرع في إحسانه ورحمته . فنفرت وصددت عن السبيل وهم يحسبون أنهم مهتدون .
كل هذا الخلل لايكنع من بقاء " الأمنية " ولا يحول من الرجاء في التغيير ، ومحاولة الاصلاح .
وفي السنة عجائب لإمام الهدى محمد صلى الله عليه وسلم ، منها لمن شاء التدبر هذه الحادثة ، وفيها عبر لمن اعتبر فهلا تفكَّرتم ؟!
عن انس رضي الله عنه قال : كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند رأسه ، فقال له : " أسلم . فنظر الى ابيه وهو عنده ، فقال له : أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الحمد الله الذي أنقذه من النار " البخاري كتاب الجنائز ، وكتاب المرضى .