الطيور
المقدّمة
* قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (النور:41) قال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل:79). لقد أشارت هاتان الآيتان إلى ناحيتين من نواحي الإعجاز العلمي في القرآن في قوله صافات في سورة النور و التي تشير إلى تثبيت الطير لجناحيه وعدم تحريكهما أثناء الطيران و ذلك من أجل الاستفادة من التيارات الهوائية و التي سوف نتناولها بشيء من التفصيل .. و قوله مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله و هي تشير إلى الأنظمة التي خلقها الله في جسم الطائر و في الهواء والتيارات الهوائية التي تمكن الطائر من الطيران في الجو. و سنتناول في هذا البحث تلك الأنظمة المعقدة التي وهبها الله سبحانه وتعالى للطير
بنية ريش الطائر
* الريش من أكثر النواحي الجمالية التي يتمتع بها الطير ، و تدل عبارة "خفيف كالريش" على كمال البنية المعقدة للريش . تتكون الريش من مادة بروتينة تدعى كيراتين و الكيراتين مادة متينة تتشكل من الخلايا القديمة التي هاجرت من مصادر الأكسجين و الغذاء الموجود في الطبقات العميقة من الجلد و التي تموت لتفسح المجال أمام الخلايا الجديدة . إن تصميم الريش تصميم معقد جداً لا يمكن تفسيره على ضوء العملية التطورية ، يقول العالم آلان فيديوسيا عن ريش الطيور : " لها بنية سحرية معقدة تسمح بالطيران بأسلوب لا يمكن أن تضمنه أي وسيلة أخرى [1]. و يقول عالم الطيور فيديوسيا " إن الريش هو بنية متكيفة بشكل مثالي تقريباً مع الطيران لأنها خفيفة ، قوية و ذات شكل منسجم مع الديناميكية الهوائية ، و لها بنية معقدة من الخطافات و القصبات" [2] لقد أجبرت هذه الرياش تشارلز داروين نفسه على التفكير بها ، بل لقد جعله ريشة الطاووس مريضاً ( حسب قوله ) . لقد كتب إلى صديقه أز غري في الثالث عشر من نيسان 1860 : "أتذكر تماماً حين كان الشعور بالبرودة يجتاحني ما أن تخطر ببالي العين ، إلا أنني تغلبت على هذا الآن .. ثم يتابع : " ... و الآن عندما أفكر بجزئيات البنية أشعر بعدم الارتياح ، إن منظر ذيل الطاووس ورياشه يشعرني بالمرض[3]
القصيبات و الخطافات
* عندما يقوم أحدنا بفحص ريش الطائر تحت المجهر ستصيبه الدهشة ، و كما نعرف جميعاً هناك قصبة رئيسية لباقي الرياش يتفرع عن هذه القصيبة الرئيسية المئات من القصيبات في كلا الاتجاهات ، وتحدد هذه القصيبات ـ المتفاوتة الحجم و النعومة ـ الديناميكية الهوائية للطائر ، و تحمل كل قصبة الآلآف من الخيوط و التي تدعى القصيبات ، وهذه لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة و تتشابك هذه القصيبات مع بعضها بواسطة شويكات خطافية ، و تكون طريقة اتصالها بمساعدة هذه الخطافات بشكل يشبه الشكل الذي يرسمه الزالق المسنن " السحاب " . على سبيل المثال : تحتوي ريشة رافعة واحدة على 650 قصبة على كل جانب من جانبي القصبة الرئيسية ، ويتفرع ما يقارب 600 قصيبة عن كل قصبة ، و كل قصيبة من هذه القصيبات تتصل مع غيرها بواسطة 390 خطافاً . تشابك الخطافات مع بعضها كما تتشابك أسنان الزالق على جانبيه ، تتشابك القصيبات بهذه الطريقة بحيث لا تسمح حتى للهواء المتسب عنها باختراقها ، إذا انفصلت بهذه الطريقة لأي الأسباب ، فيمكن للطائر أن يستعيد الوضع الطبيعي للريشة إما بتعديلها بمنقاره ، أو بالانتفاض. على الطائر أن يحتفظ برياشه نظيفة مرتبة وجاهزة دائماً للطيران لكي يضمن استمراره في الحياة ، يستخدم الطائر عادة الغدة الزيتية الموجودة في أسفل الذيل في صيانة رياشه . بواسطة هذا الزيت تنظف الطيور رياشها و تلمعها ، كما أنها تقيها من البلل عندما تسبح أو تغطس أو تطير في الأجواء الماطرة . تحفظ الرياش درجة حرارة جسم الطائر من الهبوط في الجو البارد ، أما في الجو الحار فتلتصق الرياش بالجسم لتحتفظ ببرودته [4].
أنواع الريش
* تختلف وظائف الرياش حسب توزيعها على جسم الطائر فالرياش الموجودة على الجسم تختلف عن تلك الموجودة على الجناحين و الذيل . يعمل الذيل برياشه على توجيه الطائر و كبح السرعة ، بينما تعمل رياش الجناح على توسيع المنطقة السطحية أثناء الطيران لزيادة قوة الارتفاع عندما ترفرف الأجنحة متجهة نحو الاسف تقترب الرياش من بعضها لتمنع مرور الهواء ، و لكن عندما تعمل الأجنحةعلى الاتجاه نحو الأعلى تنتشر الرياش متباعدة عن بعضها سامحة للهواء بالخلل [5] . تطرح الطيور رياشها خلال فترات معينة من السنة لتحتفظ بقدرتها على الطيران ، وهكذا يتم استبدال الرياش المصابة أو الرثة فوراً
رياش الآلة الطائرة
* يكتشف المدقق في أجسام الطيور أنها خلقت لتطير لقد زُود جسمها بأكياس هوائية و عظام مجوفة للتخفيف من وزن الجسمو بالتالي من الوزن الكلي . وتدل الطبيعة السائلة لفضلات الطائر على طرح الماء الزائد الذي يحمله جسمه، أما الرياش فهيخفيفة جداً بالنسبة إلى حجمها . لنمض مع هذه البينات المعجزة لجسم الطائر فنتناولها الواحدة تلو الأخرى
الهيكل العظمي
* إن القوة التي يتمتع بها جسم الطائر في غاية الانسجام مع بنيته و احتياجاته على الرغم من تركيبة عظامه المجوفة و ذلك من أجل تخفيف وزنه ليمكنه هذا من سهولة الطيران . على سبيل المثال : يبذل طائر البلبل الزيتوني الذي يبلغ طوله 18 سم ضغطاً يعادل 68.8 كغ لكسر بذرة الزيتون، تلتحم عظام الكتفين والفخذين والصدر مع بعضهما عند الطيور و هو تصميم أفضل من ذلك الذي تملكه الثديات ، وهو يبرهن على القوة التي تتمتع بها بنية الطائر . من المميزات الأخرى التي يتمتع بها الهيكل العظمي للطائر ـ كما ذكرنا سالفاً ـ أنه أخف من الهيكل العظمي الذي تمتلكه الثديات . على سبيل المثال : يبلغ الهيكل العظمي للحمامة 4.4 % من وزنها الإجمالي بينما يبلغ وزن عظام طائر الفرقاط (طائر بحري ) 118 غراماً أي أقل من وزن رياشه .
النظام التنفسي
* يعمل الجهاز التنفسي عند الطيور بشكل مختلف تماماً عن الثديات لعدة أسباب : السبب الأول يعود إلى الحاجة المفرطة للأوكسجين الذي يستهلكه الطائر . على سبيل المثال : تبلغ كمية الأوكسجين التي يحتاجها الطائر عشرين ضعف الكمية التي يحتاجها الإنسان فرئة الثديات لا يمكن أن تقدم كميات الأوكسجين التي تحتاجها الطيور ، لذلك صممت رئات الطيور بشكل مختلف تماماً . يكون تبادل الهواء في الثديات ثنائية الاتجاه يسير الهواء في رحلة عبر شبكة من القنوات ويتوقف عند أكياس هوائية صغيرة ، و هنا تأخذ عملية تبادل الأوكسجين و ثاني أكسيد الكربون مكانها . يسلك الهواء المستهلك المسار العكسي تاركاً الرئة و متجهاً نحو القصبة الهوائية حيث يتم طرحه . على العكس من ذلك ، فإن التنفس عند الطيور أحادي الاتجاه حيث يدخل الهواء النقي من جهة و يخرج الهواء المتسهلك من جهة أخرى . و هذه التقنية توفر تغذية مستمرة بالأوكسجين عند الطيور ، مما يلي حاجاتها لكميات الطاقة الكبيرة التي تستهلكها ، يصف البيولوجي الأسترالي ميشيل دايتون المعروف بنقده للنظرية الداروينية الرئة الهوائية كما يلي . يتجزأ النظام الرغامي عند الطيور إلى أنابيب صغيرة جداً . و في النهاية تجتمع هذه التفرعات التي تشبه النظام التقصي مرة أخرى لتشكل نظاماً دورانياً يمر فيه الهواء خلال الرئة باتجاه واحد . على الرغم من وجود الأكياس الهوائية في أنواع معينة من الزواحف ، إلا أن البنية الرئوية عند الطيور و عمل النظام التنفسي بشكل عام فريد تماماً . لا يوجد أي بنية رئوية عند الفقاريات تشبه تلك التي تحملها الطيور ، علاوة على أن هذه البنية مثالية بكل تفاصيلها ..[6] أن البنية الفريدة لرئة الطائر الهوائية تنبيء عن تصميم يضمن التزود بالكميات الكبيرة من الأوكسجين التي يحتاجها الطائر في طيرانه . لا يحتاج الأمر إلى أكثر من إحساس بسيط لنتبين أن رئة الطائر هي دليل آخر من الدلائل التي لا تعد على أن الله هو الذي خلقها بهذه الصورة .
نظام التوازن
* خلق الله الطيور في أحسن تقويم دون أي خلل شأنها شأن باقي المخلوقات .و هذه الحقيقة تتجلى في كل تفصيل من التفصيلات . خلقت أجسام الطيور في تصميم خاص يلغي أي احتمال لاختلاف التوازن أثناء الطيران . رأس الطير مثلاً صمم ليكون يوزن خفيف حتى لا ينحني الطائر أثناء الطيران . و بشكل عام يشكل وزن رأس الطائر 1% من وزن جسمه فقط . من خصائص التوازن الأخرى لدى الطائر ،بنية الرياش المتناسبة مع الديناميكية الهوائية حيث تسهم الرياش ، وخاصة رياش الذيل و الأجنحة بشكل فعال جداً في توازن الطائر . يتمثل إعجاز هذه الخصائص مجمعة في الصقر الذي يحتفظ بتوازن مذهل أثناء انقضاضه على فريسته من علو شاهق 384 كم في الساعة .
مشكلة القوة و الطاقة
* إن كل عملية تتم وفق سلسلة من الحوادث في علم الأحياء و الكيمياء و الفيزياء ، تعتمد على مبدأ " حفظ الطاقة " يعني هذا المبدأ باختصار : " الحصول على كمية معينة من الطاقة للقيام بعمل معين " . يعتبر طيران الطائر ومثالاً واضحاً على مبدأ حفظ الطاقة . يتوجب على الطيور المهاجرة ادخار كمية من الطاقة تكفيها أثناء رحلتها، إلا أنها يجب أن تكون بنفس الوقت في أخف وزن ممكن ، و مهما يكن الأمر فيجب أن يتم طرح الوزن الزائد مع الاحتفاظ بالوقود بأقصى درجات . الفاعلية بمعنى آخر : في حين يجب أن يكون وزن الوقود في أدنى مستوياته يجب أن تكون الطاقة في أقصى معدلاتها . كل هذه الإشكاليات لا تشكل عائقاً أمام الطيور . الخطوة الأولى تحديد السرعة القصوى للطيران . فإذا كان على الطائر أن يطير ببطء شديد يكون استهلاك الطاقة للحفاظ على البقاء في الهواء ، أما إذا كان يطير بسرعة عالية جداً فإن الطاقة تستهلك في التغلب على مقاومة الهواء . و هكذا يتضح أنه يجب الحفاظ على سرعة مثالية في سبيل استهلاك أقل كمية ممكنة من الوقود . بالإعتماد على البنية الديناميكية الهوائية للهيكل العظمي و الأجنحة ، فإن السرعات المختلفة تعتبر مثالية بالنسبة لكل أنواع الطيور. لنتفحص الآن مشكلة الطاقة عند طائر الزقزاق الذهبي الهادئ pluvialis dominica fulva يهاجر هذا الطائر من ألاسكا إلى جزر الهاواي ليقضي فصل الشتاء هناك . و بما أن طريق هجرته يهاجر هذا الطائر من ألاسكا إلى جزر الهاواي ليقضي فصل الشتاء هناك . و بما أن طريق هجرته خالٍ من الجزر ، فإنه يضطر إلى قطع 2500 ميل ( أي 4000كم ) من بداية رحلته حتى نهايتها ، و هذا يعني 250000 ضربة جناح دون توقف ، بقي أن ننوه إلى أن هذه الرحلة تستغرق 88 ساعة . يزن الطائر في بداية رحلته 7 أونسات أي ما يعادل 200 غ ، 2.5 أونس منها (70 غ ) دهون يستخدم كمصدر للطاقة ، إلا أن الطاقة التي يحتاجها الطائر لكل ساعة طيران ـ كما حسبها العلماء ـ تساوي 3 أونسات (82غ ) كوقود يغذي الفاعلية الطيرانية لديه ، أي أن هناك نقصاناً في الوقود اللازم يعادل 0.4 أو نس (12غ ) مما يعني أن على الطائر أن يطير مئات الأميال دون وقود قبل أن يصل إلى هاواي . ولكن و على الرغم من كل هذه الحسابات ، يصل الطائر الذهبي إلى جزر هاواي بسلام ، و دون مواجهة أي مشكلات كما أعتاد في كل سنة ، فما السر وراء هذا ؟ أوحى الله تعالى إلى هذه الطيور التي خلقها أن تتبع طريقة معينة في هذه الرحلة تجعل من طيرانها أمراً سهلاً و فاعلاً . لا تطير هذه الطير وبشكل عشوائي و لكن ضمن سرب ، و هذا السرب بدوره يطير في الهواء بشكل حرف . " 7" و بفضل هذا التشكيل لا تحتاج الطيورإلى كثير من لطاقة في مقاومة الهواء الذي تواجهه ، و هكذا توفر نسبة 23% من الطاقة ، و يبقى لديها 0.2 أونس ( 6 ـ 7 غ ) من الدهون عندما تحط في المستقر . و لكن هل هذه الطاقة الزائدة فائض لا معنى له ؟ بالطبع لا . هذا الفائض محسوب للاستخدام في حالات الطوارئ عندما يواجه السرب تيارات هوائية معاكسة [7]. و هنا تظهر أمامنا هذه الأسئلة : كيف يمكن أن تعلم الطيور كمية الطاقة أو الدهون اللازمة ؟ كيف يمكن أن تؤمن هذه الطيور كل الطاقة اللازمة قبل الطيران ؟ كيف يمكنها أن تحسب مسافة الرحبة و كمية الوقود اللازم لها ؟ كيف يمكن أن تعرف أن الظروف الجوية في هاواي أفضل منها في ألاسكا؟ من المستحيل أتتوصل الطيور إلى هذه المعلومات ، أو تجري هذه الحسابات ، أو تقوم بتشكيل السرب بناء على هذه الحسابات . إنه الوحي الإلهي : قوة عظمى توجهها و تدلها على كل ما يضمن لها استمراريتها في هذا العالم . كذلك يلفت القرآن الكريم انتباهنا إلى طريقة أخرى تطير بها الطيور (صافات ) و تخبرنا الآيات عن الإدراك الموجود عند هذه الأحياء إنما هو إلهام إلهي : قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)(النور:41) .
الجهاز الهضمي
* يحتاج الطيران إلى قوة كبيرة ، لهذا السبب تمتلك الطيور أكبر نسبة من الخلايا العضلية، الكتلة الجسمية بين الكائنات على الإطلاق . كذلك يتناسب الاستقلاب لديها مع المستويات العالية للقوة العضلية . وسطياً يتضاعف الاستقلاب عند هذا الكائن عندما ترتفع درجة حرارة جسمه بمعدل 50 فهرنهايت (10درجات مئوية ) . تدل درجة حرارة الطائر الدوري على سبيل المثال و البالغة 108 فهرنهايت ( 42 درجة مئوية) و الشحرور البالغة 109 ف ( 43.5 درجة مئوية ) ، على مدى سرعة العملية الاستقلابية لديهم . هذه الحرارة العالية و التي تزيد من استهلاك الطاقة و بالتالي من قوة الطائر . تقوم الطيور بسبب حاجتها المفرطة للطاقة بهضم طعامها بطريقة مثالية . على سبيل المثال : يزيد وزن صغير اللقلق بمقدار كيلوغرام واحد عند تناوله 3 كيلو غرامات من الطعام . بينما تكون نسبة الزيادة في الثديات كيلوغرام واحد لكل 10 كيلوغرامات من الطعام . كذلك الأمر بالنسبة للجهاز الدوراني عند الطيور الذي صمم ليتوافق مع متطلبات الطاقة العالية . بينما يخفق القلب البشري بمعدل 78 خفقة في الدقيقة ، ترتفع هذه النسبة إلى 460 خفقة في الدقيقة عند طائر الدوري و 615 عند الشحرور . و تتخذ الرئتان الهوائيتان موقف القائد الذي يزود كل هذه الأجهزة السريعة الأداء بالأكسجين اللازم لعملها . وتستخدم الطيور طاقتها بفاعلية كبيرة، فهي تظهر فاعلية كبيرة في استهلاك الطاقة تفوق استهلاك الثديات لها . على سيل المثال يستهلك السنونو 4 كيلوكالوري في الميل 2.5 في الكيلومرت ، بينما يحرق حيوان ثديي صغير 41 كيلو كاليوري . لا يمكن للطفرة أن تفسر الفرق بين الطيور و الثديات . و حتى لو سلمنا جدلاً أن أحد هذه الخصائص حدثت عن طريق طفرة عشوائية ،و هو افتراض مستحيل بالطبع ، فإن خاصية واحدة تقف منعزلة لا تعني شيئاً . إن الاستقلاب الذي تتولد عنه مستويات عالية من الطاقة لا يحمل أي معنى دون رئتين هوائيتين مخصصتين ، علاوة على أن هذا قد يسبب للحيوان معاناة من نقص في التغذية بالأكسجين و إذا طرأت طفرة على الجهاز التنفسي قبل الأجهزة الأخرى ، فهذا يعني أن يستنشق الطائر أكسجيناً يفوق حاجته ، و ستكون الزيادة ضارة تماماً كما هو النقص كذلك الأمر بالنسبة للهيكل العظمي . فلو كان الطائر مجهزاً برئتين هوائيتين و نظام استقلاب متكيف مع كل احتياجاته ، فسيبقى عاجزاً عن الطيران . فمهما بلغت قوة الكائن الأرضي لا يمكنه الطيران بسبب البنية الثقيلة و المجزأة نسبياً لهيكله العظمي . يحتاج تشكيل الأجنحة أيضاً إلى تصميم متقن لا يقبل الخطأ .
آليات الطيران المتقنة
* جهز الخالق عز وجل كل أنواع الطيور من النورس وحتى النسر ، بآلية طيرانية تمكنها من الاستفادة من الرياح، وبما أن الطيران يستهلك الكثير من الطاقة ، فقد خلقت الطيور بعضلات صدر قوية و قلوب كبيرة و عظام خفيفة . و لا تقف معجزة خلق الطيور عند أجسامها ، فقد أوحى الخالق إلى الكثير من الطيور اتباع طريقة معينة في الطيران تجعلها تخفض من الطاقة اللازمة لها . العوسق طائر بري منتشر في أوربا و إفريقيا و آسيا، و هو يتمتع بمقدار خاصة، يمكنه أن يبقي رأسه بوضعية ثابتة أثناء طيرانه في مواجهة الرياح و مع أن جسمه يتأرجح في الهواء إلا أن رأسه يبقى ثابتاً مما يحقق له رؤيا ثاقبة على الرغم من كل الحركة التي قد يضطر لا نتهاجها . على المبدأ نفسه يعلم جهاز الجيروسكوب الذي يستخدم لموازنة السفن الحربية في البحار ، لذلك يطلق العلماء على رأس العوسق لقب " رأس البوصلة الموازنة " [8]
آلية التوقيت
* تضع الطيور جدول الصيد الخاص بها بمهارة فائقة فطيور العوسق تحب أن تتغذى على الفئران، والفئران تعيش عادة تحت الأرض و تخرج للاصطياد كل ساعتين يتزامن وقت الطعام عند العوسق معه عند الفئران ، فتصيد خلال النهار و تأكل عند حلول الظلام ، فإذن هي تطير في النهار بمعدة فارغة مما يضمن لها وزناً خفيفاً . هذه الطريقة تخفض من الطاقة اللازمة ، ووفقاً لحسابات العلماء ، فإن الطائر يوفر نسبة 7% من طاقته بهذه الطريقة [9]
التحليق في الهواء
* كذلك تتمكن الطيور من تخفيض معدل الطاقة المستهلكة باستخدامها الهواء، فالطيور تحلق عندما تزيد من شدة التيار الهوئي فوق أجنحتها و تستطيع أن تبقى معلقة في الهواء حتى في التيارات القوية . و تعتبر تيارات الهواء الصاعدة ميزة إضافية بالنسبة لها . يطلق على استخدام الطائر التيارات الهوائية لتوفير الطاقة أثناء طيرانه " التحليق " ، و العوسق هو أحد الطيور التي تتمتع بهذه القدرة . إن إمكانية التحليق تعتبر من خصائص التفوق عند الطيور للتحليق فائدتان أساسيتان : الأولى أنه يوفر الطاقة اللازمة للبقاء في الهواء أثناء البحث عن الطعام أو الانقضاض على فريسة أرضية ، و الثانية أنه يسمح للطائر بزيادة مسافة الطيران . يتمكن القطرس من توفير 70% من طاقته أثناء التحليق [10].
الحصول على الطاقة من التيارات الهوائية
* تستخدم الطيور التيارات الهوائية بطريقتين : يستفيد العوسق الذي ينحدر من قمة المرتفع و القطرس الذي يغوص ف يالخلجان الشاطئية من التيارات الهوائية ، و يدعى هذا بالتحليق المنحدر . عندما تمر رياح قوية فوق قمة المرتفع ، تشكل موجات من الهواء الساكن ، ومع ذلك تستطيع الطيور أن تحلق في هذه البيئة . يستفيد طائر الأطيش و غيره من الطيور البحرية من هذه التيارات الساكنة التي تحدث في الجزر ، و في بعض الأحيان يستفيد من التيارات التي تثيرها بعض الجمادات مثل السفن ، التي يحلق فوقها القطرس .
تخلق الجبهات الهوائية التيارات الرافعة للطيور
* و الجبهات هي السطح البيني الفاصل بين الكتل الهوائية المختلفة الأحجام و الكثافة . و يطلق على تحليق الطيور على هذه الأسطح البينية " العاصفة المنحدرة " . ثم اكتشاف هذه الجبهات و التي غالباً ما تتشكل على الشواطئ بفعل التيارات الهوائية القادمة من البحر أو عن طريق الرادار أو من خلال مراقبة الطيور البحرية و هي تنحدر فيها على شكل أسراب . هناك نوعان آخران من التحليق :التحليق الحراري و التحليق الديناميكي . تلاحظ ظاهرة التحليق الحراري في مناطق الجزر الحارة على وجه الخصوص . عندما تصل أشعة الشمس إلى الأرض ، تقوم الأرض بدورها يسخن الهواء الملامس لها . وعندما يتسخن الهواء يصبح أقل وزناً و يأخذ بالارتفاع . يمكن ملاحظة هذه الظاهرة أيضاً في العواصف الرملية و الشابورات الهوائية .