الاستثمار في البحث العلمي ضمان للتقدم الاقتصادي أصبحت ثروات الأمم لا تقاس اليوم بما لديها من مصانع وأراض زراعية بل اختلفت المفاهيم في الوقت الحاضر فأصبحت تحتسب بما لديها من ملكية فكرية واختراعات وابتكارات وهذا ما أجمع عليه معظم الخبراء والمختصين فأصبح تقدم الأمم وتطورها يقاس بما تمتلكه من طاقات واضافات في مجال البحث العلمي كذلك يقاس بمقدار الاستثمارات المتدفقة في هذا الشأن لإدراكها المتنامي لعائداته وما يدره من عائد وأرباح تسهم في التنمية الاقتصادية وإن حماية إبداع المبتكر والمخترع والباحث هو أكبر دافع على مزيد من الإبداع الفكري ولما يمثله هذا التجمع السبيل الى تمكين الدول من المشاركة بفاعلية أكثر في نظام التجارة العالمي ولما يمثله تجمع الإبداع لمواطني الدول من ناتج قومي اقتصادي وحصاد ثقافي لذلك فإن حماية المخترع والمبدع وتعريفهما بحقوقهما وتنمية الاستثمار في هذا المجال مع تسويق المخترعات فهي من العوامل التي تسهم بإيجابية في ارتقاء المستوى الاقتصادي والاجتماعي للدول في ظل نظام حماية الملكية الفكرية.
فحق الملكية الفكرية هو حق أساسي خاصة مع دخول الدول في التزامات دولية مع منظمة التجارة العالمية وفي ظل اتفاقيات حماية حقوق الملكية المتعلقة بالتجارة الدولية في إطار المتغيرات الحالية العالمية والانفتاح على الأسواق الخارجية ومع تلك الحماية ستكون الاستفادة برفع ودفع عجلة التنمية الاقتصادية. إن الإيمان بقدرة العقل على فهم الكون واستيعاب الظواهر الطبيعية من حوله فكان التدرج لاستكشاف قوانين الطبيعة ثم علم الفيزياء والكيمياء والأحياء ثم نظريات التطور وذلك أدى للثورة الصناعية الأولى بإنجلترا ثم أوروبا ونقلاً للعصر الحديث بكل ما يحمل من معرفة علمية نتيجة أن البحث العلمي والتكنولوجيا أخذا نصيبهما من الاهتمام والجدير بالذكر أن البحث العلمي لا ينشأ من فراغ بل هو في حاجة الى مجتمع يؤمن بالفكر العلمي وسيادة العقل.
وبمراجعة البيانات التاريخية الاحصائية من عشر سنوات سابقة نجد أن منظمة اليونسكو قد اهتمت بجمع بيانات لمتابعة ما يجري في دول العالم في مجال العلوم والتكنولوجيا من عام 1995م وحتى عام 2000م فنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية أنفقت حوالي مائتي مليار دولار أمريكي في البحث العلمي عام 98م بمعدل 700 دولار للبحوث العلمية والتكنولوجية لكل فرد في العام. وليس هذا نوعا من البذخ بل هو أحد أسباب القوة والسيادة لأمريكا فقد ثبت أن البحوث العلمية تدر عوائد اقتصادية هائلة خاصة مع النمو والتوسع في استخدام هذه البحوث وحسب الاحصائيات في هذا المجال فكل مليون دولار تنفق على البحوث العلمية بأمريكا تحقق عائد 140 مليون دولار وتأتي بعدها اليابان حيث انفقت 73 مليارا على البحوث عام 1998م، وكل مليون دولار قد أعطى عائد يقدر بحوالي 124 مليون دولار وبالاتحاد الأوروبي كان عائد المليون دولار من الإنفاق على البحوث يقدر ب 98 مليون دولار.
ويرجع أسباب هذا العائد الى أن نتائج البحث العلمي تكون بالاتفاق المسبق مع المستفيدين منها مباشرة والتي تحل لهم العديد من المشاكل التي تظهر في التطبيق العملي وبالتالي ترفع من درجة الابتكار والإبداع هذا عن معظم دول العالم المتقدم وبالاطلاع على ما يجري في مجال البحث العلمي وتطبيقاته في دول مثل الهند والصين وهي حضارات قديمة مثلنا ولكنها أدركت في بداري الوقت أهمية البحث العلمي وسبقتنا بمراحل على الرغم من أن النظام السياسي في الهند هو النظام الليبرالي الرأسمالي وفي الصين النظام الشيوعي. ولنتأمل الاحصائيات في الهند والصين نجد أن الهند أنفقت 21 مليار دولار في ذات العام وبمعدل 3 دولارات للفرد فقد غزت الهند أسواق العالم بالبرمجيات المستخدمة في الكمبيوتر مستفيدة من اتقان مهندسيها لهذا المجال. ونجد الصين أنفقت نحو 40 مليار دولار على البحث العلمي عام 1998م بمعدل 4 دولارات للفرد لكبر عدد السكان ويغلب التمويل هنا من القطاع الحكومي. أما الآن وحسب الاحصائيات نجد أن أعلى دولة عربية تنفق على البحث العلمي 03,0 من ناتجها القومي في حين نجد دولة مثل كوريا تنفق حوالي 2% من ناتجها القومي على البحث العلمي هذا بخلاف الاحصائيات في دول أوروبية أخرى كذلك نجد أن عدد الباحثين في أحد مراكز الأبحاث في فرنسا تعادل عدد الباحثين في الدول العربية.
أما بالدول العربية فنجد أن لدينا الطاقات البشرية ولكنها معطلة بسبب عدم الاستفادة من البحوث العلمية لتعطي عائداً عاليا وعدم الإنفاق الحكومي أو القطاع الخاص ومن جهة اخرى نجد أن معظم بحوثنا العلمية تذهب الى الدول الغربية ويتم الاستفادة منها هناك وقد أكد الخبراء في هذا الصدد على ضرورة إعادة النظر في المنظومة الكلية لإدارة البحوث العلمية وتمويلها وتسويقها بجميع الدول العربية. ووضع الآلية للاستفادة من تلك الأبحاث في المجتمع العربي، وهنا نؤكد على أهمية توفير الامكانيات للبحث العلمي وتوفير الموارد المالية والعمل على الاستفادة من الأبحاث ووضعها محل التطبيق ليستفيد منها المجتمع. ولنا هنا وقفة مع مبادرة دولة قطر بإنشاء المؤسسة القطرية لدعم البحث العلمي مع تخصيص 2,8 من موازنة الحكومة لدعم وتمويل البحث العلمي فهي خطوة ايجابية في النهوض بالبحث العلمي ليس في قطر فحسب بل وفي المنطقة.
ويمكن القول إن قضية تنشيط البحث العلمي وتطبيقاته التكنولوجية من خلال الاحصائيات السابقة وفي ظل حماية الملكية الفكرية تحتم على الدول العربية أن تضعها في مقدمة أولوياتها في الاستثمار فهي السبيل لأي تقدم اقتصادي منشود.