يقولُ سبحانهُ وتعالي جل في عُلاه
(يا ايها اللذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم) الحجرات اية 13
وروى في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث )
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وليس كل الظن إثما ، فالظن المبني على قرائن تكاد تكون كاليقين لا بأس به ، وأما الظن الذي بمجرد الوهم فإن ذلك لا يجوز"
طبعاً ؟ سوء الظن لهُ أسباب وأحكام وما يترتبُ على ذلك من الأسباب والأحكام
لكن ؟ فضّلتُ الإكتفاء بالأستشهاد بقول اللهِ تعالى
وشيئاً ممّا رويَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم
وشيئاً ممّا رويَ عن شيخنا الفاضل رحمهُ الله
وهُنا نأتي بما تمَ نقلهُ عن الكاتبة ( مي السديري ) فيما يختص بمن عكس الموضوع
قد يجد المرء نفسه في حيرة إذا أراد اتخاذ قرار يتعلق بمعاملته مع الآخرين.. هل يُحسن الظن بهم
أو يسيء الظن؟
وكلما أراد أن يتبنى مفهوم حسن الظن يجد نفسه أمام فيض من التجربة التي تضعه أمام تبني مفهوم سوء الظن.
فبالنسبة إليّ فإني لا أبالغ إذا اعترفت بأني شقيت وشقيت من حسن ظني بالآخرين وإذا حدثت لي
قصة بنهاية غير سعيدة، أبدأ بمحاسبة نفسي علني أجد عذراً لمن كان سبباً في النتيجة المزعجة
التي وصلت إليها الأمور بحيث أضع نفسي في مكان الطرف الآخر وأسأل نفسي ماذا أفعل لو
كنت مكانه، وقد كررت هذه المحاسبة لنفسي مرات عدة
ووصلت إلى محصلة مفادها أن صوت الحق لا يسمع أحياناً بالأذن ولا يستجيب له صوت الفكر
وإنما يسمع بالقلب. في هذا الزمن، بات سوء الظن أمراً تحتمه معاملة الناس لبعضهم البعض
وأصبح الإنسان مكرهاً على ألا يحسن الظن بالآخر، علماً أن سوء الظن بالآخرين لا بد له من أدلة ترقى
إلى درجة إصدار الحكم بسوء الظن حتى لا يقع الإنسان بعاقبة الريبة غير المبررة، وقد
قال أبو بكر رضي الله عنه بهذا الخصوص «سوء الظن من الفطنة». عشنا في زمن إحسان الظن
في كل الناس ونشأنا في بيئة بعيدة عن سوء الظن، وتربينا على حسن الظن، ولكن الحداثة التي
سادت في مجتمعنا هذه الأيام وما جلبته معها من مفاهيم مغلوطة علمتنا ألا نحسن الظن بالآخرين،
طيلة حياتي كنت متفائلة أثق بالعقل والفطنة والفضيلة والضمير
ولم ألتفت إلى ما يدور بين أغلب الناس من سوء الظن، وهناك الكثيرون
من نمطي، والمهم عندي أن أكون صافية النية تجاه الطرف الآخر حتى وإن كنت وحيدة.
وإذا تأملنا ما يدور حولنا نلاحظ أن العشوائية تفسر دائماً بالشكل المغلوط، وفي الوقت نفسه أن
الناس يقومون بأعمالهم الخيرية في تواريخ محسوبة لتسجل لهم أمام الناس، كما أننانجد أن الإنسان
الضعيف لا يمكنه أن يكون مخلصاً لأنه يخاف من عاقبة ذلك التفسير الخاطئ للعشوائية، وفي
حقيقة الأمر فإن الإنسان صنيعة عصره، وإذا ترفع عن أخلاق ذلك العصر الذي يعيشه يجد نفسه
أمام سوء الظن به، يجد نفسه وحيداً بين أقرانه وبالتالي يخشى على نفسه أن يصاب بمرض
التوحد، والمشكلة أنه إذا تصرف تصرفاً عشوائياً لا يعتقد الناس أن ذلك تصرفاً عشوائياً وبدون أن
ينظروا إلى الظرف الذي فرض على صاحبه ذلك التصرف وهم يحكمون عليه بمنظارهم الخاص
الذي لا يخرج عن كونه بأن التصرف كان مقصوداً،
وهم بذلك يشاهدون أنفسهم من خلال نظرتهم للآخرين، يظنون أسوأ الظنون ويعتقدون أن كل شيء
مقصود، وإذا تكلم الإنسان بعفويته ونيته الطيبة فإنهم يفسرون ذلك الكلام بالطريقة التي ليس لها أي
صلة بالحقيقة والمنطق، وإذا قام بعمل جيد فإنهم يسجلون عليه ألف انتقاد، ومما يؤسف له أنه إذا
أظهرالإنسان محبة طبيعية تجاه الآخرين، يعتبرون أن ذلك الشخص له هدف ومصلحة في إظهار
محبته.. ولمَ هذا؟ طبعاً لأن كل واحد يفسر الأمور بموجب مفهومه الخاص المبني
على المنفعة الشخصية.
لقد قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه « سيأتي من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب».
والمشكلة لا تنحصر في فئة دون أخرى، ولكنها موجودة لدى أغلب شرائح المجتمع.. ويحضرني
في هذا المقام الحكمة القائلة «عدو يجهر لك بالعداء خير لك من صديق مراوغ»، لقد وصلنا في هذا الزمن إلى مرحلة لا نستطيع فيها
أن نعرف الصديق الوفي المخلص من العدو.. والذي قد يكون ظلنا دون أن ندري.. كلنا نعيش في
عصر فلسفته بأن كل فرد منا له غاية.. عصر مادي.. فمن يقول صباح الخير يكون له مصلحة في
تلك التحية،لأنه ينظر إلى الآخرين كما هو لديه في نفسه وأخلاقه.
الحداثة علمتنا النجاح حتى وإن مررنا بأقدامنا على أحبائنا وبدون رحمة، ولكن ما فائدة، وصولنا
إلى غاياتنا إذا كنا قد قتلنا جميع أحبائنا؟ مع الأسف ما أكثر حب الناس للمال لدرجة أن هؤلاء لا
يريدون أن ينافسهم أحد في حب المال، لقد سقطت جميع المعايير الأخلاقية.. في هذا الزمن يخشى
أحدنا أن يجامل أحداً لأن تلك المجاملة ستفسر بطريقة خاطئة، في الماضي كانت المجاملة مقبولة
ويوافق عليها الناس، وقد أصبحنا جميعنا ننسى هذه المواقف من حسن الظن.. فأين هو بائع النسيان؟
في السابق كانوا يوافقون على الرأي ويشعرون أن رأيهم خطأ ويعترفون بخطئهم، ولكنهم كانوا على
قناعة بأن مواقفهم ليست إلا مجاملة وأما اليوم.. إذا وافق الإنسان مجاملة للآخر يصبح عدواً،
وقد قال إيتبودوس «أسوأ الناس من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به أحد لسوء عقله»، وقد كانت
مصائبي كلها لأنني أحسنت الظن بالآخرين، وإني واثقة تمام الثقة أن الشك هو رفيق الروح
السيئة. نعم يكثر الشك وتزداد الريبة عندما تقل المعرفة والحكمة، وهنا تبدأ المشكلة لأنه إذا فقد الإنسان المعرفة والحكمة فإنه لا يتدبر الأمور ببصيرته، وإنما يصدر حكمه
كما يرى نفسه بالآخرين.. إن مثل هؤلاء الناس يلغون تفكير الآخرين ويعتقدون أن الآخرين
محرومون من التفكير وهم بذلك يريدون مصالحهم وهم ينظرون إلى الناس بأنهم أغبياء