في قديم الزّمان.. عاش نسّاج طيّب القلب، يكسب رزقه من عرق جبينه، ويأكل لقمته حلالاً.كان يفتح باب دكّانه الخشبي صباحاً، يبسمل.. يتّجه صوب نوله الخشبي الكبير، يشدّ على طرفيه خيوط السّدى الطّوليّة، يتوجّه إلى حفرته قبالة النّول، ينزلها محرّكاً تلك الخيوط، ويبدأ برمي المكوك يميناً وشمالاً، بادئاً بنسج البساط أو السّجادة بخيوط اللُّحمة العرضيّة الملوّنة، صانعاً ((حيطان من خيطان)).
مرّة.. وبينما هو يرمي مكّوكه يمنة ويسرة، غنّى:
رُح مكّوك.. تعال مكّوك
عندي مال.. يكفي ملوك
وصادف أن مرّ أحد اللصوص من أمام دكّانه، سمع غناءه، فلعب الفأر في عبّه، كما يقولون في الأمثال، وأضمر سرقة المال.
وفعلاً.. ما إن نامت الأعين، حتّى تسلّل إلى الدّكان، كسر القفل.. دخل.. نَبَشَ طابات الصّوف والمخدّات فلم يجد شيئاً، تلفّت حوله.. لمح الحفرة التي تُحرَّك خيطان النّول منها، نزلها.. أزاح طرف البساط الصّغير.. و.. كاد يطير من الفرح، حتّى إنّه نسي نفسه، فصاح بهتاً:
-أووه.. جرّة مليئة بالليرات الذّهبيّة، يا لطيـ..ف!!
صراحةً.. لم تكن الجرّة كبيرة، ولم تكن مليئة بالكامل، بل كانت الليرات الذهبيّة تشغل نصفها.
أخفى اللص الجرّة تحت عباءته، وأطلق ساقيه للريح.
بعد عدّة أيّام.. خطر للص المرور من أمام النّسّاج، كي يشمت به، إذ تخيّله جالساً أمام دكانه، لاطماً وجهه بكفّيه.. منتحباً كالنساء.لكنّه.. وفور اقترابه من المحل، دهش وتحيّر، فالنسّاج يحرّك رأسه مبسوطاً، يعمل ويغنّي:
((لو خلاَّها.. كمّلناها
لو خلاّها كمّلناها))
ضرب اللص جبينه، قائلاً:
-ما أغباني.. لقد تسرّعت، كان من المفترض أن أصبر قليلاً حتّى تمتلئ الجرّة، ويطفح المال منها.
لم يطق اللص صبراً حتّى يهبط الظّلام، فما إن أغلق النّسّاج محلّه وغاب عن النّظر حتّى كسر القفل الجديد مرجعاً المال إلى مكانه.
عند الصّباح.. وبعد أن دبّت الحركة في السّوق، مرّ اللص من أمام دكّان النّسّاج نظر إليه بطرف عينه أصغى لغنائه، سمع:
يا طمّاع.. يا صعلوك
رجع المال.. قل مبروك
رُح مكّوك.. تعال مكّوك
عندي مال.. يكفي ملوك
شهق اللص، صفع خدّيه.. انتحب كالنساء، ومضى خائباً متعثّراً بقدميه.
((وتوتة توتة.. خلصت الحتوتة))