تضاربت تصريحات المشاركين في الجولة الثانية من المفاوضات الاسرائيلية ـ الفلسطينية المباشرة التي انعقدت امس في شرم الشيخ، فهناك من يتحدث عن تحقيق تقدم، وهناك من يؤكد خلافات على جدول الاعمال، وثالث يشدد على الطابع الجدي الذي ساد مناقشة القضايا الجوهرية. ولكن ما اتفق عليه الجميع تقريبا هو اصرار بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي على موقفه في ضرورة استئناف الاستيطان بعد عشرة ايام من الآن حيث موعد انتهاء فترة التجميد، ومطالبته لنظرائه الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية اسرائيل.
المفاوضات ستنتقل اليوم الى القدس المحتلة، عاصمة الدولة الاسرائيلية، حسب التوصيف الرسمي الاسرائيلي والامريكي، مما يعني ان الاستضافة المصرية لها في منتجع شرم الشيخ قد اقتصرت فقط على يوم واحد، لينفرد الطرفان الاسرائيلي والامريكي بالمفاوضين الفلسطينيين خلف الغرف المغلقة، كمقدمة للضغط عليهم لتقديم التنازلات المطلوبة.
الاسرائيليون يريدون اتفاق اطار يتم التوصل اليه خلال عام على ان تمتد المدة الزمنية لتطبيقه الى عشرات السنين، مثلما ذكرت الصحف العبرية نقلا عن مسؤولين مقربين من نتنياهو، الامر الذي يعني استمرار الوضع الراهن الى ما لا نهاية.
انتقال المفاوضات الى القدس المحتلة هو خطة مدروسة لضمان سريتها ايضا، بحيث تكون بعيدة عن فضول الصحافيين، تماما مثلما حدث في المفاوضات السابقة بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت.
فمن يضمن ان هذه المفاوضات ستتوقف في حال قرر نتنياهو المضي قدما في عمليات الاستيطان في المستوطنات الاسرائيلية وبناء وحدات سكنية جديدة فيها. فكيف لنا ان نعرف ان الوفد الفلسطيني نفذ تهديداته وانسحب منها مثلما ذكر الرئيس عباس وردد الدكتور صائب عريقات اكثر من مرة؟
الدكتور عريقات ذهب الى القدس المحتلة والتقى نظيره اسحاق مولخو رئيس وفد المفاوضات ومستشار نتنياهو، ولم يعرف اي مسؤول فلسطيني آخر، غير الرئيس عباس، بحدوث مثل هذا اللقاء الذي تم بسرية كاملة، واضطرت الحكومة الاسرائيلية الى تأكيده مكرهة بعد تسرب النبأ الى الصحافة العبرية.
في منتجع شرم الشيخ، او اي مكان آخر مثل واشنطن، من الصعب اخفاء حدوث المفاوضات، وما يجري فيها، ولكن الصورة ستكون مختلفة كلياً عندما تنتقل الى القدس المحتلة، فالمسافة بين رام الله والمدينة المقدسة لا تزيد عن نصف ساعة بالسيارة، والرئيس عباس، وكذلك كبير مفاوضيه الدكتور عريقات، يعرفان الطريق جيداً وعقدا عشرات اللقاءات، المنفردة او المتعلقة او الموسعة، مع نظرائهم الاسرائيليين في الماضي.
نتنياهو يريد استمرار المفاوضات، وكذلك الرئيس الامريكي باراك اوباما، كل لاسبابه، فرئيس الوزراء الاسرائيلي يريد كسر عزلته الدولية، والظهور امام العالم بمظهر حمامة السلام، والرئيس الامريكي يتطلع الى انجاز 'شيء ما' في العالم الاسلامي بعد ان خسر حربيه في العراق وافغانستان.
الطرف الفلسطيني المعزول عربياً، وناقص الشرعية فلسطينيا هو مثل اليتيم على مائدة اللئام، لا يستطيع ان يرفض، لانه لا يملك الارادة، وان امتلكها لا يريد ممارستها خوفاً من تبعاتها على سلطته الواهية التي يتمسك بها باسنانه واظافره.
هذا الضعف الفلسطيني يبعث على القلق، لانه يسلم الورقة الفلسطينية الاهم في العالم الاسلامي للطرفين الامريكي والاسرائيلي لاستخدامها كغطاء محتمل لأي عدوان جديد على لبنان او قطاع غزة، وربما على ايران وسورية ايضاً، تماماً مثلما جرى استخدام هذه الورقة مرتين ضد العراق، وثالثة ضد افغانستان.
القدس العربي
شكرا لتواجدك زائر نورت الصفحة