ليس هناك اعداء دائمون ولا اصدقاء دائمون انما مصالح دائمه
فالسياسيون المخضرمون الذي يقودون تحريك الاحداث وتصنيفها واستخدامها هم اصحاب المصالح الدائمة يتحركون بناء عليها ويبدلون اصطفافهم وتموضعهم حسب تبدل حجم المصالح ، ولا يقفون عند اي حد من الحدود التي قد تعيق تحقيق هذه المصالح ويستغلون كل الارث التاريخي لهم والمبني اساسا على عملية الغاية والوسيلة وهنا قد يتم اللجوء الى استخدام كل الوسائل الاخلاقية والغير اخلاقية لتحقيق الاهداف المنشودة حيث تنعدم اساسا المنظومة الاخلاقية ويعتبر عملية تجنب الاصطدام بها والتحايل عليها هي نوعا من المهارة المطلوبة للاجندات طويلة الامد .
ونحن هنا بالتحديد امام العلاقة الامريكية الايرانية وهي غامضة مع تباين المواقف العملية والاعلامية بين ايران وامريكا وبالعكس وهنا نجد ان هذه العلاقة من خارج منظومة ايران – امريكا قد ترى باحد الاشكال التالية :
الرأي الاول ... يرى هذه العلاقة متوترة يحكمها العداء الحضاري بين الخير والشر او بين الاستعمار والمقاومة ، وبالتالي علينا نحن كشعوب مقهورة من السياسات الامريكية الاصطفاف بجانب المعسكر الايراني بصفته طليعة المقاومة ، واصحاب هذا الرأي من خارج المنظومة الايرانية هم ما بات يعرف باسم ( المقاومة الاسلامية ) واصحاب المصالح المرحلية مع ايران او وكلائها الحصريين في الشرق الاوسط .
الرأي الثاني يرى هذه العلاقة هي علاقة صانع ومصنوع اي ان ايران هي صنيعة غربية بحتة منذ نشأتها وتطور العملية السياسية فيها وصولا الى تولي ( ثائري الثورة الاسلامية ) سدة الحكم ، حيث يرى اصحاب هذا الرأي اي عملية خارج هذه الرؤيا هي عمليات تجميلية لاحد الطرفين لتحقيق اهداف اخرى في المنطقة .
الرأي الثالث وهو ان العلاقة بين ايران وامريكا تخضع لتجاذبات مختلفة وعوامل متعددة ولا يوجد لهذه العلاقة اجندة واحدة واستراتيجيه ثابتة فلا عداء متجذر دائم ولا تفاهم كامل بينهما ، وعليه يمكن تفسير كثيرا من التناقضات المتباينة والتصريحات المتغيرة من حين لاخر دون اللجوء الى درستها بشكل غير موضوعي ، وبناء عليه نجد ان لايران مشروعها الخاص كذلك الولايات المتحدة لها مشروعها الخاص وتقوم العلاقة بينهما بمقدار التقارب بين اهدافهما او التنافس على تشكيل اجنداتهما ، فحين يلتقي مصالح ايران مع امريكا على قضية ما سنجد ان العملية ستأخذ التنسيق الكامل لتقاسم المصالح كما حدث في العراق وافغانستان .
ولمعرفة سر العلاقة بين ايران وامريكا نسترجع اصل العداء بينهما اذا كان حقيقة ام شعارات لها اهدافها المرحلية ولدى الطرفين :
في عام 1980 قال هارولد ساوندرز -مساعد وزير الخارجية الأمريكية الأسبق- في تقرير ألقاه أمام لجنة شؤون الشرق الأوسط "إن المصالح الأمريكية في إيران لم تتغير، ولنا مصلحة قوية في أن تبقى إيران دولة حرة مستقرة ومستقلة .
وفي حديث لوزير الدفاع الأمريكي براون –حينها- وصف حكومة بازركان -أول رئيس وزراء في عهد الخميني- بأنها متعاونة جداً وباستطاعة الأمريكان أن يقيموا معها علاقات ودية .
وفي عام 1986م، قام "بَدْ مكفارلن" مستشار الأمن القومي الأمريكي بزيارة سرية لايران تم التنسيق فيها على التعاون ( الاسرائيلي – الايراني ) والتي عرفت وقتها بـ"إيران غيت" حيث قام الأمريكان -بتعاون ومباركة يهودية- بتزويد إيران بأسلحة لمحاربة العراق البوابة الشرقية انذاك .
وفي الذكرى العشرين للثورة قال آية الله حسين علي منتظري: إن خيار القطيعة بين إيران والولايات المتحدة منذ انتصار الثورة وضع مؤقت قابل للتغيير وفقاً للظروف السياسية والاقتصادية، إن العلاقة مع أمريكا تحددها مصالح البلاد ، لا بدَّ من مراجعة للسياسة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة في شكل عملي، وعلى يد أصحاب الخبرة والاختصاص، وإذا توصلوا إلى وجود مصلحة في التطبيع ما عليهم إلا أن يبادروا إلى ذلك من دون تردد.
وفي مقال لتوماس فريدمان، في صحيفة هيرالد تربيون 1995م ، ذكر أنه حتى هذا العام كانت أمريكا هي الشريك التجاري الأول لإيران، وأن الصادرات الأمريكية إلى إيران زادت عشر مرات منذ العام 1979م.
يقول علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام والرئيس الإيراني السابق، في 8 فبراير 2002م : إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، ولولا مساعدة القوات الإيرانية في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني .
كما صرح محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية سابقا بانّ بلاده "قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق"! وأنه "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة .
كما ان المسئول في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية محمد باقر الصدر صرح بأن مرشد الثورة الإسلامية بإيران –علي خامنئي- قد حث بالعمل مع المعارضة والتعاون مع الأمريكان من أجل إسقاط نظام صدام حسين، وأنه لولا هذه الفتوى ما أقدم على هذه الخطوة .
اذا هل يمكننا كأمة عربية الاتكال على الثوابت الايرانية ومسايرتها مع اننا على علم بان جميع نتائج الاحداث التي تمت تصب في مصلحة المشروع التوسعي الذي وضعه الخميني للسيطرة على ضفتي العالم الاسلامي من خلال حزام شيعي يتألف من ايران والعراق وسوريا ولبنان وبحيث يستخدم النفط وموقع الخليج العربي للسيطرة على بقية العالم الاسلامي ؟
اذا ما الثابت في السياسة الايرانية الحديثة ؟ وهل يعتبر قتال الشيطان الاكبر ( امريكا ) ثابت من الثوابت لدى ايران ام شعار يطرح كمقدمة خبيثة لإخضاع الامة العربية ومن ونظرة شعوبية وطائفية متأصلة تحت بند المرتدين عن اسلام الخميني والمؤكد ثباته بالاجندة الايرانية ؟
ان المدافعين عن وجوب الاتجاه نحو المعسكر الايراني ما هم الا مجموعة عجزة فشلوا في قراءة التاريخ ولم يكلفوا انفسهم بمحاولة الدفاع عن كرامتهم بأيديهم واجنداتهم الخاصة ظنا منهم بأن المنظومة الايرانية وكيل حصري ومجاهد ( كفاية ) عن الجميع حيث امتدت الرؤوس لتقبيل الايادي الفارسية التي تعمل على اذلالهم .
منقول