اكدت وزارة الخارجية الامريكية امس عزم الولايات المتحدة بيع المملكة العربية السعودية 84 طائرة من طراز 'اف 15' وتحديث سبعين اخرى من النوع نفسه، علاوة على سبعين طائرة عمودية هجومية من طراز 'اباتشي' وصواريخ ومعدات عسكرية في صفقة تصل قيمتها الى اكثر من ستين مليار دولار تعتبر الاكبر في التاريخ.
' هناك هدفان بالنسبة الى الولايات المتحدة الامريكية من وراء هذه الصفقة، وغيرها من صفقات مماثلة الى دول الخليج مثل الكويت والامارات وسلطنة عمان:
' الاول: تعزيز القدرات العسكرية في هذه الدول في مواجهة ما تعتبره الولايات المتحدة تزايدا في النفوذ الايراني.
' الثاني: خلق اكثر من سبعين الف وظيفة للعاطلين عن العمل في الولايات المتحدة في ظل الأزمة المالية المتفاقمة.
المسؤولون في الخارجية الامريكية ابدوا ثقة غير عادية في عدم اعتراض الحلفاء الاسرائيليين على هذه الصفقة، وهي ثقة مفهومة اذا عرفنا ان الادارة الامريكية اجرت مشاورات مكثفة مع ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي حول هذه الصفقة وضمنت عدم اعتراض حكومته عليها.
عدم الاعتراض جاء بعد نجاح الابتزاز الاسرائيلي في تحقيق امرين اساسيين:
' الاول: حصول اسرائيل على طائرات مقاتلة امريكية من طراز 'اف 35' التي لا ترصدها الرادارات وتعتبر الاحدث في العالم، والاكثر تطورا من طائرات 'اف 15' بقيمة 15.5 مليار دولار، وحصول اسرائيل على طائرات كان محظورا بيعها الى اي دولة اخرى في الخارج سيعزز تفوقها الجوي في المنطقة بأسرها.
' الثاني: تأكد اسرائيل من نزع بعض الاجهزة فيها، وتقليص مدى ضرباتها، بحيث تحد من قدراتها على ضرب اهداف داخل اسرائيل، الامر الذي دفع باراك الى القول 'بان الادارة الامريكية تفهمت قلقنا من هذه الصفقة وتجاوبت مع طلباتنا'.
الحكومة الامريكية كانت تبرر معارضتها للبرنامج النووي الايراني بالقول ان هذا البرنامج سيؤدي الى سباق نووي في منطقة الخليج، الأمر الذي سيشكل خطرا على استقرار المنطقة والعالم، ولكن ما نشاهده ان سباقاً لشراء الاسلحة التقليدية بدأ فعلاً في الجانب العربي من الخليج تحت عنوان التصدي للنفوذ الايراني.
بمعنى آخر تعمدت الولايات المتحدة تضخيم الخطر النووي الايراني من اجل بيع الطائرات والصواريخ الى دول الخليج ذات القدرات العسكرية والدفاعية المحدودة، وسط تأكيدات من خبراء عسكريين بان معظمها غير قادر على استيعاب الاسلحة الحديثة هذه ناهيك عن استخدامها بفاعلية.
هذه الاسلحة قد لا تستخدم مطلقاً ضد اسرائيل، لانها مبرمجة اليكترونيا، ومجهزة تسليحياً للاستخدام ضد دول غيرها، وبالتحديد ايران. وربما يفيد التذكير بان طائرات وصواريخ ومعدات صفقة 'اليمامة' التي اشترتها السعودية من بريطانيا في مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي استخدمت ضد العراق. كما ان طائرات 'الاواكس' الاستطلاعية المتقدمة جرى استخدامها بفاعليه لفرض مناطق الحظر الجوي في الجنوب والشمال العراقي قبل غزو العراق واحتلاله.
الطائرات الحديثة حتى لو كانت بكامل تجهيزاتها الالكترونية والصاروخية يمكن ان تصد عدواناً خارجياً، او تستخدم لضرب دولة مجاورة بفاعلية، ولكنها قطعاً لن تحمي اصحابها من الاضطرابات الداخلية والخلايا النائمة. فها هي الولايات المتحدة التي تملك اضخم الجيوش في العالم عجزت عن كسب حربيها في العراق وافغانستان.
المملكة العربية السعودية في اعتقادنا تحتاج الى اسلحة حديثة لتعزيز امنها، فهذه الاسلحة حق مشروع، وهي مكسب للعرب، ولكن ما تحتاجه اكثر هو اتباع سياسة اكثر انفتاحاً على قضية العرب المركزية، وان تخرج من عزلتها الحالية تجاه هذه القضية، وتبادر لاتباع استراتيجية توحيدية تتصدى للغطرسة الاسرائيلية، وتسحب مبادرتها للسلام بعد احتقارها اسرائيلياً، وتبادر الى الاقدام على خطوات فاعلة لانهاء الحصار الاسرائيلي على قطاع غزة.
التصدي لايران عسكرياً ربما يكون مشكوكاً في نتائجه على المديين المتوسط والبعيد، ولكن التصدي لها سياسيا بالعودة الى الثوابت العربية، وقضية فلسطين تحديداً هو الاكثر صواباً، والاضمن نجاحاً. فمن غير المنطقي ان تحمل دولتان غير عربيتين هما ايران الشيعية وتركيا السنية لواء القضية الفلسطينية وتتصديان للغطرسة الاسرائيلية، وتصطدمان مع امريكا بسبب ذلك، بينما دول عربية تعزز قدراتها العسكرية لمواجهة ايران في قلب غريب للأولويات.
القدس العربي
شكرا لتواجدك زائر نورت الصفحة