اسرائيل دولة تسونامي. الحياة فيها رائعة في أكثر ايام السنة في أكثر السنين. فالسماء زرقاء، والاقتصاد قوي، والمجتمع آسِر. والاسرائيليون أناس غرائزيون وخلاّقون، طول أعمارهم ونوعية حياتهم لا نظير لهما. لكنه في مرة كل بضع سنين تصيبنا ضربة على الشاطئ. يطغى الماء، وتغرق الشوارع، وتقوم الدولة السعيدة على شفا كارثة. والخطر الذي يرتقبها خطر لا يترصد أي دولة اخرى في العالم. إن دولة التسونامي يجب عليها أن تسلك سلوك دولة تسونامي. عليها أن تحافظ على توازن داخلي دقيق، لا أن تعيش في خوف لكن يجب ألا تُصاب بالدعة، وألا تجعل نفسها حصنا مشوها، لكن يجب ألا تدع نفسها مخترقة من كل جانب. يجب على دولة الساحل أن تهتم بأن تكون اجهزتها متطورة جدا وأن تكون سدودها عالية جدا كي يستطيع سكانها العمل وعيش حياة طبيعية.
كانت اسرائيل في سنيها الثلاثين الاولى دولة تسونامي مذهلة. فقد كانت الاستخبارات ممتازة وسلاح الجو متفوقا، وجهاز الاحتياط كاملا وجهاز الطوارئ محافظا عليه ومكّنها ذلك من الحفاظ على استعداد عال في حين عاشت حياتها. لاءمت اجهزة الحكم والروح الوطنية العامة الوضع الاسرائيلي. مكّنا اسرائيل من الانتصار في حرب 1967 بل أن تثبت للضربة الشديدة في حرب 1973.
لكن التوازن الداخلي اختل في السنين الثلاثين الاخيرة. فالاحتلال والانقلاب والخصخصة والعولمة شوشت على رأي الاسرائيليين. ضاع الادراك العميق لتحدي التسونامي. فتركت النخب، وفسدت الدولة وانهارت الاجهزة العامة. ونشأ وهم أن قوى السوق ستحل كل مشكلة. ونشأ وهم أن مجمعا تجاري الاستهلاك ما بعد الحداثي هو الواقع. ونُسيت حقيقة انه يُحتاج في هذا المكان الى استعداد وتأهب وانضباط ذاتي. ونُسيت حقيقة أن الدولة الاسرائيلية كي تبقى يجب عليها أن تكون دولة نوعية وامتياز.
كشفت حرب لبنان الثانية عن التقصير. فقد بيّنت أن مشكلة اسرائيل العميقة ليست مشكلة يمين ويسار. إن الدولة التي لا قدرة لها لا تستطيع الصمود في الحرب لكنها لا تستطيع صنع السلام ايضا. والدولة التي لا قدرة لها لا تستطيع مجابهة ايران، لكنها لا تستطيع انهاء الاحتلال ايضا. لهذا يقتضي جدول العمل الوطني اعادة قدرة الدولة اليها، وأن تصبح مرة اخرى جسما سياديا قادرا على مجابهة الطوفان الذي لا يمكن منعه.
كان حريق الكرمل الضخم مأساة انسانية تمزق القلب وكارثة بيئية فظيعة. لكن أهميتها الوطنية في أنها علمتنا أننا لم نعلم شيئا ولم ننسَ شيئا. كانت حرب لبنان الثانية كأن لم تكن. أضعنا السنين الاربع ونصف السنة الأخيرة في مشايعة ايهود اولمرت والتشنيع عليه وفي مشايعة بنيامين نتنياهو والتشنيع عليه وفي مشايعة ايلي يشاي والتشنيع عليه. كانت لجنة تحقيق ثم تقرير مراقب ثم انقضاض اعلامي في اللحظة. ولم نعالج المشكلة الأساسية. لم نُنشئ الجمهورية الاسرائيلية من جديد. إن اخفاق الكرمل هو في أساسه اخفاق الاطفاء الجوي. السياسة مثل قِدر يغلي: من المسؤول عن اخفاق الاطفاء الجوي؟ الليكود أم كاديما أم العمل أم شاس؟ لكن الحقيقة أن الجميع مسؤولون عن الاخفاق. الليكود وكاديما والعمل وشاس ايضا. فاستكانة الحكومة، وإسفاف السياسة وضحل وسائل الاعلام. كذلك المزاج العام الوادع الذي أنسانا أين نعيش. لهذا لا يُجدد رقص الأشباح السياسي الجديد شيئا ولا يُسهم في شيء. إن اخفاق الكرمل هو طرف الجبل الجليدي فقط. فالذي يُحتاج اليه إثر اخفاق الكرمل ليس تحقيقا ولا عزلا بل تصحيحا.
تم انتخاب حكومة نتنياهو لتعزيز اسرائيل وتقويتها. وفي مجالات مهمة، خفيّة على الناظر، قوّت اسرائيل وعززتها حقا. لكن في المجالات البادية للناظر لم تفعل شيئا. لم تُغير نظام الحكم، ولم تُحسن الادارة، ولم تصغ تكافلا اجتماعيا. فحكومة نتنياهو بهذا المعنى فشلت فشلا ذريعا. لا يجب أن يمضي لا نتنياهو ولا باراك ولا يشاي لأن الكرمل احترق. بل سيضطر نتنياهو وباراك ويشاي الى المضي في نهاية الامر لأن الدولة تسلك كما تسلك. لا تستطيع دولة التسونامي انتظار التسونامي القادم. انها تحتاج الى تقويم الآن.
هآرتس
شكرا لتواجدك زائر نورت الصفحة