بسم الله الرحمن الرحيم
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ، وأجود الناس صدراً ، وأصدقهم لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرةً ، لقد صدق ملك عمان حينما قال بعد أن التقى به " والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له ، وأنه يغلب فلا يبطر ، ويُغلب فلا يضجر ، ويفي بالعهد ، وينجز الوعد " . لقد رأى أصحابه رأي العين ، كل فضائله ومزاياه ، رأوا طهره وعفافه ، رأوا أمانته واستقامته ، رأوا شجاعته وثباته ، رأوا سمّوه وحنانه ، رأوا عقله وبيانه ، رأوا كماله كالشمس تتألق في رابعة النهار. فالذين بهرتهم عظمته لمعذورون ، وإن الذين افتدوه بأرواحهم لهم الرابحون ، فأي إيمان ، وأي عزم وأي مضاء ، وأي صدق ، وأي طهر ، وأي نقاء ، وأي تواضع ، وأي حب ، وأي وفاء يقول أحد كتاب السيرة الغربيين : كان محمد عابداً متحنثاً و قائداً فذاً شيد أمة من الفتات المتناثر ، و كان رجل حرب يضع الخطط و يقود الجيوش ، و كان أباً عطوفاً و زوجاً تحققت فيه المودة و الرحمة و السكن ، و كان صديقاً حميماً ، و قريباً كريماً ، و جاراً تشغله هموم جيرانه ، و حاكماً تملأ نفسه مشاعر محكوميه ، يمنحهم من مودته و عطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم ، و مع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض ، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل و تغلغلت في كيانه كله و رأى الناس الرسول الكريم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها و رأوها متمثلة فيه ، و لم يقرؤها في كتاب جامد بل رأوها في بشر متحرك فتحركت لها نفوسهم و هفت لها مشاعرهم و حاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم كل بقدر ما يطيق فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل ، و كان هادياً و مربياً بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به . يقول الباحث البريطاني كارييل : إن التشكيك في صحة نبوة محمد صلى الله عليه و سلم و دينه يعد اليوم عاراً كبيراً و إن علينا الرد على مثل هذه الآراء غير الصحيحة ، و الأقوال التي لا معنى لها ، فعلى الرغم من مرور القرون على بعثة هذا النبي مايزال مئات الملايين من المسلمين في العالم يستضيؤون بنور الرسالة . و يقول أستاذ جامعي أميركي : لقد أدرك محمد صلى الله عليه و سلم ـ نصلي عليه طبعاً ـ أهمية الاتحاد و علو منزلة المجتمع الموحد في بعثته الإسلامية و بذلك زرع بيديه بذور الاتحاد و المودة في نفوس المسلمين و سقاها و تعهدها بالرعاية حتى أعطت ثماراً حلوة المذاق . و يقول ميلر الكاتب البريطاني المعروف : إن بعض الديانات تهتم بالجوانب الروحية من حياة البشر و ليس لديها في تعاليمها أي اهتمام بالأمور السياسية و القانونية و الاجتماعية ، و لكن محمداً ببعثته و أمانته الإلهية كان نبياً و كان رجل دولة و مقنناً أي واضعاً للقوانين و قد اشتملت شريعته على أحكام و قوانين مدنية و سياسية و اجتماعية . و يقول الكاتب و الباحث الغربي ريتين : منذ بزوغ بعثة محمد صلى الله عليه و سلم و سطوع شمس الإسلام أثبت هذا النبي أن دعوته موجهة للعالمين ، و إن هذا الدين المقدس يناسب كل عصر و كل عنصر و كل قومية ، و أن أبناء البشر في كل مكان و في ظل أية حضارة لا غنى لهم عن هذا الدين الذي تنسجم تعاليمه مع الفكر الإنساني . و يقول المسيو جان الكاتب و العالم السويسري المعاصر : لو أمعنا النظر في أسلوب حياة محمد صلى الله عليه و سلم و أخلاقه على الرغم من مرور أربعة عشر قرناً على بعثته لتمكنا من فهم كنه العلاقة التي تشد ملايين الناس في العالم لهذا الرجل العظيم ، و التي جعلتهم و تجعلهم يضحون من أجله و من أجل مبادئه الإسلامية السامية بالغالي و الرخيص. أما الفيلسوف الروسي تولستوي الذي أعجب بالإسلام و تعاليمه في الزهد و الأخلاق و التصوف فقد انبهر بشخصية النبي صلى الله عليه و سلم و ظهر ذلك واضحاً على أعماله فيقول في مقالة له بعنوان من هو محمد : إن محمداً هو مؤسس و رسول و كان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ، و يكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق و جعلها تجنح إلى السكينة و السلام و تؤثر عيشة الزهد و منعها من سفك الدماء و تقديم الضحايا البشرية و فتح لها طريق الرقي و المدنية و هو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتي قوة و رجل مثله جدير بالاحترام و الإجلال . و يقول عنه أيضاً : ليس هناك من شك في أن محمداً صلى الله عليه و سلم قدم ببعثته خدمة كبيرة للبشرية فهي فخر و هدى للناس و هي التي أرست دعائم الصلح و الاستقرار و الرخاء و فتحت طريق الحضارة و الرقي للأجيال ، و بديهي أن ما فعله محمد صلى الله عليه و سلم عمل عظيم لا يفعله إلا شخص مقتدر ذو عزم رصين و مثل هذا الشخص و بلا شك يستحق كل إكرام و تقدير و احترام . و يقول مفكر آخر رفع لواء أنه لا إله يقول : الحقيقة أن محمداً قد جاء برسالة لا يمكن إنكارها و هي خلاصة الرسالات السابقة بل و تعلو عليها ، بناء على هذا فإن رسالته للعالم دستور ثابت ، و ما جاء به محمد و أقواله تنسجم و ذوق البشر و إدراك بني الإنسان في هذا العصر . و كم هو جميل ما قاله العالم الإيطالي واكستون قال : لو سألني أحدهم فقال : من هو محمد الذي تمدحه كل هذا المديح ؟ لقلت له بكل أدب و احترام : إن هذا الرجل المشهور و إن هذا القائد الذي لا نظير له و علاوة على كونه مبعوثاً من الله هو رئيس حكومة إسلامية كانت ملجأ و ملاذاً لكل المستضعفين و المسلمين ، و حامية لمصالحهم الاجتماعية ، فإن محمداً الذي يعد باني و مؤسس تلك الحكومة كان قائداً سياسياً لكل ما لهذه الكلمة من معنى .و يقول الكاتب الإفرنسي كورسيه : عندما نهض محمد بدعوته و قبل و بعد انطلاق بعثته كان شاباً شجاعاً شهماً ، يحمل أفكاراً تسمو على ما كان سائداً من أفكار في مجتمعه ، و قد تمكن محمد صلى الله عيه و سلم بسمو أخلاقه من هداية عرب الجاهلية المتعصبين الذين كانوا يعبدون الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد ، و في ظل حكومته الديمقراطية الموحدة تمكن من القضاء على كل أشكال الفوضى و الاختلاف و الاقتتال التي كانت شائعة في جزيرة العرب ، و أرسى بدل ذلك أسس الأخلاق الحميدة محولاً المجتمع العربي الجاهلي المتوحش إلى مجتمع راق و متحضر . و هذا المؤرخ الأوربي جيمس يقول في مقال تحت عنوان الشخصية الخارقة عن النبي صلى الله عليه و سلم و قد أحدث محمد عليه السلام بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في الجزيرة العربية و في الشرق كله فقد حطم الأصنام بيده و أقام ديناً خالداً يدعو إلى الإيمان بالله وحده . و يقول الفيلسوف الإفرنسي كارديفو : إن محمداً كان هو النبي الملهم و المؤمن و لم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العالية التي كان عليها ، إن شعور المساواة و الإخاء الذي أسسه محمد بين أعضاء الكتلة الإسلامية كان يطبق عملياً حتى على النبي نفسه . و يقول الفيلسوف البريطاني توماس كاريل و قد خصص من كتابه فصلاً لنبي الإسلام بعنوان البطل في صورة رسول عدّ فيه النبي صلى الله عليه و سلم واحداً من العظماء السبعة الذين أنجبهم التاريخ و قد ردّ هذا المؤلف مزاعم المتعصبين فقال :يزعم المتعصبون أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية و مفاخر الجاه و السلطان ، كلا و الله لقد كانت في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار و الفلوات المتورد المقلتين ، العظيم النفس ، المملوء رحمة و خيراً و حناناً و براً و حكمة و حجىً و إربة و نهياً أفكاراً غير الطمع الدنيوي و نوايا خلاف طلب السلطة و الجاه ، كيف لا و تلك نفس صامتة و رجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين . و يقول مؤلف كتاب المئة الأوائل في تاريخ البشرية و قد وضع محمد بن عبد الله على رأس المئة الأوائل في التاريخ البشري ، هو الإنسان الأول من بين المئة الأوائل في تاريخ البشرية كلها من حيث قوة التأثير و من حيث نوع التأثير و من حيث امتداد أمد التأثير و من حيث اتساع رقعة التأثير . و يقول كتاب السيرة من المسلمين يصفون شخصية النبي التعاملية أي يصفون جانباً من شخصيته : لقد كان صلى الله عليه و سلم جمّ التواضع ، وافر الأدب ، يبدأ الناس بالسلام ، ينصرف بكله إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً ، يكون آخر من يسحب يده إذا صافح ، و إذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين ، و إذا جلس جلس حيث ينتهي به المجلس ، لم يرَ ماداً رجليه قط ، و لم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار ، و كان يذهب إلى السوق و يحمل بضاعته و يقول : أنا أولى بحملها ، و كان يجيب دعوة الحر و العبد و المسكين ، و يقبل عذر المعتذر ، و كان يرفو ثوبه ، و يخسف نعله ، و يخدم نفسه ، و يعقل بعيره ، و يكنس داره ، و كان في مهنة أهله ، و كان يأكل مع الخادم ، و يقضي حاجة الضعيف و البائس ، يمشي هوناً خافض الطرف متواصل الأحزان ، دائم الفكر لا ينطق من غير حاجة ، طويل السكوت ، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم ، و كان دمثاً ليس بالجاحد و لا المهين ، يعظم النعم و إن دقت ، و لا يذم منها شيئاً ، و لا يذم مذاقاً و لا يمدحه و لا تغضبه الدنيا و لا ما كان لها ، و لا يغضب لنفسه و لا ينتصر لها ، إذا غضب أعرض و أشاح ، و إذا فرح غض بصره ، و كان يؤلف و لا يفرق ، يقرب و لا ينفر ، يكرم كريم كل قوم و يوليه عليهم ، يتفقد أصحابه و يسأل الناس عما في الناس ، يحسن الحسن و يصوبه و يقبح القبيح و يوهنه ، و لا يقصر عن حق و لا يجاوزه ، و لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه ، من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو ما يسره من القول ، كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ و لا غليظ ، و لا صخاب و لا فحاش ، و لا عياب ، و لا مزاح ، يتغافل عما لا يشتهي ، و لا يخيب فيه مؤمله ، كان لا يذم أحداً و لا يعيره و لا يطلب عورته و لا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه ، يضحك مما يضحك منه أصحابه ، و يتعجب مما يتعجبون ، و يصبر على الغريب و على جفوته في مسألته و منطقه ، و لا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه ، و الحديث عن شمائله صلى الله عليه و سلم حديث يطول لا تتسع له المجلدات و لا خطب في سنوات و لكن الله جل في علاه لخصها بكلمات فقال :
" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ "
[ سورة القلم : الآية 4]والحمد لله رب العالمين