بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ،
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما
ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا
اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول
فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة المؤمنون ، لا زلنا في دروس تربية
الأولاد في الإسلام ، ولا زلنا في القسم الثاني في الوسائل الفعالة في
تربية الأولاد ، وكان موضوع الدرس الماضي ربط المربى ، الطفل الناشئ ، طالب
العلم ، بالإيمان ، بالقرآن ، بالإسلام ، بالسنة .
ثقة النبي الكريم بنصر الله عز وجل :
ننتقل اليوم إلى ربط آخر هو الربط الفكري ،
الحقيقة في ساحة الفكر تطرح أطروحات كثيرة جداً ، معظمها ما أنزل الله بها
من سلطان ، هذه الأطروحات إن لم تدرس ، وإن لم تصنف ، وإن لم يستبعد منها
ما كان مُخالفاً للكتاب والسنة فنحن في مشكلة كبيرة .
يعني مثلاً لو أن معلماً أو لو أن أباً يغلب
عليه التشاؤم ، ويغلب عليه ضعف الإيمان ، ويغلب عليه جهله بما في القرآن
الكريم ، وهو كلام خالق البشر ، وهو كلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا
من خلفه ، حينما يغلب عليه التشاؤم فيقول انتهى المسلمون ، كلمة (انتهى
المسلمون)تلفظها ولا تعني مدلولها البعيد ، لكن إن سمعها منك ابنك ، أو
سمعها منك تلميذك ربما ثُبِّطت عزائمه ، ربما خارت قواه ، لذلك الله قال :
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
كلام رائع ، إذا كنت مؤمناً لا تشعر بالهوان
ولا بالحزن فأنت الأعلى ، وهذا كلام خالق الكون ، أنا أحياناً أشعر أن
الإنسان بحاجة ماسة إلى أن يثق بعظمة هذا الدين ، ما من مثلين صارخين
يؤكدان ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الله كهذين المثلين .
لما كان في الطائف ، كذبته قريش ، وحاربته ،
وعزلته ، وسخرت منه ، فعلق الأمل على أهل الطائف ، فلما ذهب إلى هناك مشياً
على قدميه لقيه أهل الطائف بالتكذيب وبالسخرية وبالإيذاء ، فعاد إلى مكة ،
قال له سيدنا زيد وكان رفيقه في هذا السفر : كيف تعود إلى مكة وقد أخرجتك ؟
فقال عليه الصلاة والسلام : إن الله ناصر نبيه ، هذه ثقته بنصر الله عز
وجل .
حينما تبعه سراقة ليقتله ، وليأخذ المئة ناقة جائزة من يأتي به حياً أو ميتاً ، قال له : يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى .
قد تقرأ هذه الجملة ولا تقف عند مدلولاتها
العميقة ، إنسان مهدور دمه ، أي إنسان يقبض عليه يأخذ مئة ناقة ، الناقة
تقريباً تساوي مئتي ألف ، يعني مئة ناقة تساوي مئة مئتي ألف ، يعني مليوني
ليرة تقريباً ، أكثر من عشرين مليوناً الآن ، عشرين مليون ليرة ، قال له :
كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى .
يعني أنا ذاهب إلى المدينة بحفظ الله ، وسوف
أنشئ دولةً ، وسوف أحارب أكبر دولتين في العالم ، وسوف أنتصر عليهما ، وسوف
تأتي إلى المدينة كنوز كسرى ويا سراقة سوف تلبس سواري كسرى ، هذا حصل في
عهد عمر ، إذاً أرأيت إلى ثقة النبي بنصر الله .
المعركة بين الحق والباطل معركة أزلية أبدية :
أيها الأخوة الكرام أنا أشعر أن معظم
المسلمين كادوا أن يقعوا في اليأس ، يرون قوة وعظمة لا سبيل إلى أحد أن
يجابهها ، وهو متمكن من أطراف الدنيا ، متمكن من الأرض كلها رصداً ، وقصفاً
، وإفساداً ، وكذباً .
رجل من جلدتهم ، من ثقافتهم ، من جبلتهم ،
يقنص الأبرياء ، وهذا عمل لا يقره إنسان ، وأول رسالة كتبها يعني بها أنا
إله ، ثم ظهر أن هذا الشخص مسلم ، اسمه جون إيلي محمد ، ألغوا جون ، وألغوا
إيلي ، وبقي اسمه محمد ، محمد فعل ، محمد قنص ، انظر إلى كيدهم !
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾
( سورة إبراهيم )
يأتي المؤمن يرى القوة بيدهم ، والإعلام بيدهم
، والرأي العالمي بيدهم وفي أي مكان ، فمن ضعف إيمانه تخور قواه ، فالمربي
حينما ينطق بلسانه لتلاميذه ، أو الأب حينما يتحدث أمام أولاده أن
المسلمين انتهوا ، ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم ، هذا كلام يعد في نظام
التربية جريمة ينبغي أن تربطه بالحقائق ، لا بالرأي العام السائد المستنبط
من إعلام موجه ، أو من إعلام مزور ، أو من إعلام يقبع على رؤوسه أعداء
الدين .
من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة وقد استولى
الفرنجة على معظم بلاد المسلمين ، واستولوا على المسجد الأقصى ما يقارب
مئة عام وبعدئذٍ هذه الجيوش الجرارة سبعة وعشرين جيشاً من الفرنجة
اكتسحوا الشرق الأوسط وأقاموا فيها مئة عام ، ثم أزيحوا وعاد المجد
للمسلمين على يد صلاح الدين رحمه الله تعالى .
من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة لما خرب
المغول والتتار العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه ، نحن في دمشق نستمع
إلى أحياء قد لا ننتبه إلى معناها ، يقول لك برج الروس ، معنى برج الروس أن
هولاكو أمر بذبح خمسين ألف إنسان ، وضعت جماجمهم على شكل برج ، وجاء وتكلم
وقال ساخراً : استغفروا لنا فقد كنا سبب استشهادكم .
من كان يظن أنه بعد هولاكو وتيمورلنك والتتار
تقوم للمسلمين قائمة ، وقد أزيح التتار والمغول على يد الظاهر بيبرس ،
فاليأس نوع من الجهل ، هذا الإسلام لأنه دين الله ، لأنه يمثل وحي السماء ،
لأنه يمثل الحق يحارب ، لأن المعركة بين الحق والباطل معركة أزلية أبدية ،
فأي شيء تسمعه أو تراه يندرج تحت هذه المعركة .
الربط الفكري :
1ـ ينبغي أن تربط أولادك أو طلابك بالحقائق الناصعة المستنبطة من الكتاب والسنة :
يا أيها الأخوة الشيء الأول الذي ينبغي أن
نلاحظه أن هذا الطفل ، وأن هذا الطالب ، وأن هذا الابن ، وأن هذا المريد إن
صح التعبير يعيش قيماً ، ويعيش تاريخاً ، فإذا شوهت تاريخه ، أو شوهت قيمه
، أو أظهرت له العدو على أنه عدو لا يقهر فهذه ليست تربية ولكنها تسليط
وتشويه ، فينبغي أن تربط هذا الطالب بالحقائق الناصعة المستنبطة من الكتاب
والسنة :
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
وقال :
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي
الْبِلَادِ (196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمِهَادُ (197)﴾
( سورة آل عمران )
وقال :
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ
الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ
الْأَبْصَارُ (42)﴾
( سورة إبراهيم )
من لم يدعُ إلى الله على بصيرة لا يكن متبعاً لرسول الله ولا محباً لله تعالى :
الآن ينبغي أن تربط ابنك ، أو أن تربط تلميذك
بمنابع أصيلة للإسلام ، في منابع أصيلة ، في منابع صافية ، في تغذية صحيحة ،
وفي منابع عكرة ، في منابع مياهها ليست كما يتمنى الإنسان ، فأن تبحث عن
مسجد تثق بنظافته ، وتثق بإخلاص القائمين عليه ، وتثق بالعلم الذي يطرح فيه
، هذه مهمة الأب ، فحينما ينسى الأب أن يختار لابنه المسجد المناسب ،
والأصدقاء المناسبين ، والأصحاب المناسبين أيضاً يكون قد ربطهم بجهات ليست
كما ينبغي ، حينما يقول عليه الصلاة والسلام :
(( بلغوا عني ولو آية .))
[البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما]
كل مؤمن ينبغي أن يختار مسجداً يثق بالقائمين
عليه ، يثق بالعلم ، ويثق بالإخلاص ، ويثق بالصحة والصواب ، فإذا لزمت هذا
المسجد ينبغي أن تنقل ما تسمعه من حق إلى من حولك ، هذه هي الدعوة إلى
الله التي هي فرض عين ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (108)﴾
( سورة يوسف )
من لم يدعُ إلى الله على بصيرة لا يكن متبعاً لرسول الله إطلاقاً ، والذي لا يتبع رسول الله لا يمكن أن يكون محباً لله لقوله تعالى :
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (31)﴾
( سورة آل عمران )
يعني أنا من باب الطرفة أعرف صديقاً يوم
الجمعة يحب أن يشتري الفول من مكان من طرف المدينة الجنوبية ، وهو يسكن في
طرفها الشمالي ، وفي أيام الشتاء الباردة يهيئ مركبته وينطلق بها من طرف
المدينة الشمالي إلى طرفها الجنوبي ليأتي بطبق من الفول ليأكله مع أولاده
صباحاً ، قد يكلفه هذا ساعتين أو أكثر ، أما حينما يريد أن يصلي الجمعة
يختار أقرب مسجد دون أن يعبأ لا بخطيبه ، ولا بطريقة خطبته ، ولا بدعوته ،
يعني عليه أن يركع هاتين الركعتين ليقول صلينا الجمعة والحمد لله ، وسقط
عنه الوجوب وانتهى ، أنا أقول لهذا الإنسان أطبق من الفول أغلى عليك من
دينك ؟!!
بعض أساليب تربية الأولاد الناجحة :
ينبغي أن تبحث لابنك عن مسجد يرتاح له ، يقنع
بخطيبه ، يقنع بمدرسيه ، يقنع بمعهده ، أما أن نلحقه بأي مكان ، بأي مسجد ،
بأي معهد ، من دون الدراسة والتحقق ، هذا أيضاً ليس من أساليب تربية
الأولاد الناجحة ، ولا من أساليب تربية الأولاد المثمرة .
تكلمنا في الدرس الماضي عن الربط الإيماني ،
الإيمان بالقرآن والإسلام والسنة والتاريخ الإسلامي والسيرة ، الآن إلى
الربط الفكري ، يعني الآن يطرح فكر في المكتبات ، في الأسواق ، ما كل كتاب
يقرأ ، ولا كل دار نشر يشترى منها ، هناك دور نشر تبث السم في الدسم ، لأنه
أحياناً كلمة تهز أعماق الإنسان ، لو أنها تمكنت منه دون أن يستطيع أن
يردها بدليل تفعل فعلاً خبيثاً في نفسه .
أحياناً قصة تقرؤها ، قد لا تشعر ماذا فعلت ؟
قرأت قصة من عدة أيام أن فتاة متفلتة لا يضبطها شيء ، استغلت جمالها للحصول
على كل مآربها ، سواء في الدراسة ، أو في التجارة ، أو في المناصب ، وحصلت
على ما تريد ، فتاة زميلتها لأنها ملتزمة ، ولأنها تخاف الله ، وهي محجبة ،
بقيت من دون أن تتزوج ، ثم جاءها زوج فقير جداً بالغ في إهانتها ، وبعد
عشرين عاماً وازنت بين نفسها وبين هذه التي وصلت إلى أعلى مقام ، وأعلى
ثروة ، وأعلى مكانة ، فأيقنت أنها كانت مخطئة أشد الخطأ حينما التزمت منهج
الله عز وجل فانتكست ، هذه القصة بمثابة سم يدس في الدسم ، هل تعتقد أنت أن
فتاة تؤمن بالله ، وتخشى الله ، وترجو رحمة الله ، وهي وقافة عند حدود
الله ، وهي تخشى أن تسخط الله ، هذه تعامل كما تعامل الفاسقة ، إنك إن ظننت
ذلك فإنك لا تقرأ القرآن الكريم .
على المؤمن أن يكون حكيماً في دعوته إلى الله :
قال تعالى :
﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن
نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء
مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾
( سورة الجاثية )
هذا الحكم سيسوءهم ، وهذا الحكم سيدمرهم ،
وهذا الحكم سيثبط عزيمتهم ، وهذا الحكم سيصرفهم عن الحق ، والله أيها
الأخوة زوال الكون أهون على الله من أن يعامل مسيئاً كما يعامل المحسن ، أو
أن يعامل محسناً كما يعامل المسيء ، المطروح أحياناً في بعض الحلقات أن
الله عز وجل طليق الإرادة ، هذا الكلام صحيح ، يمكن أن يضع هذا الذي عبده
طوال حياته وأفنى عمره في طاعته في النار ، ويمكن أن يضع هذا الذي ناصبه
العداء وغرق في المعاصي والآثام في الجنة أتستطيع أن تسأله لماذا ؟ لا ،
لأن الله عز وجل يقول :
﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)﴾
( سورة الأنبياء )
لأننا جميعاً ملكه إذاً يفعل بنا ما يشاء ، هذا الكلام ليس دعوة إلى الله ، هذا الكلام إبعاداً عن الله ، الله عز وجل قال :
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾
( سورة السجدة )
الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
( سورة هود )
الله عز وجل ألزم نفسه بالاستقامة إلزاماً ذاتياً :
الله عز وجل ألزم نفسه بالاستقامة إلزاماً ذاتياً ، قال :
(( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا .))
[مسلم عن أبي ذر]
قال :
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
( سورة القلم )
قال :
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (
﴾
( سورة الزلزلة )
قال :
﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)﴾
( سورة سبأ )
قال :
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾
( سورة الأنبياء )
الله تعالى لا يُسأل عما يفعل من حيث القدرة لا من حيث الرحمة :
هذا قرآن ، أن تقول له إن الله لا يسأل عما يفعل ، قد نفهم هذه الآية
فهماً راقياً جداً ، حينما يكون عدله مطلقاً لا يسأل عما يفعل ، يعني ـ
تقريباً ولله المثل الأعلى ـ لو أجريت مذاكرة وكتبت على السبورة السلم ،
وكيف وزعت العلامات وفق هذا السلم ، وأنت قد صححت الأوراق بدقة بالغة ،
وأعطيت كل ذي حق حقه ، ثم وزعت الأوراق على الطلاب ، ثم سألتهم هل من سؤال ؟
هل من اعتراض ؟ فلزم الجميع الصمت ، ماذا يعني صمتهم ؟ أنك عدلت معهم ،
ماذا يعني عدم اعتراضهم ؟ أنك كنت عادلاً معهم ، لمَ لا تفهم قوله تعالى لا
يسأل عما يفعل من هذا القبيل ؟ لمَ لا تقول مع بعض العلماء عدله يسكت
الألسنة ؟ شيء آخر ، ضربت مثلاً أن أباً لا ينجب ، بعد سنوات عشر أنجب
طفلاً وتعلق به تعلقاً يفوق حدّ الخيال ، يخاف عليه من الهواء ، هذا الأب
من حيث القدرة ألا يستطيع أن يذبحه ، من حيث القدرة فقط ، أليس عنده عضلات
وسكين حادة ؟ من حيث القدرة هل بإمكانه أن يذبحه ؟ تقول : نعم ، سؤال ثانٍ :
أيفعلها ؟ تقول : لا مستحيل ، مستحيل وألف ألفُ مستحيل أن يفعلها ، فإذا
قلنا لا يسأل عما يفعل من حيث القدرة لا من حيث الرحمة :
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
( سورة هود )
أنت حينما تبث في نفوس الطلاب ونفوس الأبناء
الأفكار التي تثبط العزائم ، مرة قرأت قصة في كتاب مدرسة للصف الثامن أن
موظفاً مستقيماً لا يأكل مالاً حراماً ، راتبه لا يكفي ، دخلنا إلى بيته لا
وقود عنده ، ولا زيت ، ولا سكر ، ولا يوجد شيء في البيت ، بيته قطعة من
الشقاء ، حسناً هذا الذي يقرأ هذه القصة بماذا يشعر ؟ ماذا تعني الاستقامة ؟
الفقر المدقع هكذا قال الله عز وجل ؟! الله عز وجل قال :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
(30)﴾
( سورة فصلت )
يعني أحياناً يكون عند المعلمين أو الأساتذة
أو الآباء فكر مشوه ، أو ضعف في فهم كتاب الله ، أو تشاؤم ، أو سوداوية ،
فإذا بثوا أفكاراً لا تنهض بنفوس الطلاب ، فقد تصنف تربيتهم بأنها تربية
مدمرةٌ وليست بناءة .
2ـ ينبغي أن تربط أولادك أو طلابك بالفكر الصحيح المستنبط من الكتاب والسنة :
إذاً الربط الثاني ينبغي أن تربط أولادك أو
طلابك بالفكر الصحيح المستنبط من الوحيين الكتاب والسنة ، لا أن تربطه
بأطروحات وتساؤلات وتصورات ما أنزل الله بها من سلطان ، حدثني أخ أنه سمع
في بعض المحطات من دكتورة مختصة في التغذية ترى أن أسباب الحروب في العالم
كلها تعزى إلى أكل اللحم ، الإنسان إذا أكل اللحم يصبح متوحشاً ، أما إذا
أكل النبات يصبح مسالماً ، القضية سهلة جداً نوقف أكل اللحوم ونأكل خضراوات
، ما كل شيء يطرح في الساحة صحيح .
الربط الاجتماعي :
الآن ننتقل إلى الربط الاجتماعي ، الإنسان
كائن اجتماعي ، الإنسان لا يعيش وحده ، هذه حقيقة ثابتة في الإنسان ،
وأساساً الله عز وجل قهر الإنسان أن يكون في مجتمع ، السبب يعني مكَّنك أن
تتقن حاجة ، أن تتقن عملاً واحداً أو عملين ، أنت بحاجة إلى مليار حاجة ،
تحتاج إلى زر هذا له معامل وله خبراء ، تحتاج إلى خيوط لتثبيت هذا الزر في
القميص ، تحتاج إلى خياط ، تحتاج إلى معلم ، تحتاج إلى حلاق ، تحتاج إلى
خباز ، تحتاج إلى شواء ، تحتاج إلى مكتبة ، يعني حاجات الإنسان لا تعد ولا
تحصى ، لأن الله سمح لك أن تتقن حاجة واحدة ، فهو قهرك أن تكون في جماعة ،
أنت تشتري الخبز صباحاً من الفرن فهل تعرف كيف صار هذا الخبز رغيفاً ؟
بدأنا بحرث الأرض ، وتسميدها ، وتعقيمها ، ثم بزرعها ، وسقايتها ، والعناية
بها ، وتعشيبها ، ثم بمتابعتها ، ثم بمكافحة الأوبئة فيها ، ثم بحصاد
القمح ، ثم بدراسته ، ثم بسلقه ، ثم بتيبيسه ، ثم بطحنه ، يعني لو أنك مكلف
أن تأكل الخبز من صنعك من أول مرحلة شيء فوق طاقة البشر ، لو أنك مكلف أن
تعلم ابنك الرياضيات وأنت لا تقرأ ولا تكتب هذا شيء مستحيل ، إذاً سمح لك
أن تتقن حاجة وأنت محتاج إلى مليار حاجة ، إذاً أنت مقهور أن تكون في مجتمع
والمجتمع مجال للعمل الصالح ، هل يمكن أن يكون لك عمل صالح من دون مجتمع ؟
إطلاقاً .
الآن إذا شخص سكن في قمة جبل ماذا يفعل ؟ يخاطب من ؟ يطعم من ؟ يحل مشكلة من ، لما الله عز وجل قال :
﴿ سَابِقُواْ (21)﴾
( سورة الحديد )
سابقوا هذا معنى المسابقة ، هل سمعت في الدنيا
أن سباقاً يكون فردياً ، والله عملت سباقاً رائعاً كنت الأول ، مع من ؟ مع
نفسي ، هذا مستحيل ، لا يستطيع أن يتسابق لوحده ، سابقوا في مجموعة ، إذاً
الإنسان كائن اجتماعي ، مقهور بأن يكون اجتماعياً .
الطالب أو الابن يحتاج إلى مرجعية دينية :
الإنسان بحاجة إلى مجتمعه ، بل في الدرجة
الأولى هو بحاجة إلى مجتمع ليعمل العمل الصالح الذي هو علة وجوده في الأرض
بدليل أن الإنسان حينما يقارب الموت يقول :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً (100)﴾
( سورة المؤمنون )
كأن أعظم شيء تفعله في الدنيا أن تعمل صالحاً ، والعمل الصالح يحتاج إلى جماعة ، ويد الله مع الجماعة :
(( ومن شذَّ شذ في النار . ))
[الترمذي عن ابن عمر]
((عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد))
[الترمذي عن ابن عمر]
(( عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية .))
[أبو داود عن أبي الدرداء]
أول شيء اجتماعياً الطالب أو الابن يحتاج إلى
مرجعية دينية ، يعني لا يوجد إنسان إلا وله موجه ، فإما أن يكون الموجه
شيطاناً أو ملاكاً ، إما أن يوجهه إنسان من أهل الدنيا ينصحه بالمعاصي
والآثام ، أو إنسان من أهل الآخرة ، فأنت تحتاج إلى من يوجهك ، إلى من
يرشدك ، إلى من يدلك على الطريق ، إلى من يحذرك ، إلى من يشجعك ، إلى من
يأخذ بيدك ، فالطالب يحتاج إلى مرجع ديني ليسأله أحياناً ما حكم هذا الشيء ؟
فأنت دون أن تشعر في البيت تنتقد الدعاة إلى الله ، وقد تسخر أحياناً ،
أنت ماذا تفعل ؟ حطمت المثل العليا في حياة الصغير ، أو أنت حينما تنتقد
معلم ابنك ماذا تفعل ؟ حطمت مثله الأعلى ، فمن الخطأ الكبير أن تنطلق في
البيت تتحدث بشكل صحيح أو غير صحيح عن هؤلاء الذين هم في نظر الناس قدوة ،
فالذي يحصل الآن ما من مجلس إلا وينهش في أعراض الدعاة لماذا ؟ في سبب عميق
، هذا السبب يقبع في العقل الباطن .
أخواننا الكرام الإنسان حينما يعصي الله يختل
توازنه ، إنسان مستقيم لما قبض أول مبلغ حرام اختل توازنه ، دون أن يشعر لا
يصدق أن أحداً أمين ، أنت قبل أن تأكل المال الحرام كنت تعتقد أن هناك
أناساً طيبين ، نزيهين ، صادقين ، أمناء ، تثني عليهم وتعتز بهم ، لماذا
بعد أن أكلت المال الحرام أنكرت أن يكون إنسان مستقيماً ، صار في عقلك
الباطن اختلال توازن ، هذا الاختلال في التوازن لا بد من أن يصحح ، لا بد
من أن يستعيد توازنه .
حينما يعصي الإنسان ربه يختل توازنه :
يستعيد المنحرف توازنه بإحدى طرائق ثلاث : أول
طريقة أن يتوب إلى الله هذا أفضل شيء ، أن يرجع إلى الله ، أن يعقد مع
الله الصلح ، لكن حينما لا يرجع إلى الله وقد شذ ، وعصا ، وانتهك حرمات
الله ، وخرق استقامته ، الآن يحاول أن يعيد توازنه عن طريقين فاسدين ؛ إما
أن يبحث عن فتاوى ضعيفة تغطي انحرافه ويتمسك بها ، ويثني على من أفتى بها ،
ويتهم من لم يُفتِ بها أنه متزمت ، لأن هذه الفتاوى تغطيه ، أو أن يتهم كل
الصالحين بأنهم سيئون ، فهناك شيء شائع الآن أينما جلست هناك من ينتقد ،
أنا لا أقول هؤلاء معصومون ، أما أن يكون الضغط عليهم وحدهم ، وكل هؤلاء
المنحرفين ، والزناة ، وشاربي الخمر ، والمنافقين ، والكذابين كلهم في
منجاة من لسان المتكلم ، أما لسانه يخوض في أعراض هؤلاء الذين توخوا
الحقيقة ودعوا إلى الله ، هذا خطأ كبير ، فإذاً نقد الصالحين هو عملية غير
ناجحة لاستعادة التوازن الذي ينشأ من خلل سببه معصية الله عز وجل ، والدليل
أنت حينما تستقيم تحب أهل الدين وتثني عليهم ، أقوى دليل في عهد النبي ،
السيدة عائشة روج بعض الناس أنها زنت ، الخبر سار في الناس كالنار في
الهشيم ، ماذا قال الله عن المؤمنين ؟ قال : هؤلاء يظنون بأنفسهم خيراً ،
وقالوا : معاذ الله هذا بهتان عظيم ، أما الذي ليس مستقيماً أعجبه الخبر ،
الخبر غطاه ، قال هؤلاء المنحرفون : نحن من ؟ زوجة رسول الله وقعت في
الحرام ، نحن من ؟ فكلما سمع خبراً فيه انحراف ، من يصدقه ؟ المنحرف ، من
يأباه ؟ المستقيم ، فحينما يعصي الإنسان ربه يختل توازنه ، الأولى أن
يستعيده بطاعة الله ، بالاستقامة على أمر الله ، لكنه يفعل أحياناً على
خلاف ذلك ، يستعيده بالطعن بصالحنا ، ويستعيده أحياناً بالتعلق بفتاوى
ضعيفة شاذة تغطيه .
إذاً الربط الاجتماعي يحتاج إلى مرجعية لك ،
مثل أعلى ، طبعاً أنا لا أقول أن هناك إنسان معصوم إلا النبي ، لكن العلماء
قالوا : الأنبياء معصومون والأولياء محفظون ، ومعنى محفوظون أن معصيتهم لا
تضرهم ، بمعنى أنها ليست كبيرة ، كما أنها ليست عن قصد وتصميم ، يعني
سريعاً ما يتوبون ، سريعاً ما يرجعون ، إذاً هم محفوظون وليسوا معصومين ،
والمعصوم هو سيد الخلق وحبيب الحق .
الربط الاجتماعي يحتاج إلى أصدقاء صالحين :
الآن الربط الاجتماعي يحتاج إلى أصدقاء
صالحين ، إذاً الأب والمعلم ينبغي أن يختار لتلميذه ولابنه أصدقاء صالحين ،
لا بد من صداقة ، ينبغي أن تربطه بالصديق الناصح، بالصديق المؤمن ،
بالصديق الذي يصلي ، بالصديق الذي تربى في بيت مسلم ، أما إذا ربطته بصديق
تربى في بيت غير مسلم يذهب إلى بيت صديقه يرى اختلاطاً وأفلاماً وتفلتاً
تعجبه هذه الطريقة ، يكره بيته ، لا يعجبه بيته ، فأنت ينبغي أن تربطه
بمرجع ديني ، أو بمرشد ورع ، عالم ورع ، وينبغي أن تربطه بأصدقاء صالحين
تربوا في بيئة صالحة ، ثم ينبغي أن تربطه بزملاء في العمل ، قد تكون موظفاً
يعني أنت قد تكون عاملاً ، أنت بحاجة إلى أصدقاء وزملاء ، الصديق قد لا
يكون من جنسك ، لكن بكل دائرة ، بكل معمل ، بكل مؤسسة ، بكل مدرسة ، بكل
جامعة تجد أناساً صالحين ، فينبغي أن تربط له صديقاً من جواره أو مدرسته ،
وصديقاً من عمله ، فلا بد من مرجعية ، ولا بد من أصدقاء صالحين ، هؤلاء هم
الربط الاجتماعي للإنسان .
أنا أحياناً تأتيني بعض المشكلات ، أجد أن
إنساناً هو وزوجته وأولاده على استقامة رائعة ، لكن كل أعمام هذا الغلام
ليسوا على منهج أبيه ، فإذا زار هذا الغلام أعمامه وقع في إشكال كبير ،
الأمور غير منضبطة ، والكلام ليس منضبطاً ، والأجهزة ليست منضبطة ، لكن لو
تخيلنا أن خمسة أعمام على منهج واحد ، ومن جامع واحد مثلاً ، والبيوت كلها
منضبطة سواء في الحجاب ، أو في الكلام ، لو هذا الابن زار أي بيت من بيوت
أعمامه لا يتأثر إطلاقاً ، لأن الجو موحد ، عندما يأتي الأخ بأخيه إلى
المسجد أصبح هناك اثنين في الأسرة ، لو حاول أن يأتي بالأخ الثالث أصبحوا
ثلاثة ، لو جاء بالأخ الرابع أصبحوا أربعة ، يعني أصبحوا أكثرية في البيت
منضبطين بالشرع ، فصار الأول استقامته أسهل بكثير لأن هناك من يسانده ،
هناك من يدعمه ، هناك من يدافع عنه ، أما إذا كان فريداً وحده يعني في دعوة
مختلطة ، هذا الشاب الملتزم أكل لوحده يأتيه التقريع والاستهزاء والسخرية ،
أما إذا كل أخواته ملتزمون مثله اختلف الأمر .
إذاً الربط الاجتماعي أن تربطه بمسجد ، أن
تربطه بمرشد ، بإنسان صالح يعد مرجعاً له ومثلاً أعلى ، وأن تربطه بأخوة
في المسجد ، وأن تربطه بأصدقاء في الحي ، وبأصدقاء في المدرسة ، وأصدقاء في
العمل ، يريد في العمل صديقاً ، بالمدرسة صديقاً ، بالحي صديقاً ، بالمسجد
صديقاً ، براعة الأب تتأتّى من اختيار الأصدقاء الصالحين لابنه ، أو
المعلم لطلابه .والحمد لله رب العالمين