القاهرة ـ قتل ثلاثة اشخاص واصيب المئات الاربعاء في القاهرة لدى اقتحام الالاف من مؤيدي الرئيس حسني مبارك لميدان التحرير، معقل المتظاهرين الذين يطالبون بتنحيه، فيما رفض النظام دعوات المجتمع الدولي لتسريع "المرحلة الانتقالية" دون انتظار الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في ايلول/سبتمبر.
وفي واشنطن دعا السناتور الاميركي جون ماكين مساء الاربعاء مبارك الى التنحي، وذلك بعد لقاء في البيت الابيض مع الرئيس باراك اوباما الذي امتنع حتى اللحظة عن اطلاق مثل هذه الدعوة رغم اشارات عدة صدرت عن ادارته توحي بانها تخلت عن الرئيس المصري.
وكتب النائب الجمهوري النافذ على موقع تويتر "انه امر مؤسف، (لكن) الوقت حان ليتنحى الرئيس مبارك ويتخلى عن مقاليد الحكم".
واضاف ماكين ان "هذا الامر يصب في مصلحة مصر وشعبها وجيشها".
ولم تثن التنازلات التي قدمها مبارك وكان اخرها اعلانه مساء الثلاثاء في خطاب للشعب عن عدم نيته الترشح لولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، عزيمة معارضيه الذين ينوون تصعيد حركتهم بتنظيم مظاهرة حاشدة الجمعة قد تتوجه الى قصر الرئاسة.
وبدأ مؤيدو مبارك التجمع منذ الصباح الباكر بالالاف امام مبنى التلفزيون الحكومي وفي ميدان مصطفى محمود في تظاهرات اتهمت المعارضة النظام بالوقوف وراءها.
وتحرك عدد كبير من انصار مبارك الى ميدان التحرير معقل متظاهري المعارضة منذ بدء الاحتجاجات حيث دارت اشتباكات بين الطرفين اوقعت ثلاثة قتلى و639 500 جريحا بحسب وزير الصحة احمد سامح فريد.
واعلن المتحدث باسم وزارة الصحة ان احد القتلى مجند في القوات المسلحة.
وشاهد صحافي من وكالة فرانس عشرات المتظاهرين مصابين ومعظمهم كانوا ينزفون من رؤوسهم في الساحة التي اقتحمها موالون بالخيول والجمال وهم يلقون الحجارة على المتظاهرين.
كما شوهدت سيارات اسعاف تنقل الجرحى تباعا في مجموعات بعضها من اربعة اشخاص الى المستشفيات فيما قام محتجون بنقل جرحى اخرين الى عيادات ميدانية اقيمت في اماكن عدة من الساحة ويعمل فيها متطوعون بوسائل اسعاف اولية.
وقذف بعض من موالي الرئيس مبارك، الذين اكد العديد من المتظاهرين انهم من رجال الامن و"بلطجية" الحزب الوطني الحاكم، المتظاهرين المرابطين فيه لليوم التاسع على التوالي بالحجارة وبقطع حديدية صغيرة. كما اعتلى بعضهم البنايات المطلة على ميدان التحرير والقوا كتلا حجرية على المتظاهرين في الساحة التي تحولت الى ما يشبه ساحة معركة، بحسب صحافي من وكالة فرانس برس.
واطلق الجيش المصري طلقات تحذيرية في الهواء في محاولة لفض الاشتباكات كمااطلقت قنابل مسيلة للدموع لم يعرف مصدرها على المتظاهرين المعارضين لمبارك، بحسب ما افاد صحافي من وكالة فرانس برس.
كما سقطت قنبلتان حارقتان في حديقة المتحف المصري في ميدان التحرير وتمكن رجال الاطفاء بمساعدة افراد من الجيش من اخماد النيران، بحسب المصدر ذاته.
وكانت الاشتباكات لا تزال متواصلة في ميدان التحرير نحو منتصف الليل رغم دعوة وجهها نائب الرئيس عمر سليمان لعودة المتظاهرين الى بيوتهم.
وقال سليمان في "نداء الى جموع المواطنين" أن "الحوار مع القوى السياسية الذي يضطلع به بناء على تكليف" مبارك "يتطلب الامتناع عن التظاهرات وعودة الشارع المصري للحياة الطبيعية بما يتيح الأجواء المواتية لاستمرار الحوار ونجاحه".
واعلن المتحدث باسم الخارجية الاميركية ان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون طالبت عمر سليمان باجراء تحقيق حول اعمال العنف التي شهدها ميدان التحرير.
وقال فيليب كراولي ان كلينتون "شددت خلال اتصال على ادانتنا للعنف الذي وقع ودعت الحكومة الى محاسبة المسؤولين" عنه.
واضاف ان كلينتون "حضت الحكومة (المصرية) على التحقيق" وشددت على "وجوب ان تبدأ عملية انتقال (السلطة) الان"، مكررة ما دعا اليه اوباما الثلاثاء.
واتهمت ثلاث مجموعات احتجاجية رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية باقتحام الميدان "لترويع" المتظاهرين "بهدف اظهار ان الشعب المصري منقسم".
وهتفت مجموعات من المتظاهرين وسط الاشتباكات "مش عايزينه، مش عايزينه" و"يرحل يرحل يرحل" و"مش حنمشي .. هو يمشي".
ورفع مؤيدو مبارك لافتات تقول "لا لاهانة رمز مصر" و"نعم لرجل الحرب والسلام" و"مبارك في قلوب المصريين .. سامحنا يا مبارك".
كما رفعت لافتات مناوئة لابرز وجوه المعارضة محمد البرادعي الذي يشارك في التظاهرات المطالبة برحيل الرئيس المصري والتي اوقعت 300 قتيل بحسب ارقام غير مؤكدة نقلتها الامم المتحدة منذ اندلاعها.
واثر اشتباكات ميدان التحرير دعا البرادعي في تصريحات لقناة الجزيرة الجيش المصري للتدخل لحماية "ارواح المصريين" وعدم الوقوف على الحياد.
واضاف "ما يحدث الان هو مواجهة بين 85 مليون شخص يريدون الحرية وديكتاتور يود البقاء في الحكم".
وكان البرادعي اكد ليل الثلاثاء الاربعاء ان خطاب الرئيس المصري "حيلة". واتهمه بانه "يحاول أن يطيل فترة عدم الاستقرار في مصر وعليه أن يستقيل".
كما اعلنت جماعة الاخوان المسلمين بعد ظهر الاربعاء رفضها بقاء مبارك، الذي يحكم البلاد منذ ثلاثين عاما، في السلطة.
ودان البيت الابيض "اعمال العنف" ضد التظاهرات السلمية في القاهرة، مؤكدا في الوقت ذاته قلقه البالغ من الهجمات التي تتعرض لها وسائل الاعلام.
اما الامين العام للامم المتحدة بان كي مون فاعتبر ان "الهجمات على متظاهرين مسالمين في مصر غير مقبولة".
واندلعت الاشتباكات في ميدان التحرير بعد ساعات قليلة من دعوة الجيش المصري، وهو عماد النظام، للمتظاهرين المطالبين برحيل مبارك الى العودة الى بيوتهم، في تحول لافت لموقفه بعد يومين من اقراره ب"مشروعية" مطالبهم.
وقال الناطق باسم الجيش في بيان تلاه على التلفزيون الرسمي ان "القوات المسلحة تدعو المتظاهرين للعودة الى ديارهم من اجل توفير الامن واستعادة الاستقرار في الشارع".
وفي محاولة لتخفيف الاحتقان، قرر مبارك تقصير فترة حظر التجول الساري منذ الجمعة في القاهرة والاسكندرية والسويس بساعتين ليصبح من الساعة 17,00 الى الساعة 7,00 (من الساعة 15,00 الى الساعة 5,00 ت غ) كما اعلنت وسائل الاعلام الرسمية.
كما عادت خدمة الانترنت جزئيا الاربعاء الى مصر بعد قطعها لاكثر من خمسة ايام.
وبالاضافة الى الاحتجاجات المستمرة في مصر، لا يزال مبارك يتعرض لضغوط خارجية من حلفاء الامس الغربيين الذين يدعونه الى مزيد من التنازلات من دون الذهاب الى حد المطالبة علنا بتنحيه.
فقد اعلن الرئيس اوباما انه ابلغ مبارك "ان عملية انتقال السلطة ينبغي ان تتم في شكل سلمي وان تتم الان".
كما اكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ضرورة ان تكون "المرحلة الانتقالية (في مصر) سريعة" وان "تتسم بالمصداقية وتبدأ الان".
وفي باريس، دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى بدء العملية الانتقالية في مصر "بدون تأخير" "وبلا عنف".
اما رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان فاعتبر ان اعلان مبارك البقاء في السلطة حتى الانتخابات الرئاسية غير كاف داعيا اياه الى "تلبية ارادة شعبه في التغيير بدون تردد".
كما دعت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون مبارك الى التحرك "باسرع وقت ممكن" لتحقيق "الانتقال" السياسي الذي يطالب به المتظاهرون.
ورفضت الحكومة المصرية هذه الدعوات التي تعني عمليا مغادرة مبارك الحكم.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي ان "الحديث عن مرحلة انتقالية ذات ترتيبات مغايرة لما اوضحه رئيس الجمهورية يتناقض مع الدستور بل وينقض على الشرعية الدستورية بشكل واضح" .
واضاف "من المؤسف للغاية ان نجد دولا اجنبية غربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بل وحتى تركيا التي تبحث لنفسها عن اي دور في اي وضع، تدس انوفها فيما تشهده مصر من تطورات".
شكرا لتواجدك زائر نورت الصفحة