تشهد الساحة الفلسطينية حراكا غير مسبوق يركز على كيفية تحقيق الوحدة الوطنية وانهاء حال الانقسام الراهنة بين حكومتي رام الله وغزة. فقد خرج مئات المتظاهرين الى شوارع القطاع يرفعون اللافتات المطالبة بتحقيق المصالحة بين حركتي 'فتح' و'حماس' قطبي المعادلة السياسية الفلسطينية.
الوحدة الوطنية هدف سام وهي ليست موضع جدل على الاطلاق، ولكن ما هو موضع جدل هو الاسس التي يجب ان تقوم عليها هذه الوحدة، والوسائل المتوجب اتباعها للوصول الى اهداف الشعب الفلسطيني وطموحاته.
المنطق يقول انه يجب اجراء مراجعة نقدية متعمقة من قبل فصيلي 'فتح' و'حماس' لكل المرحلة السابقة، والوصول الى تصور واضح حول استراتيجيات المستقبل، وبناء المؤسسات الفلسطينية مجددا وعلى اسس ديمقراطية صرفة.
بمعنى آخر يجب ان تجري السلطة في رام الله نقدا ذاتيا لمرحلة المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، من حيث الاعتراف بالاخطاء الكارثية التي تم ارتكابها وكشفت عنها الوثائق المتعلقة بهذا الامر، واختيار كفاءات فلسطينية جديدة لقيادة المرحلة المقبلة.
فمن المؤسف ان الشعب الفلسطيني الذي بلور اطول ثورة في تاريخ المنطقة، ما زال يقف متفرجا ازاء الثورات التي تجتاح المنطقة وتطيح بانظمة ديكتاتورية متعفنة، دون ان يحرك ساكنا على الاطلاق، وكأن الوضع الفلسطيني يعيش افضل ايامه.
ومن المفارقة انه في الوقت الذي تسارع فيه الانظمة العربية الى تقديم تنازلات لشعوبها، من حيث اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية وتغيير دساتير ووجوه، تتمسك القيادة الفلسطينية، سواء بالضفة أو غزة بالوجوه نفسها والسياسات نفسها في عناد يكشف عن اصرار على التمسك بالخطأ.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يستعد لاستئناف المفاوضات مجددا بناء على وساطة اوروبية، وشبه استعداد اسرائيلي بتجميد الاستيطان، يتمسك بالوجوه نفسها والسياسات نفسها ولا يريد ادخال اي تغييرات، او ضخ دماء جديدة في مفاصل مؤسسته الهرمة، وهذا امر يتناقض كليا مع طبيعة الاشياء.
الوحدة الوطنية ليست شعارا، وانما هي ممارسة عنوانها اجراء اصلاحات جذرية في كل المؤسسات الفلسطينية، في منظمة التحرير مثل المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية والمجلس التشريعي، بحيث يتم تمثيل جميع القوى الفلسطينية على الارض.
المطلوب ايضا خلق الاجواء الملائمة لتحقيق هذه المصالحة من خلال وقف عمليات الاعتقال المتبادلة في الضفة والقطاع لانصار حركتي 'فتح' و'حماس'، والافراج عن جميع المعتقلين.
حالة 'التكلس' التي تعيشها الساحة الفلسطينية هذه الايام يجب ان تنتهي، وتحل محلها حركة سياسية نشطة يكون عنوانها العودة الى الثوابت الوطنية الفلسطينية، وخلق الانسان الفلسطيني الجديد الذي لا يخشى الاحتلال، ويرفض ان يكون عبدا لراتب آخر الشهر.
القدس العربي
شكرا لتواجدك زائر نورت الصفحة