الحمار الأبيض
بقلم : الداعي بالخير
صالح صلاح شبانة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في أثناء استقبال إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني عام 1898م في دمشق , لاحظت الإمبراطورة حمارا أبيض , لفت نظرها وطلبت إلى الوالي أن يأتيها به , لكي تأخذه معها ذكرى , فراح الوالي يبحث عن صاحبه . فعلم أنه يخص أبا الخير أغا . وكان الأغا من وجوه بلدته , ويفاخر دائما بأن له حبيبين : الحمار وحفيده حسني...!!!!
. استدعى الوالي أبا الخير… , وطلب إليه إهداء الحمار الأبيض إلى الإمبراطورة , فاعتذر . فعرض عليه شراءه منه, فأصر على الرفض , ولما اشتد الوالي في الإلحاح , أجابه أبو الخير :
ــ يا أفندينا , إن لدي ستة رؤوس من الخيل الجياد الأصيلة , إن شئت قدمتها كلها للإمبراطورة هدية مني , أما الحمار الأبيض فلا ...!!
استغرب الوالي هذا الجواب , وسأله :
ــ لماذا ؟
قال : سيدي إذا أخذوا الحمار إلى بلادهم ستكتب جرايد الدنيا عنه , ويصبح الحمار الشامي موضع نكتة وربما السخرية , فيقول الناس , إن إمبراطورة ألمانيا لم تجد في دمشق ما يعجبها غير الحمار , ولذلك لن أقدمه إليها , ولن أبيعه !
ونقل الوالي الخبر إلى الإمبراطور وزوجته , فضحكا كثيرا , وأعجبا بالجواب , وأصدر الإمبراطور أمره بمنح أبي الخير وساما , فسمَاه (وسام الحمار الأبيض) ...!!!
هذا ما نقله البارودي في مذكراته ، مع أنني أجهل أي بارودي هو صاحب المذكرات ، ولكن لطرافة الحكاية استعنت بها لأنني كفلاح ومن نشأة قروية أفتخر وأعتز بها ، وأن أبائي وجدودي تقاسموا الحياة مع الحمير ، و أيام المجاعات ،(لا أعادها الله لِما فيها من ذل وهوان على النفوس) تقاسموا معها الشعير ، والذرة البيضاء أيضا ، وكانت الكراديش ولا زالت تطرق أذاننا وتقرع نواقيسها فينا كلما استحضرنا الماضي ، ، وقد كنا نقيم واياها في نفس البيت ، لا نأنف رائحتها ، ولا يزعجنا نهيقها ، وكانت كلها خير وبركة ، تخدمنا وتحملنا ، وموجودة في كل تفاصيل حياتنا ، وحسب الحمار المسكين أنه وخبز الشعير مركوب ومذموم ، كما ذاك الرغيف مأكول ومذموم ...!!!
الحمار يوصف بأوصاف مقذعة ، على أنه قليل الفهم ، وغبي ، وما الى ذلك ، مع أن عشرات الحكايا تدحض تلك التهم القاسية ، ولعل رواية الرجل الذي كان يعمل بالقوادة والدعارة في مكة المكرمة ، والقى الوالي القبض عليه ، وطرده من مكة المكرمة ، فما لبث وأن عاد الى جبل عرفات وأقام تجارته هناك ، وكان يرسل الحمير فيركبها زبائن السوء ، ويأتون داره ، فوشى به البعض للوالي فأحضره ، وقال له : ويحك ، طردناك من بيت الله الحرام ، فذهبت الى المشعر الأعظم..؟؟!!
فأنكر ما أسند اليه من التهم ، فقال الواشي به للوالي :
ــ احضر يا سيدي الحمير واركب أحدها وسترى أين يمضي بك ..!!
وبالفعل ركبوها فسارت بهم لوحدها الى بيت الرجل السوء ، وهنا قبل الوالي شهادة الحمير ، وأراد اقامة الحد عليه ، فتوسله قائلا :
ــ والله لا يحزنني يا سيدي الا شماتة أهل العراق بك عندما يقولون أن والي وأهل مكة يقبلون شهادة الحمير ..!!
أردت بهذه الحكاية الأشارة الى ذكاء الحمير ، وإن حمارا أجربا خير من قائد صنم يذبح أبناء شعبه من أجل منصب يعض عليه بالنواجذ ، وان دم البشر أرخص من بويا الأحذية ومعجون البندورة ، وأن أبادة شعبه أهون عليه من لقب رئيس سابق ...!!!
فلو كان فخامته حمارا لكان خيرا من تلك الفخامة المنفوخة بالهواء الفاسد ...!!!
والحمار كان ملهما لكثير من المفكرين والفلاسفة ، ولعل أبرزهم توفيق الحكيم ملهم عبد الناصر مفجر ثورة يوليو 1952 في كتابه القيم (عودة الروح) ، والباحث الفلسطيني جميل السلحوت في كتابه القيم (حمار الشيخ) وغيرهما ممن كتبوا عن الحمير، ولعل شرف الحمار يتجلى عندما يكون حاكما في البيت الأبيض ، كلما فاز الديموقراطيون بالحكم ، فيعلو حافره الكريم العالم ، حيث ننزوي تحت حافره لمدة أربع سنوات ، قابلة للتجديد بتكرار الولاية ...!!!
مرحى للحمير ، واللعنة على من لم يرتقوا لمصاف الحمير...!!!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]منتديات سنجل الباسلة
الموقع الشخصي للكاتب والباحث صالح صلاح شبانة
هذا الرابط لموقع شخصي وخاص ، وهو محاكاة للتراث الشعبي حسب وجهة نظر الكاتب ، وقد يطلق عليه التأريخ الأبداعي ، وهو يختص بتراث القرية الفلسطينية من وجهة نظر أهل سنجل ، أرجو وأتمنى منكم عدم حذف الرابط بذريعة قوانين المنتدى ، وأرجو من القوانين القفز عن هذا الرابط لما فيه من تواصل بين أبناء الشعب الفلسطيني المهَجّرين ، ولكم التحية .