بسم الله الرحمن الرحيم
ملا حظة : لا احب المطولات وأعتقد انكم كذلك لكن لأهمية الموضوع هذا نقلته بكامله لعل احدا يقرأه بتمعن وتأمل وروية.
"العقيدة الإسلامية عقيدة كفاح ونضال"
إن كلمة العقيدة تعني الجزم والقطع في الأمور الأساسية، وعقيدتنا تضيف الى المعنى اللغوي معنى شرعيا تجعل من يعتنقها أكثر صلابة وأعظم كفاحا في سبيلها بحيث يظهر أنه رجل من طراز معين . ولذلك رأينا في التاريخ أن من اعتنقوها صار لهم تاريخ غير تاريخهم قبل اعتقادها، والعبيد الذين أصبحوا سادة الدنيا شاهد من الشواهد، وتمكن جيش المسلمين أن يطأ قلب أوروبا ويأسر قيصر روسيا للقسطنطينية ويجتاح يوغسلافيا والمجر والنمسا شاهد آخر .
فما سر هذه العقيدة يا ترى حتى أنها تستطيع أن تخلق من الإنسان الضعيف رجلا عظيما يحمل مسؤولية العالم بأسره ؟ وتجعل من الشاب الصغير قائدا عظيما تخشاه الدول والكيانات وهو فرد أعزل لا يحمل غير العقيدة سلاحا ؟ فما سر هذه العقيدة يا ترى ؟
إن واقع العقيدة الإسلامية من الإيمان الجازم بأن الله واحد أحد خلق الكون والإنسان والحياة ،وهو مدبر ما في الكون وأن الحياة فانية وأن الإنسان مصيره إلى الجنة أو إلى النار وأن الرزق بيد الله وحده وأن انتهاء الأجل بيد الله وحده وأن القرآن من عند الله أرسله للبشرية بعد اكتمال الحياة الإنسانية وقد جاء به سيدنا محمد بوحي من الله قول واقع هذه العقيدة هو مكمن سر قوة من يعتنقها ،وهو سر اندفاع من يحمل العقيدة الإسلامية وإليك بعض التفصيل .
خلق الله الدنيا لتكون مكان اختبار للبشر{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }الملك2، ثم ستكون الجنة أو النار .
الجنة التي هي دار مقام ولها بداية ولكن ليس لها نهاية {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }العنكبوت64، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وما لم يخطر على قلب بشر.
{أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }{ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }. والنار التي فيها مقامع من حديد وطعامها الزقوم وشرابها ماء يغلي يُقطِّع الأمعاء، والعذاب لا ينتهي{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء56
فالعذاب لا يتوقف ولا يخفف عنهم ولا يقضى عليهم فيموتوا{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ }فاطر36
وهذا كله يطلق عليه رب العزة{لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ}،فإذا كان هذا الوصف لجهنم هو للذوق فما هي طبيعة العذاب إذن ؟
فإن أدلة ذلك أدلة قطعية في ثبوتها وفي دلالتها فإذا آمن الإنسان بها فإنه يستحقر كل عذاب في الدنيا يصادفه من أجل عقيدته، ومن أجل الثبات عليها، ومن أجل أن تبقى عزيزة وهي المهيمنة على البشر.
فإذا آمن الإنسان بالجنة وما فيها من نعيم مقيم وآمن بالنار وما فيها من عذاب مستطير، وكان هذا الإيمان القطعي مدركا واقعه، متصورا في الأذهان حقيقة أنه يستهان ما دونه من تعذيب البشر، من تعذيب المخلوق، فيصبح المؤمن جبلا شامخا لا تؤثر فيه سياط المجرمين ولا سجن الساقطين ولا عذاب المنبوذين بل يستعذب ذلك في سبيل عقيدته .
هذا الجزء من العقيدة وحده كافٍ لكشف سر هذه العقيدة وكيف حولت عبد الله بن مسعود الذي كانت تذرو الرياح ساقيه الى رجل عظيم تكون قدماه عند الله أثبت من جبل احد .
وهذا تفسي بيِّن لثورة صهيب وبلال وسلمان على أسيادهم ،وهذا الدافع الوحيد الذي جعل ياسر والد عمار يرحب بالموت تحت عذاب كفار قريش، وجعل سمية أول شهيدة في الإسلام تحتسب الطعنة في قلبها وهي الطعنة التي ماتت فيها جعلتها تحتسبها هذا الامر الجلل في سبيل الله، وهذا ما عالج به رسول الله صلى الله عليه وسلم نفوس أصحابه في مجابهة عذاب قريش حيث كان يمرعلى آل ياسر ويقول(صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)،ونحن نقول لأحباء الله ،وأحباء رسول الله الذين آمنوا به ولم يروه الذين لم يجدوا على الحق أعوانا، نقول لهم تصوروا واقع سلفكم وواقع عقيدتكم وأحيوها من جديد ولتبقوا متصورين واقع عقيدتكم حتى يفتح الله لكم ويأتي اليوم الموعود . جعلت العقيدة الإسلامية الحرب والقتال هو الطريق الوحيد لحملها للعالمين فقد قال صلى الله عليه وسلم(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله محمد رسول الله فإن قالوهــــــا فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)وقال(فوالذي نفس محمد بيده لأجاهدنَّ على ما بعثني الله به أو تنفرد هذه السالفة)؛ فجعل القتال والحرب هو طريقة حمل الدعوة وجعل استمرارية هذه الطريق حتى الموت وحتى انتهاء الحياة على الأرض .
وهذا كان قبل إقامة الدولة بشكل صراع فكري أي الحرب على جميع أفكار الكفر حتى تذل وتتلاشى وبشكل كفاح سياسي أي بالتصدي للسلطة القائمة لبيان زيفها وخداعها وسوء رعايتها للناس فلا تترك مناسبة إلا ويهتبلها لإسقاط هيبتها من نفوس الناس لتكثر الأيدي التي تمتد للأخذ بحلاقيمها والإجهازعليها وجعل جزاء ذلك الجنة فقد قال صلى الله عليه وسلم(سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله) فجعل من يحمل العقيدة الإسلامية بطريق الكفاح السياسي وبالصراع الفكري بأنه سيد الشهداء في الجنة، والشهداء والصدِّيقون يحشرون مع الأنبياء والصالحين، وقال صلى الله عليه وسلم(إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)فجعل الكفاحية في بيان العقيدة وأحكامها ولدفع أذى الحاكم من الرعية جعل الكفاحية هذه جهادا بل أعظم أنواع الجهاد.
فجعل كفاح الحاكم الظالم حتى الموت هو الطريقة لردعه عن الظلم ولإبلاغه كلمة الحق وكان من ضمن البيعة في بيعة العقبة الثانية(وأن نقول الحق أينما كان، لا نخاف في الله لومة لائم) كما جعلت العقيدة الإسلامية النضال والقتال طريقة لمنع الحاكم من أن يحكم بأحكام الكفر فقال صلى الله عليه وسلم(خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال : لا ما صلوا)أي ما طبقوا حكم الإسلام وفي رواية عبادة بن الصامت :دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما اخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمرأهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان)وفي رواية(كفرا صراحا)أي أنه يجب التمرد على الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله وأن قتاله ومنازعته هي الطريقة لذلك فمقاومة أحكام الكفر من أهم ما في العقيدة الإسلامية من أفكار .
إلى جانب ذلك جعلت العقيدة الإسلامية القتل لمن يصبأ ويغير عقيدته الإسلامية قال صلى الله عليه وسلم(من بدل دينه فاقتلوه)،كما جعلت من يعمل على تجزئة الدولة الإسلامية وكيان الأمة الإسلامية جزاءه القتل قال صلى الله عليه وسلم(ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر كائنا من كان)وقال صلى الله عليه وسلم(من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)؛ فحماية سلطان الإسلام وحماية المسلمين لا تنفصل عن القتل والقتال حتى تبقى العقيدة الإسلامية قوية في الأمة تخيف دول الكفر وتطيح بالتيجان حتى يظهر الله هذا الدين على الدين كله .
فهذا كله وهو اعتناق العقيدة الإسلامية وحملها وحمايتها وتطبيقها وحماية بيضتها تقويم السلطان كل ذلك يُري بوضوح أن المسلمين يجب أن يعتنقوا الفكرة الإسلامية بوصفها فكرة لا ينفصل عنها القتال ولا النضال ويجب أن تكون صورتها التي في أذهانهم صورة فكرة قتال ونضال، فإن هذا وحده هو حياتها وهو سر بقائها .
وقد تصور الصحابة هذا الواقع وأدركوه حق الإدراك فانطلقوا في صراعهم مع كفار قريش على أقوى ما يكون وتحملوا الجوع في سبيل ذلك فقد أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال(ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مالنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خلط".
وأخرج الشيخان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول"والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار،قلت يا خالة : فما كان يعيشكم ؟ قالت :الأسودان التمر والماء ، إلا أنه قد كان لرسول الله جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- من ألبانها فسقيناه" ،وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي جالسا، فقلت يا رسول الله ! أراك تصلي جالسا فما أصابك ؟ قال : الجوع يا أبا هريرة ! فبكيت، فقال(لا تبك يا أبا هريرة؛فإن شدة الحساب يوم القيامة لا تصيب الجائع إذا احتسب في دار الدنيا) وورد عن الصحابة أنهم كانوا يأخذون الحجارة ويشدون بها على أخمص بطونهم ثم كان واحدهم يشده بثوبه ليقيم صلبه، ولهذا فإن حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم-(من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما قد زويت له الدنيا)كان مفهوما عندهم وكان عقيدة عندهم في سبيل حمل عقيدتهم فانطلقوا يعشقون الموت في سبيل الله لا يسألون عن رزق ولا عن جوع في سبيل هذه العقيدة واضعين قوله تعالى نصب أعينهم {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }البقرة،155 فصبروا على البلاء وأيقنوا أن الله حرمهم من بعض متاع الدنيا ليدخر لهم كل متاع الآخرة . فحملوا العقيدة للناس غير آبهين بعذاب البشر أو بالفقر وكان طبيعيا أن يقول خبيب بن عدي :
ولست أبالي حين أُقتل مسلما = على أي جنب كان في الله مصرعي
وكان هذا جوابا للكفار الذين هددوه بالقتل وفعلا قتلوه فلقي الله راضيا مرضيا ، ومن مقتضيات العقيدة الصلابة والثبات عليها وما ينبثق عنها من أفكار وحملها بالطريق الكفاحي فتحملوا أشد صنوف العذاب في سبيل هذا الاعتقاد فقد أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين وكان عمه يعلقه في حصير ويدخله عليه بالنار وهو يقول ارجع . فيقول الزبير : لا أكفر أبدا .
وقد تحدى عبد الله بن مسعود قريش في أنديتهم وتلا القرآن حول الكعبة في رابعة النهار، وكفار قريش مجتمعون وناله من الأذى ما ناله ولم يبال واحتسب ذلك لله تعالى .
واستغرب كل الغرابة ممن يعرفون هذه المواقف العقيدية من الصحابة الكرام وبإقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك يلوم على بعض الشباب الذين يعتقلون وهم يوزعون النشرة بشكل كفاحي متذرعين أن الحزب لم يطلب منهم التوزيع الكفاحي ناسين أن الكفاحية من العقيدة وبأمر من الله وأن السيادة للمبدأ لا للحزب، وأن المسيِّر هو الشرع لا الحزب، وأن الدليل الشرعي هو المطاع لا الحزب، ليت شعري كأنهم يريدون علما بأن الحزب لم يناد بعدم الكفاحية ولم يقبل الضعف أن يطمسوا كفاحية الشباب التي استمدوها من مبدئهم وسرت في دمائهم مؤثرين السلامة على الأذى في سبيل الله .
فهل الحكم للعقل حتى نستنكر كفاحية الشباب في أعمالهم ؟ أو حتى على الأقل نعتبرهم متهورين . أوليس مطلوبا منهم الجهر بالدعوة وأن يصدعوا بها بين الجماهير ؟ فأين هذا القول من تحدي عمر بن الخطاب لقريش عند الهجرة بإقرار من الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وأين هذا من تحدي عمر قريشا في ناديهم حول الكعبة عندما أسلم فأخبر شخصا ممن لا يكتمون سرا من قريش وأخبره أنه أسلم ليشيع في قريش أنه أسلم ،وعمر يمشي خلفه وغير هؤلاء كثير ممن تحدى قريشا في عقيدتها ونالهم الأذى البليغ من جراء هذا التحدي، ولكن العقيدة تأمر بذلك ورتبت الثواب العظيم على هذا التحدي وعلى الثبات على هذا الفكر مهما كانت النتيجة حتى لو كانت القتل ،قال تعالى{أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ }التوبة13،وقال تعالى {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }آل عمران172،173.
وهذا نبي الله هود عليه السلام يقول متحديا بأكمله {مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ }،{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }هود 55 ،56 ، وهؤلاء السحرة الذين آمنوا بمعجزة نبوة موسى عليه السلام يعلنون إسلامهم ويقفون موقفا عقائديا رغم أن ذلك كان ساعة إيمانهم فقالوا لأعتى العتاة فرعون الذي توعدهم بالصلب والقتل وتقطيع الأيدي والأرجل، قالوا له متحدين في سبيل عقيدتهم{ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا }طه72
وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول لعمه أبي طالب رادَّا على قريش وما طلبته منه من مهادنتهم أجابهم(والله ما أنا بأقدر أن أدَع ما بعثت به من أن يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار).
وهذا التحدي من الرسل وهذه الصلابة والكفاحية في الدعوة لم تكن لأمر واحد وهو العقيدة فحسب بل كانت لكل ما جاء به الوحي عليهم ،ولم تذكر لنا في القرآن الكريم للعلم والتسلية ولحصول الثواب من تلاوتها فقط ؛ بل للعمل والاقتداء .
فهذه المواقف العظيمة لا تستوي عند الله بالمواقف الضعيفة ممن يعطون معلومات للمخابرات أعداء الله عن أنفسهم وعن إخوانهم من شباب الحزب جاعلين عذاب المخلوق كعذاب الخالق وقد ذم الله هذه المواقف الضعيفة بقوله تبارك وتعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ }العنكبوت10، وكأننا لم نسمع بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم(لا يدخل الجنة قتات) فيجب أن يكون الشباب أكثر صلابة وأشد تحديا للسلطة وللمنبوذين أعداء الله من أجهزة المخابرات، أجهزة توطين الكفر والدفاع عن الكفار والمجرمين.
يجب أن نكون أشد صلابة وأن لا نفرط بأية معلومات عن الشباب حتى لو كانت معلومة لديهم، وأن نصبر على الأذى لنلقى الله راضين مرضين، وأن نحافظ على عزة المؤمنين، قال تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة214
فحدد العاقبة وهي الجنة وحدد الثمن وهو الجهاد وما يترتب عليه من اذى وقتل وصبر على الأذى وقال تعالى{ الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3} العنكبوت .
فالله يكبر الشاب الذي يتحدى السلطة بالتوزيع الكفاحي للنشرات، والله يعظم الشاب الذي يصدع بأمر دعوته بين الناس وفي وسط الجماهير متحديا كل الحواجز المادية التي تعترض سبيل دعوته وهذا بنص الوحي؛فالقول بغير هذا من العقل لا من الشرع، ومن الهوى لا من الإسلام ، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- طلب من ابي ذر الغفاري ان يكتم اسلامه ويعود الى قومه حتى يظهر امر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يعلنه ولكن ابا ذر اعلنها في وسط الكفر عند الاصنام صارخا بأعلى صوته اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله، فامتدحه الرسول ولم يلمْه ولم يعتب عليه بل إن المواقف الضعيفة كإعطاء المعلومات بدون عذر شرعي للضعاف من الرجال وللنساء والأطفال وليست للفتية الذين آمنوا بربهم، وليست للأقوياء في إيمانهم؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال(المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف)بين الخيرية في قوة الإيمان، وهذا يعني قوة الثبات على الإيمان بدليل قوله تعالى {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }التوبة19
فالكفاح والنضال في سبيل العقيدة في قمة الأعمال عند الله وأعد لها الدرجات العلا ، وتحمل الأذى في سبيل الله فيه العقيدة واضحة بأن لا رب إلا الله ولا معبود إلا الله فكيف أقبل لنفسي أن اجعل أراذل الناس وهم المخابرات وغيرهم من المفسدين في الأرض من أجهزة السلطة كرب الأرباب اعترف لهم بكل صغيرة وكبيرة رغم أنهم لا يعلمون شيئا إلا ما فرط به بعض الشباب قبلهم .
فالله جلت قدرته يوم القيامة يختم على الأفواه لتشهد على المرء رجله ويده وجلده وكل شيء يشهد عليه من جسم فتلك قدرة الله أفنجعل قدرة المفسدين في الأرض، كلاب الأثر كقدرة الله؟، نخشاهم ونعطي الدنية في ديننا ! نخشاهم لدرجة أننا نجعل من أنفسنا جواسيس على أنفسنا، فكأن الرقيب والعتيد له صلة بهم لا بالله !! فإلى متى هذا الخور ؟؟ لعمري إن سببه الوحيد هو ضعف الاعتقاد وموت العزائم في الله .
فعلينا أن نزيل الأتربة العالقة بعقيدتنا ونزيل الآن الذي غلف القلوب أفلا يستحق خالق الخلق وملك الملوك أن نسترخص أنفسنا في سبيله، وأن نقدم أجسامنا قطعة قطعة ضحية لبارئها ؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل . والعلاج والموقف الصحيح هو في القرآن الكريم{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ }،{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }النحل 127،128،{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }،{فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }إبراهيم 46،47.
وقال جل وعلا{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }،{يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }غافر51،52 .
إن الشباب الذين وقفوا المواقف العظيمة في وجه المفسدين في الأرض تسجل لهم عند الله ولهم المنازل العلية عند ربهم وسيرفع ذكرهم في الدنيا ويجيب الناس فيهم لأنهم أطاعوه جل وعلا في هذه المواقف وفعلوا فعل الأنبياء فهم أولياء الله الصالحون وسينجز لهم ما وعدهم وإن غدا لناظره قريب .
هؤلاء الشباب الذين استيقنوا أن حمل الدعوة عبادة يتقربون بها الى الله تعالى وسيلقون وجه الله بها دفعتهم عقيدتهم للاستخفاف بوعيد الظالمين لوعد الله فسطروا بذلك مواقفهم الخالدة مستعذبين المشقة والأذى في سبيل الله ، مقتدين بعبد الله بن سهل وأخيه رافع- رضي الله عنهما - اللذان خرجا إلى حمراء الأسد وهما جريحان من غزوة أحد يحمل أحدهما صاحبه ولم يكن لهما ظهر .
ومقتدين بالرسول صلى الله عليه وسلم(لقد أوذيت في الله وما يؤذى احد، وأُخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة ومالي ولبلال ما يأكله ذو كبد) ومتأسين بالرسول الكريم وبدعائه عندما خرج للطائف من مكة ماشيا على قدميه يدعوهم الى الإسلام فلم يجيبوه، وصفُّوا أولادهم صفين يضربون الرسول بالحجارة حتى أدميت قدماه ولم يظهر عليهم الجزع ولم يبد إحساسه بالألم حتى توارى عن القوم ولجأ الى حائط دعا الله قائلا (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم الى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك)
فوالله ما لنا إلا الصدق والصبر حتى يُظهر الله هذا الأمر ويشفي صدور قوم مؤمنين، ويبدل خوفنا أمنا، ويمكن لنا ديننا الذي ارتضى لنا، وإنا لنراه قريبا ويرونه بعيدا{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21
أخرج البخاري عن خباب- رضي الله عنه- قال (أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة، وقد آتينا من المشركين شدة، فقلت : ألا تدعو الله ؟؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال : قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل، ولكنكم تستعجلون"
ولنتذكر قوله تعالى {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ{4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ{5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ{6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ{7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{8} البروج
والله نسأل أن ينقلنا من ذل المعصية إلى عز الطاعة عن قريب فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم .