سواليف قاضي معزول
تأليف : سعاده عوده أبو عراق
7- رحلــــــة مــع النَّــوَر
اختارها لكم الداعي بالخير صالح صلاح شبانة
زمان ، في أول الخمسينات ، لما كانوا الناس يسافروا على الكويت أو السعودية ، ما كان لا طيارات ولا باصات كويسة ، ولا تكسيات تقدر تسافر في الصحرا ،ولا أصلا في قطارات ، وكانت الرحلة مغامرة ، فكانت الناس تسافر في تركات قديمة مهكعة بشكل جماعي ، حتى يتعاونوا ويحموا بعض ، وكان الترك بده حتى يحمل حمولته يومين أو ثلاث ، المهم كان ترك كبير عاملين له كراسي خشب طوال ع الجواب مثل سيارات الجيش ، أو لأنها في الأصل تركات من مخلفات الجيوش في الحرب العالمية ، المهم بعد يومين حوَّش الترك حمولته، طلع فيه ناس كثير مع غراضهم وشنتاتهم وأكلهم ، كل واحد عامل حاله أفندي ، عامل مسافة بينه وبين غيرة ، لأنه كل واحد بدة يساوي حاله مهذب ، إلا مجموعة من الناس كتيرين الحركة والصياح ، وصوتهم عالي وكراكيبهم كثيرة ، طالعين وكأنه ما حدا موجود غيرهم ، أو كأنهم احتلوا الترك ، الناس متضايقة منهم ، لكن كل شي له حدود ، قام واحد صاح ، شو هالنورنة ، قام واحد منهم وقال كأنه بيفتخر ما هو إحنا نَوَر ، اطلعت الناس على بعض وقالوا مبهوتين نور... !!؟؟، شو طلعكم معنا ؟ طبعا ما في قانون أو عرف أو عادة بمنع النور حقوقهم في الحياة الاجتماعية ، قايم على التمييز مثل ما كان في أميركا بين البيض والسود ,فإللي ما كان منتبه عليهم انتبه أكثر وخاصة على خربوش مطوي وملفوف ، وعلى الصرر والأكياس والجاج والأرانب وشوالات الخبز اليابس ، وقربة المي المصنوعة من جلد الغنم . هذا عدا الدفوف والطبول وكلاب ثنين ، فقال واحد يتمسخر وين الحمير ، ليش تركتوهم ؟ ما كان واحد فيهم بمزاج حتى بضحك ، فالكل متنشن ، ومش عارف شو بده يساوي ، راحوا شكوا للشوفير عشان ينزلهم ، فقال لهم ما صدقنا وإحنا نكمل الحمل ، ونتوكل عالى الله ، وإلا بدكم نقعد لبكرة ، المهم جمطوها وبعضهم قال ، هي سفرة العمر ؟ وثاني شي ، ما هم مخاليق ربنا كمان ، فرد علية واحد وقال له ، هذول لو انهم متحضربن ، كانوا بندمجوا في المجتمع والناس بتتقبلهم .
المهم الشوفير قال تسهلنا ، جاب المناويلا ودور الماتور , لأنه الترك من مخلفات الحرب العالمية ، وما فيه دينمو ، هذا يعني إنه الترك مأنتك ،لكن ما شاء الله عليه مشى على الطريق المرصوف والمعبد وما في شي ،وكمان لما طلع على الطريق الترابيى ظل ماشي والغبرة قاطبة وراه مثل الغيمة ، وما صارت الدنيا العصر إلا كانوا داخلين في الصحرا، لا في علامات على الطريق، لأنهم وصلوا المنطقة الرملية ، والعجلات صارت تغرس ، أما الشوب كان جهنم الحمرا ، الكل خلص مياته إللي معاه ، والرمل دخل على ألأكل إللي معهم ، فلما صاروا بدهم يوكلوا ماقدروا من الرمل اللي بصرك تحت اسنانهم، فرموا الأكل لأنهم راح يصلوا المغرب لمدينة نسيت اسمها ، المهم الترك غرس في الرمل ، العجلات صارت تدور وهو ينزل في الرمل ، حتى صفى بارِخ ع الشصي ،شو بدهم يساووا ، راحوا نزلوا اغراضهم بلكي خفت الحمولة وقدروا يطلّعوه من الرمل ، لكن ما قدروا وقعدوا يستنوا رحمة ربهم ، تحت الشمس ، لا قادرين يقعدوا تحت حديد الترك ولا تحت الشمس ولا في شجرة ولا حجرة ، ولا حدا عارف كيف بده يساووا ، وما فيه إلا يستنوا حتى تمر سيارة إما يركبوا فيها أو يخبروا حدا ييجي ينقذهم ، كل الركاب معصبين جيعانين عطشانين شوبانين ، خايفين من الحيايا والعقارب والبواهش إلى بيقولوا عنها في الصحرا ، إلا النور ولا كأنه في شي ، نزلوا الخربوش وطالوا العيدان والحبال وبنوا الخربوش في ربع ساعة ، وقعدوا فيه على الرمل ، والناس تتطلع عليهم ، لا قادرين يقعدوا معهم ولا عارفين شو بدهم يساووا ، وقبل ما تعتم الدنيا طالوا الخبزات اليابسات وبلوهم بشوية مي وصاروا يوكلوا ، والناس بتتطلع عليهم ، لا هم قالوا لهم تفضلوا ولا الناس واثقة من نظافة الأكل و قرفانه تطلب منهم لأنه كل الأكل شحدة ،رغم إنه الجميع عطشان جيعان لكنهم بيكابروا ، وعشان ما يفكروا بالوضع كل واحد راح بعيد ، إما جو الترك أو حواليه ، وكل واحد راح يتسلى بعد النجوم ، حتى ينعس وينام .
، في نص الليل ، طالوا الطبلة والربابة ، وبلشوا يغنوا ويرقصوا ويعزفوا على الطبلة والربابة وعمروها بص هالليل ، صارت الناس تصيح وتقول بدنا ننام ، فالجماعة محترمين سكتوا ، لكن بعد شوي إجا مين يترجاهم يطبلوامنهم يغنوا ويرقصوا حتى يتسلوا ويمشُّوا الوقت بِشي مسلي ، ومرة ثانية عمروها ، والكل إجا حولين الخيمة إلي بسمع وطربان والي يصفق وإلي قام يرقص مع البنات ، والمهم ظلوا سهرانين لوجه الصبح واكتشفوا إنهم أمضوا ليلة من أحلى الليالي . وتغيرت نظرتهم من النور ، وصاروا يحكوا معهم.
المهم طلع الصبح إلي صلى صلى وإلي ما صلى ما قدر ينام ، لأنه جيعان من مبارح ، ومش عارف شو بده يعمل ، وصار الكل على استعداد يوكل الخبز اليابس المبلول بالمي ، ولما صار النور يوكلوا الخبز مع المي الكل دشع عليهم يشحدوا منه خبز الشحدة ، النور ما مانعوا لأنهم أدركوا انهم في وضع أفضل من الناس إللى كانت مبارح تتعالى عليهم وتقرف منهم ، أما لما حميت الشمس فما شافوا حالهم إلا هم زارقين تحت الخربوش في الفي ، يعني الكل قاعد في بيت النور ، وعليهم بالتزام و إحترام الضيافة ، ولا يفكر إنه أحسن من النور ما دام قاعد في بيتهم ، فصاروا يتخرفوا مع بعض ، وأكلوا كل خبزات الشحدة ، وشربوا المية إللي في القربة إللي بتقلعط ، وما فكروا إنها نظيفة أو وسخة ، ولما جاعوا الظهر فكروا يذبحوا الجاجات والأرنب ، لولا إجت شاحنة كبيرة فاضية مرت بالصدفة ،وما شافوها حتى نطوا من تحت الخربوش وكل واحد أخذ شنتته وتشعلق في السيارة الشاحنة ، ولا واحد فكر في الخربوش اللي ظل منصوب ، وبده أكثر من نص ساعة فك وطوي وتربيط ، تركوا النور في خربوشهم من دون خبز أو مي ، وتركوا الترك إلى كانوا راكبينة مغرس، ولما مشت فيهم الشاحنة ، ما قال واحد منهم ، للشوفير ستنا شوية ، تركنا الناس إلى أعطونا وخبز وميّة .