لا نعتقد ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كان يطرح افكاره بمعزل عن اسرائيل والادارة الامريكية عندما اقترح في خطابه الذي القاه امس امام الجمعية العامة للامم المتحدة قبول فلسطين كدولة مراقبة، وجدولاً زمنياً مدته عام للتوصل الى 'اتفاق سلام نهائي' بين الفلسطينيين والاسرائيليين، لان هذا الطرح يأتي كحل وسط من اجل تجنب مواجهة في مجلس الامن الدولي تدفع الولايات المتحدة الى استخدام حق النقض 'الفيتو' ضد مشروع فلسطيني يطالب بالعضوية الكاملة وليس 'المراقبة' فقط.
فمن الواضح ان ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما تعيش مأزقاً اخلاقياً وسياسياً بتهديدها باستخدام 'الفيتو' رضوخاً للضغوط الاسرائيلية، وفي تناقض مخجل مع تعهدات الرئيس اوباما بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967.
بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل الذي شكر اوباما على مساندته للمواقف الاسرائيلية الرافضة لمشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقبولها كعضو كامل في المنظمة الدولية، توقف بشكل خاص عند الفقرة التي وردت في خطاب الرئيس الامريكي في الجمعية العامة وقال فيها ان على الاسرائيليين والفلسطينيين الجلوس معاً والبحث في مواضيع الحل الدائم للوصول الى سلام مستقر.
ما يمكن استنتاجه من كل هذه الخطابات والمواقف ان اي اعتراف بدولة فلسطينية كعضو كامل او عضو مراقب هو العودة مجدداً الى المفاوضات المباشرة والثنائية، ودون اي تجاوب مع المطالب الفلسطينية في الوقف الكامل للاستيطان في الضفة والقدس المحتلة الذي ادى الى انهيارها.
الرئيس ساركوزي كشف في خطابه عن بعض ملامح المستقبل في هذا الخصوص عندما حدد سقف المفاوضات المتوقعة في غضون عام، واقترح جدولاً زمنياً يبدأ بمفاوضات لمدة ستة اشهر للاتفاق على الحدود والامن وستة اشهر اخرى للتوصل الى اتفاق نهائي.
انها مصيدة مفاوضات جديدة للرئيس الفلسطيني محمود عباس وعودة الى المربع الاول مجدداً، وتجسيد كامل لمطالب نتنياهو في العودة الى اساليب المراوغة والمماطلة التي برع فيها، مثلما برع فيها جميع رؤساء الوزارات الاسرائيليين الذين سبقوه.
نتنياهو رفض رفضاً قاطعاً القبول بحدود عام 1967، مثلما رفض اي سيادة فلسطينية كاملة او منقوصة على الحدود مع الاردن، وتمسك بمواقف اسرائيل المتعنتة في ايكال مهمة السيطرة على هذه الحدود للقوات الاسرائيلية وحدها.
عشرون عاماً والرئيس عباس يتفاوض مع الاسرائيليين دون ان يحقق اي تقدم في جميع القضايا المطروحة، وقضايا الحل النهائي على وجه الخصوص مثل القدس المحتلة التي يرفض نتنياهو اي تنازل عنها، او حق العودة الذي يرفض مجرد مناقشته، ويصر على الاعتراف الفلسطيني باسرائيل كدولة يهودية.
اوباما وساركوزي يريدان اخراج الاسرائيليين من حال الحرج الذي يعيشونه حالياً من جراء نسفهم لعملية السلام، ووضع الرئيس عباس ورفاقه فيها مجدداً، وتحميلهم مسؤولية فشل هذه العملية اذا ما رفضوا الاقتراحات المطروحة حالياً بالعودة الى طاولة المفاوضات.
الرئيس عباس شخصيا سيكون الخاسر الاكبر اذا قبل نصف اعتراف، او اقل من الاعتراف الكامل، وتراجع عن خطته بالذهاب الى مجلس الامن، بينما سيعود نتنياهو الى القدس المحتلة منتصراً، ومعززاً مكانته ومكانة دولته المحتلة والمغتصبة لحقوق الشعب الفلسطيني، وبما يكسر عزلتها الدولية.
استخدام اوباما 'الفيتو' سيفجر مظاهرات عربية امام سفاراته في دول عربية واسلامية، ورضوخ عباس للضغوط الامريكية والاسرائيلية ووعود ساركوزي المعسولة قد يؤدي الى تفجر مظاهرات غاضبة امام مقره في رام الله.
على الرئيس الفلسطيني ان يتفحص خياراته جيداً، قبل اتخاذ قراره النهائي حتى لا يعود من الامم المتحدة الخاسر الاكبر.
القدس العربي
شكرا لتواجدك زائر نورت الصفحة