شخصية القذافي المولود عام 1942 والبالغ من العمر حاليا" 69 سنة ، ونؤشر الآتي:
1. شكّل بعمر 23 سنة تنظيما" عسكريا" شبيها بتنظيم الضباط الاحرار في مصر.
2. قاد بعمر 27 سنة انقلابا" عسكريا" اسقط فيه النظام الملكي واقام نظاما جمهوريا في ليبيا.
3. الّف بعمر 34سنة (الكتاب الأخضر) قال فيه انه يقدم نظرية عالمية ثالثة تتجاوز النظريتين الماركسية والرأسمالية اللتين كانتا تسودان العالم في السبعينيات.
4. ناصر حركات التحرر العالمية وساعد البوليساريو والحركات الفلسطينية والباسك والحزب الجمهوري الايرلندي.
5. سخر من زعماء عرب ووجه نقدا" لاذعا" (مستحقا") للقمم العربية التي شارك فيها.
6. طرد من المدرسة لنشاطاته السياسية وحبه لجمال عبد الناصر.
هذا يعني ان الرجل كان من طفولته مولعا بالسياسة، ويمكن ان يوصف بأنه سياسي بالفطره..وانه جريء وشجاع ومغامر، ومفرط في حبه للتفرد والتميز، ويمتلك من خصائص الشخصية النرجسية، شعارها: (أنا متميز).
والقذافي ليس مصابا بالبرانويا والوساوس كما حلل شخصيته علماء نفس عرب واجانب. فهو ليس مرتابا بالآخرين لدرجة المرض النفسي، انما هو حذر وعالج ما يمكن ان يسبب له ارتيابا بأن جعل حمايته من النساء، لسبب سيكولوجي هو ان المرأه تعجب بالرجل الشجاع والقوي.. فكيف اذا كان صاحب اعلى سلطة واضخم مال!..فيما الرجل (الحمايه) الذي لديه طموح..ينمو عنده دافع التنافس بتركيزه على نقاط الضعف لدى القائد، والمرأة (الحماية) بعكسه تغمض عينيها عن سلبياته وتركّز على النقاط الايجابية فيه وتعمد الى تضخيمها والتماهي بها.
ومع انه يشترك مع صدام حسين بأن لدى كليهما صفات من الشخصية النرجسية، فأن القذافي ليس مصابا بالبرانويا المصاب بها صدام حسين، الذي كان يصّفي من يشك فيه حتى لو كان شكه خاطئا.
والقذافي ذكي..اراد ان يأتي بشيء جديد في أسلوب الحكم (المجالس الشعبية) حيث الشعب ،ممثلا بالمناطق والقبائل، هو الذي ينتخب قياداته وهو الذي يحكم، وانه ليس برئيس دولة انما هو قائد او زعيم، بوصفه هو.
مشكلة القذافي تكمن في نوعية افكاره بأن خلق لنفسه نوعين من الأهداف: خيالية وواقعية..وانه مزج بينهما في سعيه لتحقيقها..فقاده ذلك الى نتيجة حتمية هي التناقض، ليس فقط لأنه لايمكن الجمع بين الخيال والواقع، ولكن لأن الهدف الواقعي الذي يحققه يمنحه (اليقين) او التعزيز، بأن الهدف الخيالي ممكن التحقيق.
وما نريد ان نقوله في هذا التنظير هو التركيز على نوعية الأفكار وليس الانشغال فقط بامراض او علل نفسية يجري احيانا تضخيمها في تحليل شخصية هذا الزعيم العربي او ذاك،لأن الأفكار التي يؤمن بها الشخص تحدد نوع سلوكه. وبتطبيقها على الزعيم القذافي نجد انها تجسدت لديه في اهداف متناقضه، انعكس (التناقض) على سلوكه بالتبعيه، وبالتالي فان شخصية القذافي ليست معقدة او مستعصيه على التحليل كما رأى علماء نفس عرب واجانب، انما هي خلطت الوهم بالحقيقة الذي يفضي (الخلط) الى التناقض. وهو ليس مدّعيا او كاذبا على نفسه حين قال: (كل الشعب الليبي يحبني) مع انه وهم وفكرة غير عقلانية، لأنه لا يمكن لأحد ان يحبه كل الناس فكيف اذا كان رئيس دولة.. ودولة عربية تحديدا!.
ان خلط اهداف وهميه لا يمكن تحقيقها بأهداف واقعية ممكنة التحقيق، يفضي عدم انسجامها الى ان تجعل سلوك صاحبها غير مستقر وغير قابل للتنبؤ.. فيبدو في حالات منطقيا وواقعيا وفي حالات اخرى محيّرا او غير مفهوما لا سيما اذا كانت تلك الأهداف لا تخص الشخص فقط انما شعبا بالملايين.
والقذافي ما كان منتبها الى ذلك بل كان اشبه بالمنتشي بها! في عالم خاص به، ولم يوجد من يجرؤ على تنبيهه لأن مصير من يفعل ذلك القتل عند الحكام العرب.. فتولد لديه يقين ترسخ على مدى اربعين سنة بأن اهدافه الخيالية هي واقعية، وان الوهم عنده حقيقة، وهذه صفة يشترك بها مع صدام حسين الذي كان مؤمنا بأهداف خيالية ايضا" ناجمة عند كليهما عن الشعور بالعظمه.
ان ما حصل في 17 فبراير أدهش القذافي وفاجأه،لأنه أطاح بصورة خيالية رسمها لنفسه وشفّرها في خلايا دماغه بأنه أنموذج البطل الشعبي المتفرد،ولم يصدّق ما رأى ..اذ كيف حدث هذا وهو القائد والزعيم (وكل الشعب الليبي يحبني) والمبهر كما يعتقد عن يقين (يقينه هو )..ولهذا أصيب بتشوش فكري في تفسيره لأسباب ما حدث أفضى الى تصرّف هستيري. وكما انه وهمي في اهدافه، فأنه عزا احتجاجات الناس وسخطهم عليه الى سبب وهمي هو تناول المتظاهرين حبوب الهلوسه..اذ ليس من المعقول، بحسب يقينه، ان يثور عليه أحد الا من فقد عقله. ومع ان الناس صاروا في حالة خطر وخوف ورعب فأنه دعاهم الى الرقص والغناء!!(لاحظ تناقضه الفكري)، ووعد المتهلوسين والجرذان بأنه سيلاحقهم منزلا منزلا و زنقه زنقه!. والأمر يختلف تماما" بينه وزين العابدين وحسني مبارك، فكلا الرجلين كانا واقعيين، اذ هرب الأول وضمن الثاني حماية العسكر له (لأنه أبن الجيش وبطل اكتوبر) وغادر السلطة.
وشخصية بهذه المواصفات التي يحكمها التناقض الناجم عن مزج الوهم بالواقع لا يمكن التنبؤ بمصيرها..غير أن الذي يحسم الامر هو طبيعة الموقف الذي تكون فيه الشخصية التي عليها ان تتخذ القرار في لحظة واحدة او لحظات معدوده، ونتوقع الآتي:
لن يستسلم القذافي طواعية، الا اذا اعتقل بشكل مباغت. ولن يهرب ايضا" لأن الواقع سيصدمه بحقيقة انه سيعتقل ويحاكم بتهمة ارتكابه جرائم انسانية. ولن يعمد الى الانتحار، لأنه يرى نفسه على حق وصاحب امجاد وذا شعبية. ومع ان المرجح انه سيقاتل الى ان يقتل، اذا حوصر في طرابلس، فأن للاحتمالات الثلاثة نسبا متساوية تقررها لحظة آخر موقف يكون فيه القذافي..وما اذا كان الموقف سيستدعي لحظتها فكرته الواردة في كتابه (جنس الموت) ..اذا كان الموت ذكرا وجبت مقاومته وأذا كان أنثى فلنرحّب به !