نجحت الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية المتحالفة معها في افشال المسعى الفلسطيني في مجلس الامن الدولي للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في المنظمة الدولية من خلال ممارسة ضغوط كبيرة على الدول الاعضاء غير الدائمة في المجلس بعدم مساندة الطلب الفلسطيني حتى لا يحصل على العدد المطلوب من الاصوات (تسعة اصوات) مما يعفي المندوب الامريكي من مسؤولية استخدام حق النقض 'الفيتو'.
هذا النجاح الذي يعكس عداء امريكيا اوروبيا لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في الاعتراف الدولي يعتبر وصمة عار تدين الولايات المتحدة والعالم الحر الذي تدعي انها تتزعمه، مثلما يدين هيمنتها على الامم المتحدة من خلال توظيف قدراتها العسكرية ونفوذها الاقتصادي والسياسي الكبير لخدمة السياسات العدوانية الاسرائيلية على حساب مبادئ الحرية وحقوق الانسان.
كان امرا مؤسفا ان تقرر دولتان مثل بريطانيا وفرنسا الامتناع عن التصويت، وبالتالي عدم دعم الطلب الفلسطيني المشروع في العضوية، وهما تتحملان مسؤولية مباشرة عن النكبة الفلسطينية، وتدركان جيدا حجم الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني من جرائها.
فبريطانيا التي سهلت هجرة اليهود الى فلسطين، ومنحتهم وعدا باقامة دولة لهم على حساب اصحاب الارض تتحمل الاثم التاريخي والاخلاقي بل والانساني الاكبر، وكان من المفترض ان تكفر عن ذنبها هذا بالوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني ومساندة سعيه الحثيث للعدالة الدولية، ولكنها للأسف لم تفعل، بل وذهبت الى اقصى درجات التطرف في دعم العدوان الاسرائيلي، واستخدام عضويتها الدائمة في مجلس الامن الدولي لمكافأة اسرائيل على هذا العدوان.
القيادة الفلسطينية التي فضحت هذه المواقف الغربية، واماطت اللثام عن الوجه الامريكي الاستعماري البشع المنحاز بالكامل للجور الاسرائيلي بالذهاب الى مجلس الامن لطلب العضوية لدولة فلسطين، مطالبة باستكمال هذا التحدي ليس فقط في الامم المتحدة والمحافل السياسية الاخرى، وانما ايضا على الارض الفلسطينية نفسها من خلال اجراء مراجعة كاملة لكل مسيرتها السلمية، واعادة الامور الى وضعها الطبيعي اي قوة محتلة وشعب تحت الاحتلال يلجأ الى المقاومة المشروعة لاستعادة ارضه وسيادته وكرامته.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي راهن طوال حياته السياسية كعضو في اللجنة المركزية لحركة 'فتح' واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على الخيار السلمي التفاوضي مع اسرائيل مطالب الآن، وبعد فشل المسعى الفلسطيني في مجلس الامن باتخاذ قرارات شجاعة، ومواجهة هذا التغول الامريكي الاوروبي ضد مصالح الشعب الفلسطيني وطموحاته بالانسحاب كليا من العملية السلمية وحل السلطة الفلسطينية، وترك بل وتشجيع الشعب الفلسطيني وتعبئته خلف مشروع مقاوم جديد بوسائل وطرق حديثة فاعلة ومؤثرة.
تسريب انباء حول حل السلطة من قبل بعض المسؤولين في القيادة الفلسطينية امر غير كاف، ويفتقد الى الجدية، ويعطي انباء عكسية تماما، من حيث ضرب المصداقية الفلسطينية، لان عمليات التسريب هذه لم تتوقف طوال الاعوام الاخيرة، وباتت فاقدة التأثير.
من يريد ان يتخذ قرارا تاريخيا مفصليا لا يهدد ولا يسرب، وانما يفعل، ولا يتردد في تحمل النتائج، مهما كانت قسوتها، والشعب الفلسطيني الذي لم يتوقف عن الثورات طوال المئة عام الماضية سيكون من اكبر الداعمين لاي قرار رجولي تاريخي تتخذه قيادته لتصحيح المسار الحالي المهين.
نعم هناك اصوات داخل القيادة الفلسطينية او في اروقتها الجانبية تعارض قرار حل السلطة، واتخاذ مواقف تاريخية حاسمة، خوفا على مصالحها الذاتية الضيقة، والبقاء تحت الاضواء، والتمتع ببطاقات كبار الزوار، وتغلف مواقفها هذه بادعاءات الحكمة والتعقل وعدم التسرع، وهؤلاء في نظرنا يشكلون خطرا كبيرا على الشعب الفلسطيني وقضيته وطموحاته المشروعة في التحرر والاستقلال.
الشعب الفلسطيني كان افضل حالا، واكثر كرامة، تحت الاحتلال قبل قيام السلطة واتفاقات اوسلو وسيكون كذلك بعد حل السلطة والاعتراف بفشل هذه الاتفاقات، لانه سيتخلص من عبودية الراتب، وخطيئة التنسيق الامني مع الاسرائيليين، ووهم الحكم الذاتي المزعوم، مثلما سيتخلص من نخبة سياسية مارست الخداع طوال العشرين عاما الماضية وصدقت اكذوبة اطلقتها بنفسها وروجت لها اسمها المشروع الوطني الفلسطيني القائم على سلطة بلا سلطة، ومفاوضات عبثية عقيمة لم تؤد الا الى خيبة الامل والاحباط والاهانات.
القدس العربي
شكرا لتواجدك زائر نورت الصفحة