«زاراتُ» إني قد أتيتُكِ ذاكرًا عهد الصبا ردّي إليَّ شبابي
ذاك الشباب بما عليه وما لهُ بحصاده المحمود والمرتاب
واللّهُ يجزي السّيئات بعفوهِ ويُعدّ للإحسان ألف ثواب
لي مأمل أني سألقَى عندَهُ يوم القيامة أفضل الترحاب
ولسوف آتيه بوجه ناعمٍ ولسوف أُوتَى باليمين كِتابي
أقبلتُ يا «زاراتُ» ألثم تربةً مُتمسّحًا بالساح والأعتاب
في كلِّ درب لي هوى أحيا بهِ يسري بشرياني وفي أعصابي
فهناك منزلنا القديم وبابُهُ يا حسرتي ماذا وراء الباب؟
أُصغي فأسمع صوت أمي هاتفًا «قد عاد أحمد بعد طول غياب»
«يا مرحبًا بك يا ضياءَ نواظري يا حظَّ أمك يا رجاء الكابي»
وأُحسّ ضمّتها وأُغمض ناظري فأرى مُحيَّاها النحيف الخابي
وأكاد ألمس جسمها وأضمّهُ ضمّاً، فيعلق عطرها بثيابي
وأبي كأني سامع دعواتِهِ مُتبتّلاً للخالق التوَّاب
مُترنّمًا من آي سِفر اللّه «بالْـ أثمانِ» و«الأرباع» و«الأحزاب»
فكأنه ما زال يملأ بيتنا هذا الذي أضحى شبيه خراب
فلوالديَّ ببيتنا أثرٌ أُسَا ئِلُهُ، وأظفر عنده بجواب
فهما هنا ما دام حبّهما على شفتي وملء جوانحي وإهابي
وهما هنا ما دام يخفق خافقي لكليهما أُفضي وأشكو ما بي
كُفّي الملام ولا تزيدي ما بي فلقد أتيتُكِ أستحثّ ركابي
تهتاجني متناقضات عواطفي: وجْهٌ يهشُّ بمدمع سكَّاب
جدّدتِ عهدي بالصبا ومِراحهِ وأهجتِ أوجاعي وزدتِ عذابي
إني أتيتُكِ باكيًا مُترحّمًا وأنسْتُ في مغناكِ بالأحباب
كُفّي الملام فأنتِ أول صبوتي ولأنت أقصى القصد من آرابي
ولسوف أقنع منكِ - يا زاراتُ - إنْ أطبقتُ أجفاني بشبر تراب