الإضاءة الأولى .. قوة الإرادة والهمة العالية
الهمة العالية مطلب عظيم يتمناه أصحاب النفوس الكبيرة التي تتوق إلى
المعالي ، وقوة الإرادة هي وقود هذه الهمة العالية فبدون هذا الوقود – بعد
توفيق الله عز وجل – لن يتم لهذه الهمة منالها ومبتغاها ، ولعل خير شاهد
على ذلك ماقرأتَ وما رأيتَ من همة العلماء وطلبة العلم وكيف أنهم استطاعوا
بعد توفيق الله من تحقيق أعمال وكأنها أشبه بالخوارق لكن تلك الإرادة التي
رُدفت بهمة عالية كانت طريقاً لذلك ، وإليك مثالين على ذلك لعالمين جليلين
أحدهما متقدم والآخر معاصر ، فالأول هو الإمام الطبري رحمه الله المفسر
المعروف الذي قيل عنه كل المفسرين عيال على الإمام الطبري يعني في علمه
بالتفسير رحمه الله ، ذكر أهل العلم أنك لو نظرت إلى أحد كتبه الكبار
كالتاريخ أو التفسير ثم نظرت إلى عمره رحمه الله ، لوجدت أنه يكتب في اليوم
مايقارب الخمسين ورقة ، كيف وهو قد ألف غيرهما ؟!
وأما المثال فللإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله ، فقد ذكر جمع ممن صاحبه
بركة الوقت لحياة هذا الإمام رحمه الله حتى أنه لا ينام في اليوم والليلة
أكثر من أربع ساعات ، فلله درهما ورحمهما الله
الإضاءة الثانية .. قوة الإرادة طريق لإنجاز أشياء غير متوقعة
الغالب من الناس يتصور في نفسه قصوراً متوهماً ، وكأن أصحاب الإنجازات
ليسوا من البشر ، فإذا نظر إلى حافظ القرآن ، أو إلى طالب متفوق في دراسته ،
أو إلى مبتكر ، أو إلى عالم ، أو إلى خطيب ، أو إنسان متميز قلل من نفسه
واتهم ذاته بعدم القدرة على مقارعة هؤلاء ، واستمر على ماهو عليه ؟ في
مكانه لايتقدم إن لم يكن يتراجع ، فهذا وأمثاله ندعوهم دعوة صادقة للتوكل
على الله أولاً ، ومن ثم نريد منهم نفض غبار الأوهام وارتداء رداء قوة
الإرادة بعزيمة تتهاوى معها كل المثبطات والعوائق ، وسيلحظ بإذن الله الفرق
قريباً .
الإضاءة الثالثة .. قوة الإرادة طريق لفتح آفاق جديدة لم تخطر بالبال
الضعف الذي يعتري البعض يكمن في قصره لامكانته وقدراته في معين واحد وكأنه
لايجيد غيره وكأنه لايعرف سواه وبذلك تضعف همته وإرادته إلى التطلع إلى غير
ذلك ، حتى وإنه للأسف أن هذه السياسة النفسية بدت تُدار للبعض ليس عن طريق
أنفسهم بل عن طريق غيرهم ، وكأنك تطلب مثالاً على ذلك ، فهاأنا أعطيك
مثالاً على هذا الداء العضال ، فمن ذلك إلزام الأب ابنه أو ابنته تخصصاً
دراسياً معيناً في المرحلة الثانوية أو الجامعية ، وقد يكون ميول الإبن او
البنت لتخصص آخر قد يبدع فيه ويتفوق لكن حرجه من والديه قد يكون عائقاً في
مثل ذلك ، والبعض قد يختار تخصصه نزولاً لرغبة صديق له وهكذا دواليك ، فقوة
الإرادة بعد توفيق الله سبيل لتخصص مناسب وطريق لإكتساب مهارات جديدة ،
ووسيلة لإكتشاف إبداع مدفون ، حملت لنا كتب التاريخ القصة التالية / كان
الإمام مالك إمام دار الهجرة يطلب العلم على يدي والده أنس وكان أخوه عبد
الله يطلب العلم كذلك على يدي والده ، لكن الإمام مالك رحمه الله كان
منشغلاً بشيء يلهيهه عن اللحاق
بركب أخيه في الطلب ، لقد منشغلاً بتربية
الحمام ، وذات يوم والإمام مالك يُسمع ما حفظه على أبيه فوقع الخطأ منه
مراراً ولم يتقن الحفظ هذه المرة ، فقال له أبوه كلمة أيقظت الإرادة في
نفسه ، قال له يامالك لقد شغلك الحمام عن الحفظ ، هذه الجملة غيرت حياة
الإمام مالك فقد أيقظت إرادته وعزيمته وهمته لطلب العلم حتى أصبح إمام
الدنيا في الفقه والحديث .
هناك تخصصات ومهارات ومعارف وإبداعات تحتاج منا فقط بعد توفيق الله إلى
إرادة قوية ثم ستتحول إلى أرض الواقع بعد أن كانت مجرد أماني .