من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجــوم وفؤاد حجــازي.. جازي عليهم يا شعبي جازي المندوب السامي وربعه وعمومه…
تحل اليوم ( 17 حزيران) الذكرى الـ 83 لإعدام ثلاثة من أبطال ثورة البراق التي انطلقت عام 1929 احتجاجاً على الهجرات الاستيطانية اليهودية لفلسطين، وبطش الإنتداب البريطاني بالفلسطينيين لصالح اليهود.
يعرف 17-حزيران في أدبيات الثورة الفلسطينية بالثلاثاء الحمراء، حيث ارتقى كل من فؤاد حجازي وعطا الزير، ومحمد جمجوم في سجن عكا على أيدي قوات الإنتداب البريطاني، وذلك لمشاركتهم الفاعلة في الثورة.
بدأت قصة الثلاثاء الحمراء مع انطلاق أحداث ثورة البراق والتي اندلعت في مدينة القدس يوم 5- آب – 1929 لتمتد فيما بعد إلى كافة أرجاء فلسطين. صادف ذاك اليوم يوم الحداد على ما يسمى “ الهيكل اليهودي“ حسب التقويم العبري، والذي تزامن في ذاك العام مع احتفالات المسلمين في فلسطين بذكرى المولد النبوي الشريف.
تشير المصادر المتوافرة حول ثورة البراق أن اليهود الصهاينة في القدس قاموا بحشد أعداد كبيرة ونظموا تظاهرة اتجاه حائط البراق هاتفين “ الحائط لنا“ ومرددين نشيد الحركة الصهيونية مع شتائم للمسلمين. يذكر أن شرطة الإنتداب البريطاني في ذاك الوقت كانت على علم مسبق بقيام حركة بيتار الصهيونية بالحشد والتنظيم للمظاهرة، إلا أنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع تدهور الإحداث.
في اليوم التالي للمظاهرة رد القادة الفلسطينيون بتنظيم بمظاهرة مضادة انطلقت من المسجد الأقصى واتجهت إلى حائط البراق. في الأيام التالية ازداد التوتر بين الفلسطينيين واليهود الصهاينة، وعمّت الاحتجاجات والاشتباكات في كافة المدن والقرى الفلسطينيين، وقد بلغت ذروتها في مدينة الخليل حيث تم قتل 67 يهودياً من سكان المدينة.
على إثر الاشتباكات والاحتجاجات والمظاهرات التي عمت فلسطين احتجاجاً على ما يفعله اليهود الصهاينة في حائط البراق، وعلى استمرار مصادرة وبيع الأراضي للحركة الصهيونية قامت قوات الإنتداب البريطاني باعتقال 900 فلسطيني، وإصدار حكم الإعدام بحق 29 فلسطيني، خففت فيما بعد لتشمل فقط كل من فؤاد حجازي، عطا الزير، ومحمد جمجوم والذين تم إعدامهم في سجن عكا المعروف ”بالقلعة“ في السابع عشر من حزيران للعام 1930.
وفيما يلي بعض من نصوص الرسائل التي سمح للشهداء بإرسالها إلى ذويهم:
سمح للشهيد عطا الزير أن يكتب لأهله رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام وقد جاء في رسالته التي كتبها لوالدته باللهجة الفلاحية:
“ ارقصي يما لو خبر موتي أجاك ارقصي لا تحزني يوم انشنق شو ما العدو يعمل روحي أنا يما عن هالوطن ما بتفترق بكره بعود البطل ويضل في حداكِ حامل معو روحه ليقاتل عداكِ لا تزعلي لو تندهي وينو عطا كل الشباب تردْ فتيان مثل الورد كلهم حماس وجدْ لما بنادي الوطن بيجو ومالهم عدْ وفري دموع الحزن يما لا تلبسي الأسود يوم العدا بأرض الوطن يوم أسود هدي شباب الوطن بتثور كلهم عطا كلهم فؤاد ومحمد والشمس لما تهل لازم يزول الليل يا معود فوق القبر يما ازرعي الزيتون حتى العنب يما والتين والليمون طعمي شباب الحي لا تحرمي الجوعان هدي وصية شاب جرب الحرمان اسمي عطا وأهل العطا كثار والجود لأرض الوطن واجب على الثوار جبال الوطن بتئن ولرجالها بتحن حتى كروم العنب مشتاقة للثوار سلمي على الجيران سلمي على الحارةْ حمدان وعبد الحي وبنت العبد سارةْ راجع أنا يما وحامل بشارَةْ عمر الوطن يما ما بينسى ثوارَهْ لما بطول الليل وبتزيد أسرارُه وجرح الوطن بمتد وبتفيض أنهارُه راجع بطلة فجر حامل معي انوارُه حتى نضوي الوطن ويعودوا ”.
أما الشهيد فؤاد حجازي فقد سمح أن يكتب لأهله رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام فكتب وصيته وبعث بها إلى صحيفة اليرموك فنشرتها يوم 18-06-1930 بخط يده وتوقيعه وقد قال في ختامها:
“ إن يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج وكذلك يجب إقامة الفرح والسرور في يوم 17 حزيران من كل سنة، إن هذا اليوم يجب أن يكون يوما تاريخيًا تلقى فيها الخطب وتنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية.“
أما محمد جمجوم فقد كتب رسالة للقائد سليم عبد الرحمن وقد جاء فيها:
“ الآن ونحن على أبواب الأبدية، مقدمين أرواحنا فداء للوطن المقدس، لفلسطين العزيزة، نتوجه بالرجاء إلى جميع الفلسطينيين، إلا تُنسى دماؤنا المهراقة وأرواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة وأن نتذكر أننا قدمنا عن طيبة خاطر، أنفسنا وجماجمنا لتكون أساسا لبناء استقلال أمتنا وحريتها وأن تبقى الأمة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الأعداء. وان تحتفظ بأراضيها فلا تبيع للأعداء منها شبرا واحدا، وإلا تهون عزيمتها وان لا يضعفها التهديد والوعيد، وان تكافح حتى تنال الظفر. ولنا في آخر حياتنا رجاء إلى ملوك وأمراء العرب والمسلمين في أنحاء المعمورة، ألا يثقوا بالأجانب وسياستهم وليعلموا ما قال الشاعر بهذا المعنى: ”ويراوغ منك كما يراوغ الثعلب“. وعلى العرب في كل البلدان العربية والمسلمين ان ينقذوا فلسطين مما هي فيه الآن من الآلام وأن يساعدوها بكل قواهم. وأما رجالنا فلهم منا الامتنان العظيم على ما قاموا به نحونا ونحو أمتنا وبلادهم فنرجوهم الثبات والمتابعة حتى تنال غايتنا الوطنية الكبرى. وأما عائلاتنا فقد أودعناها إلى الله والأمة التي نعتقد انها لن تنساها. والآن بعد أن رأينا من أمتنا وبلادنا وبني قومنا هذه الروح الوطنية وهذا الحماس القومي، فاننا نستقبل الموت بالسرور والفرح الكاملين ونضع حبلة الأرجوحة، مرجوحة الأبطال بأعناقنا عن طيب خاطر فداء لك يا فلسطين، وختاما نرجو أن تكتبوا على قبورنا: ”إلى الأمة العربية الاستقلال التام أو الموت الزؤام وباسم العرب نحيا وباسم العرب نموت“.