بداية وقبل الشروع في الكتابة في خضم الموضوع أتقدم بأسمى آيات الشكر للجنة إعمار المسجد على ما قدمته من خدمة لأبناء القرية في إعادة إعمار مسجد أبو أيوب الأنصاري وما قدمته من خدمات لأبناء القرية وشفافية مصداقية في العمل وما قامت به من إضافات إيجابية على المسجد وخصوصا قاعة العزاء التي وفرت على الأهالي جهداً كبيراً فإن ما يرد في هذا المقال ما هو إلا انتقاد آمل أن يكون بناءاً لجماعة عملوا وأنجزوا لصالح هذه القرية فاليد التي تبني خيرٌ ألف مرة من اليد التي تهدم وهو يأتي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعديل مسار قد يكون من وجهة نظري الشخصية يتحاج إلى التعديل ويأتي هذا الحديث بعد جلسة عقدت في المجلس جمعت بين لجنة إعمار المسجد وأعضاء من المجلس المحلي ومغتربي القرية الذين تبرعوا بتشييد المبنى المحاذي للمسجد الذي يشغله مركز المنطار للثقافة والعيادة سابقاً للتباحث بموضوع هدمه أو إبقاءه وفي هذا الصدد إستثارني طلب أحد شيوخ المسجد بناء مأذنة ثانية للمسجد تبلغ قيمتها 25 ألف دولار بالحد الدنى وإلحاحه في طلبه دون أي حاجة لها أو ضرورة مستندين لما قد تمثله هذه المأذنة من قيمة جمالية للمسجد وكذلك الإصرار على هدم المبنى المكون من طابقين كما تعلمون رغم معارضة من المتبرعين بتشييده بحجة إعطاء صبغة جمالية للمسجد وكأن هذا العمل وهذا الصرف الذي تم بتبرع من أبناء القرية المغتربين ما هو إلا للتباهي والتفاخر ، كما أن ترديد عبارة وكله في ميزان حسناتكم إن شاء الله دعاني للبحث مطولا عن فضل تجميل مساجد الله وإعمارها وزخرفتها في الأرض حتى صدمت بأن وجدت بأنها مكروهة في ديننا الإسلامي بأمر الله ورسوله وبالأدلة الشرعية القاطعة وما قد نخسره كقرية للحفاظ على قيمة جمالية مكروهة في الدين وجعلني أتسائل أيضا وبشكل مطول عن سبب الإسراف في تشييد المسجد فهل كان عن جهل بالأحكام الشرعية أم أنه عن علم بها وتغاضي فالمفترض أن يكون اعمار المسجد خالصاً لوجه الله ولا غاية أخرى ترجى منه ، وهنا أضع بين أيديكم هذا البحث الذي اطلعت عليه خلال بحثي عن الانترنت والمجال مفتوح أمامكم للبحث والتقصي أيضا ..
فإن الله قد اقتضت حكمته تفضيل بعض الأمور على بعضها، ففضّل سبحانه بعض الرسل على بعض، وفضّل بعض الأيام على بعض، وفضّل بعض الساعات على بعض، وفضل بعض الليالي على بعض، وفضل بعض الأماكن على بعض، ومن هذه الأماكن التي فضلها الله المساجد.
فقد أضاف الله المساجد لنفسه تشريفاً وتعظيماً، فقال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} سورة الجن(18).
ووصف المسجد في موطن المدح والإطراء، حيث أتبع - سبحانه - نوره بذكر المسجد، وكأنه ينبه عباده إلى أن ذلك النور جزء من نوره، فمن يريد نوره فعليه بالمرابطة بالمسجد، قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}.
وتوعد- سبحانه- من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه بالخزي والعذاب في الدنيا والآخرة، وبين أنه لا أظلم منه؛ كما في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
ومما يدخل في تخريب المسجد تلك الزخارف والنقوش والزينات التي يتنافس فيها الجهلة من المسلمين، فنجد الناس قد غيروا وبدلوا وزاد وحرفوا وابتدعوا؛ فلم تسلم هذه الأماكن المباركة من الابتداع فيها مالم يأذن به الله، فقد دخل على المسجد بدع كثيرة، ومن هذه البدع، بدعة الزخرفة والزينة.
حكم الزخرفة:
وقد يستغرب البعض عندما يسمع أن الزخرفة للمساجد من البدع المحرمة؛ وذلك لأن كثيراً من مساجد المسلمين اليوم لا تخلو منها - إلا ما شاء الله- ولأن الناس اليوم قد أحدثوا في الدين مالم يأذن به الله، ومن براهين ذلك:الدليل الأول:
ما رواه أبو داود السجستاني عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أمرت بتشييد المساجد" . يخبر النبي أنه لم يأمره الله بتشييد المساجد، وكل مالم يأمر بالله ورسوله، فهو مردود على صاحبه غير مقبول منه؛ كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم.
قال العلامة الصنعاني - رحمه الله : وقوله- صلى الله عليه وسلم – "ما أمرت" إشعار بأنه لا يحسن ذلك، فإنه لو كان حسناً لأمره الله به3.
الدليل الثاني:
ما أخرجه ابن المبارك في الزهد، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (585) عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: " إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم". في هذا الحديث يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المسلمين إذا زخرفوا المساجد، وخالفوا أمر الله ورسوله؛ وذلك لأنه كما سبق لم يأمر بزخرفتها، فإن الدمار عليهم، وقد يكون هذا دعاءٌ من النبي على من زخرف المساجد، فتخيل حال من دعا النبي - صلى الله عليه وسلم عليه بالدمار؟! لا شك أن حاله إما فتنة في دينه أو دنياه، وفي الآخر عذابٌ أليم، قال الله- تعالى-:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليم}.
الدليل الثالث:
أن في الزخرفة وتشيد المساجد ضرب من التباهي المذموم، فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من علامات الساعة التباهي بالمساجد، فعن أنس – رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد". وقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق- صلى الله عليه وسلم - فلقد تباهى الناس بالمساجد، فتجد البعض من الأمراء والقادة والوزراء ورجال الأعمال يبنون المساجد ويزخرفونها، ثم لا يصلون فيها إلا في مواسم معينة،وربما أعلنوا عن بنائهم لذلك المسجد عبر وسائل الإعلام المختلفة. قال العلامة ابن رسلان – رحمه الله- : هذا الحديث فيه ظاهرة لإخباره - صلى الله عليه وسلم - عما يقع فإن تزيين المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان.. بأخذهم أموال الناس ظلماً وعمارتهم بها المد راس على شكل بديع، نسأل الله السلامة والعافية4. ولكن لا يفهم من ذلك ذم بناء المسجد بحد ذاته، ولكن المقصود ذم ما أحدثه الناس فيه من البدع والمباهات التي تغضب الجبار تبارك وتعالى.
الدليل الرابع:
أن في زخرفة المساجد إتباع لسنن اليهود والنصارى، فما من كنيسة ولا معبد يهودي إلا وفيه أنواع الزخارف والنقش والتصاوير؛ حتى أنهم يصورون صور أنبيائهم على جدران معابدهم، وقد سار بعض جهلة المسلمين على طريقتهم؛ حتى أن بعض المساجد التي يقوم عليها بعض الفرق الضالة من تعلقون صور مشايخهم في نحو القبلة، وعلى جوانب المساجد، وهذا ما أخبرني به من اثق بديانته أنه دخل بعض مساجدهم ورأى ما فيها من البدع والصور، وصدق الصادق المصدوق حيث قال: " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن" رواه البخاري ومسلم.
وقال حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس- رضي الله عنه- كما في البخاري موقوفاً:- لتزخرفنها كما زخرفتها اليهود والنصارى.
وقال الشيخ حمود التو يجري: النوع العشرون: ومن التشبه بأعداء الله - تعالى - ما ابتلي به كثير من المسلمين قديماً وحديثاً من تشييد المساجد وزخرفتها، والتباهي بها قديماً وتشيد الماضين وزخرفتهم ومباهاتهم لا شيء بالنسبة إلى تشييد أهل زماننا وزخرفتهم بعضهم بعضاً، وهذا من أشراط الساعة5.
الدليل الخامس:
أن الزخرفة تؤدي إلى مفاسد كثيرة، منها إفساد الخشوع على الناس في صلاتهم، وقد كان النبي من أحرص الناس على الخشوع في الصلاة، فلقد دخل ذات يوم بيتاً، فرأى فيه قرني الكبش، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن طلحة فقال له: " إني كنت رأيت قرني الكبش حيث دخلت، فنسيت أن آمرك أن تخمرها، فخمرها، فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي" رواه أحمد.
قال الشوكاني: والحديث يدل على كراهة تزيين المحاريب وغيرها مما يستقبله المصلي بنقش أو تصوير أو غيرهما مما يلهي، وعلى أن تخمير التصاوير مزيل لكراهة الصلاة في المكان الذي هي فيه لارتفاع العلة، وهي اشتغال القلب المصلي بالنظر إليه6.
هذا إذا كان في البيت، والذي لا يشرع فيه إلا صلاة النافلة، وأهل البيت الذين عددهم قليل جداً، فكيف بالمساجد التي يصلى فيها الصلوات الخمس المفروضة، وعدد المصلين فيها بالمئات، بل بعضها يكون عدد المصلين بالآف، والذي يعد الخشوع فيها ركن من أركان الصلاة، ؟ لا شك أن الأمر أشد من ذلك وأخطر.
ومما يؤيد أن الزخارف والنقوش تلهي المصلي في صلاته، ما رواه البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : " كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لها: " أميطي قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي" وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بـ: باب إذا صلّى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته وما ينهى عن ذلك.
وما رواه - أيضاً - البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها- في الخميصة التي كان لها أعلام فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فلما انصرف، قال صلى الله عليه وسلم: " اذهبوا بخميصتي – والخميصة كساء مربع له أعلام- هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي".
فكيف بالمسجد الذي بداخله أنواع النقوشات والألوان والساعات المتحركة، والرسوم المختلفة؟ فما حال صلاة من يصلي فيه؟ وماذا يقال فيمن فعل ذلك؟!!
الدليل السادس:
أن الزخرفة مظهر من مظاهر السرف وإضاعة المال، وقد حذرنا الله من ذلك فقال: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}. وفي البخاري ومسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " إن الله حرم ثلاثاً، ونهى عن ثلاث، حرم عقوق الوالدين، ووأد البنات، ومنعاً وهات، ونهى عن ثلاث عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
وعن أبي برزة الأسلمي – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : " لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن عمله ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (7300).
واجب العلماء وولاة الأمر حيال هذه البدعة:
إن الواجب على العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبيان للناس البدع التي عمت وطمت كثير من المساجد، ومنها هذه البدعة التي سبقت أدلتها، ولما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" فعلى العلماء البيان باللسان، وعلى ولاة الأمر التغير باليدان،كما كان محمد - عليه الصلاة والسلام – فقد رأى نخامة في قبلة المسجد فحكها بيده الشريفة، وقد علق الحافظ ابن حجر على حديث النخامة في المسجد وحك النبي لها، بقوله: وفي هذا الحديث من الفوائد تفقد الإمام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم – هذا دل على عظيم تواضعه زاد ه الله تشريفاً وتعظيماً 7.
وقال العلامة ابن الحاج: وينبغي له – أي لولي الأمر- أن يغير ما أحدثوه – أهل البدع والأهواء- من الزخرفة في المحراب وغيره، فإن ذلك من البدع، وهو من أشراط الساعة8.
ولما رأى عمر بن عبد العزيز – رحمه الله - ابناً له كتب في الحائط – أي المسجد- بسم الله الرحمن الرحيم ضربه.
فكيف لو رأى عمر بن عبد العزيز مساجد المسلمين اليوم وما فيها من الكتابات والنقوش والرسوم، والساعات المتحركة الضخمة والتي ينبعث منها تلك الرنات المحرمة في خارج المسجد، فضلاً عن داخله، فما عساه أن يقول؟ وما عساه أن يفعل؟!!
اللهم! أصلحنا وصلح بنا وجعلنا ومساجدنا قائمين على السنة.اللهم! ثبت قلوبنا على الإيمان واليقين، واهدنا سبل السلام، واصرف عنا البدع وأهلها،إنك جواد كريم!.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.