الجمل .. مصنع حيوى !
اكتشاف قد يعالج كل الأمراض من قشر الرأس إلى السرطان هل يمكن أن تصدق أن الجمال أو النوق تعتبر مصانع حيوية لتخليق المضادات الحيوية التى تعالج عدة أمراض ، بينها بعض الأمراض المزمنة مثل السرطان ؟!
هذا ما أثبتته مجموعة من الدراسات الحديثة ، التى قام بها فريق من الباحثين فى جامعة بروكسيل فى بلجيكا .
بدأ الأمر مصادفة ، ففى ثمانينات القرن الماضى ، طلب اثنان من الباحثين المتدربين لقاء رايموند هامرز ، الباحث المتخصص فى علم المناعة .
اشتكى الطالبان من أن الفصل الدراسى العملى الذى يدرسانه ممل ، وسألاه إذا كان بإمكانه أن يجد لهما شيئا أكثر ابتكارا ليعملا على بحثه .
فى تلك اللحظة تذكر هامرز أن لديه نصف لتر من دماء الجمال محفوظة فى الثلاجة ، وبالرغم من أنها كانت مخصصة لأبحاث لها علاقة بظواهر متعلقة بمتاعب النوم ، لكنه قال : " لنرى إذا ما كان بالإمكان استخلاص الأجسام المضادة من دم الجمل " .
وقد كانت النتيجة مدهشة ، فقد أظهرت نتائج تحليل مضادات الأجسام فى عينة الدم ، أنه بالإضافة إلى المستوى المتعارف عليه مما هو موجود فى دماء كل الفقاريات الأخرى .
فى غضون أيام انقلب مجرى الأمور تماما ، فما بدأ كمشروع عملى للطلبة تحول إلى خط بحثى رئيسى يشرف عليه هامرز مع فريق كامل من الباحثين .
كان الافتراض الأول الذى افترضه الفريق أن هذه الأجسام الجديدة ليست سوى بروتينات دقيقة انشطرت من الأجسام المضادة ، و أنها فى النهاية تماثل التركيب التقليدى للأجسام المضادة . لكن عينات دماء جمال جلبت من كينيا أثبتت احتواءها أيضا على نفس مضادات الأجسام الجديدة .
لم يستطع الفريق أن يصدق ، واستمر الأمر عامين كاملين للتحقق من المسألة لأنها كانت تمثل كشفا جديدا وغير متوقع . فقد توسع الفريق فى بحث فصائل الجمال المختلفة ، وتبين أنها جميعا ، وبينها حيوان اللاما الذى ينتمى للفصيلة نفسها ، تتمتع بالخاصية نفسها .
مع تطور البحث ، توصل هامرز إلى أن ما يعطى الخصوصية للأجسام المناعية الجميلة ليس صغر حجمها مقارنة بالأجسام المناعية التقليدية ، بل أن جوهر تكوينها – الجزء الحيوى الذى يرتبط بالبروتينات الأخرى – تعمل بكفاءة عالية من ذاتها . مما يعنى أنه بالإمكان إنتاج بروتينات صغيرة الحجم عن الشائع ، بإمكانها أن تؤدى نفس الدور الذى تلعبه الأجسام المضادة ، بل وما لا تستطيع تلك الأجسام أن تفعله .
استمرت الأبحاث على مدى عقدين ، فى محاولة لإجابة السؤال عن أسباب وجود هذه الأجسام المضادة فى دماء الجمال وكيفية تكونها . والآن أصبح من المتوقع إعلان النتائج النهائية لما سيعرف بنظرية العلاج بالجسيمات المضادة " Nanobody- ****d therapy " . فى القريب العاجل .
الفرق بين الأجسام المضادة ، والجسيمات المضادة :
فالفرق بين الأجسام المضادة antibodies ، والجسيمات المضادة nanobodies كبير ؛ ومنها أن الجسيمات المضادة بإمكانها أن تصل إلى أجزاء من الجسم ، أو من الجزيئات .. قد لا تتمكن الأجسام المضادة من الوصول إليها . وبالتالى فهى من الممكن أن ترتبط بالسموم أو الجزيئات بسهولة ، كما أنها أقوى و أصلب من الأجسام المضادة لذلك فهى يمكن أن تبتلع فى علاجات أمراض الجهاز الهضمى من دون أن تتعرض للهضم .
وبسبب تركيبها الدقيق فهى أسهل وأقل تكلفة من حيث إمكان إضافتها لبعض المنتجات مثل شامبو الشعر المضاد للقشرة ، كما يمكن أن يتم هندستها فى النباتات للحصول على أى نتيجة ؛ سواء التأثير فى عمل الخلايا الداخلية للنباتات أو فى نشاط الأيض .
بهذا التركيب الدقيق ، كما يرى عدد من الباحثين ، تصلح هذه الجسيمات لأن تكون الأداة النموذجية لابتكار معامل الكيمياء الدقيقة ، المختصة ببحث تفاعلات الذرات بالغة الصغر .
والمعروف أن البروتينات الموجودة فى الأجسام المضادة التقليدية تأخذ شكل حرف Y ، حيث يكون فيها تركيب الذيل مستقرا ، بينما الطرفان قابلان للتغير بشكل كبير ، لكى تسمح لمختلف الأجسام المضادة أن تلتصق بالأهداف المختلفة .
على سبيل المثال ، إذا قام "فيروس" جديد يغزو أجسادنا ، فإن جهاز المناعة يقوم بتوليد أجسام مضادة مهيأة للالتصاق بهذا الفيروس ، للمساعدة فى القضاء عليه .