يتطلع الاهل في اغلب الاحيان الى سماع اول كلمة ينطقها طفلهم. وهذا يحدث في العادة ما بين تسعة اشهر وسنة من عمر الطفل. بعد سنتين من العمر يلفظ الطفل عبارات بسيطة. وببلوغه الثالثة من العمر يستعمل جملا كاملة. وفي الرابعة يصبح قادرا على الكلام بالرغم من انه يخطىء في لفظ كلمة هنا وكلمة هناك ويخطىء في تركيب الجمل احيانا. وببلوغ السنة الخامسة يكون قد اكتسب اللغة الاساسية.
لا يشك علماء التربية في ان اكتساب اللغة هو حجر الاساس في تطور الطفل في المراحل اللاحقة من العمر. ويعتمد جانب كبير من مستقبل الطفل اجتماعيا وفكريا على ما اكتسبه من لغة في المراحل المبكرة من حياته. واذا تأخر الطفل في تعلم اللغة فان ذلك قد يؤدي الى عزله عن الجماعة وانسحابه بالاضافة الى زيادة الصعوبات التي يواجهها في المدرسة وفي اكتساب مهارات حياتية مفيدة.
ويعتقد بعض الاهل – خطأ – ان عبارة "التطور اللغوي" تعني ان الطفل يكتسب اللغة بشكل تلقائي، في حين انه ليس ثمة شيء يمكن للانسان ان يعرفه او يعمله دون تدريب وتعليم. وهذا صحيح بشكل خاص في ما يتعلق باكتساب اللغة.
يبدأ الطفل تعلم اللغة من اليوم الاول من حياته. ومنذ اليوم الاول من حياة الوليد تقع مسؤولية على عاتق الاهل لوضع اللبنة الاولى في برنامج تزويد الطفل بمهارات لغوية كافية. واذا كان يتعين على الاهل ان يزودوا الطفل بالغذاء والدفء والحنان والعناية الصحية فان من واجبهم في الوقت نفسه ان يباشروا بتزويد الطفل بما يحتاج اليه من مهارات لغوية.
ويتعين على الاهل ان يبدأوا بالحديث مع الطفل من اليوم الاول من حياته. بعض الامهات من طبيعة هادئة محافظة. وبعض الامهات ايضا يجدن ان من العبث والحمق التحدث الى وليد لا يفهم اللغة. ولكن الام التي لا تتحدث الى وليدها اثناء الارضاع والحمام وغير ذلك من الانشطة سيتأخر طفلها في تعلم اللغة بكل ما يترتب على ذلك من اضرار.
والطفل الوليد يتعلم اللغة بطريقة واحدة وهي سماع اللغة عندما تتحدث اليه الام والاب. وكلما تحدث الاهل الى الوليد وكرروا كلمات معينة وعبارات معينة في حديثهم معه تعلم الطفل اللغة بسرعة اكبر.
ويجب ان نذكر هنا انه بحلول الشهر التاسع من العمر يتوقع من الطفل ان يفهم بعض الكلمات ويستجيب لبعض الطلبات. وقد يكون بوسعه ان يلفظ بعض الكلمات. ولكن الوليد يفهم من اللغة اكثر بكثير مما يستطيع ان يقول. وهكذا يبقى الوضع في الواقع طيلة حياة الانسان. فالانسان يفهم من اي لغة يعرفها - حتى من اللغة الام - اكثر مما يستطيع ان يعبر عنه بكلماته الخاصة.
وعلى هذا فان لدينا نوعين من المعرفة اللغوية: معرفة كامنة واخرى نشطة. عندما نقرأ او نستمع نستعمل معرفتنا اللغوية الكامنة وعندما نتحدث او نكتب نستعمل معرفتنا اللغوية النشطة.
نشير هنا الى ان المعرفة اللغوية الكامنة يكتسبها الطفل من تكرار الاهل للكلمات والعبارات بشكل مستمر. واذا اعيدت كلمة ما على مسمع منه بشكل كاف فان هذه الكلمة تصبح من مفرداته النشطة. وبذلك نجد ان المفردات النشطة يمكن تحسينها واثراؤها عن طريق المفردات الكامنة. وتشير دراسات الى انه من اجل ان تتحول مفردة كامنة الى مفردة نشطة لا بد من تكرارها على مسمع الطفل نحوا من خمسمئة مرة. ولكن هذه المفردة يعرفها الطفل قبل وقت طويل من قدرته على استعمالها في كلامه. وهذا يعني ان على الاهل ان يغتنموا كل الفرص للحديث على طفلهم.
ويجب ان يقرأ الاهل لطفلهم بالكثرة الممكنة. ومن المفضل ان يقرأوا له القصة نفسها مرة بعد مرة الامر الذي يؤدي الى تطور لغوي افضل للطفل. في الماضي لم تكن الكتب المتوفرة بالكثرة الني نراها اليوم. ولذلك كانت الاسر تقرأ لاطفالها الكتاب مرات كثيرة. وهناك ما يؤيد ان التكرار بالغ الاهمية في منح الطفل القدرة على اكتساب اللغة.
وعندما يكبر الطفل قليلا – في سن الثالثة - يمكن تعليمه قصائد غنائية مخصصة لمن هم في سنه. وتكرار هذه القصائد في البيت والنزهة والسيارة يزود الطفل بالمهارات اللغوية اللازمة استعدادا لتعلم القراءة والكتابة.