تتساقط دموعنا أحيانا بصمت لتروي قصصا بعضها يعج بألوان الفرح والسعادة وبعضها الآخر يلفه الحزن وتسكنه الأوجاع والهموم، قصصنا تميزها المشاعر المختلفة، لكننا لا نجد إلا لغة واحدة للتعبير عنها بحروفها الصامتة تستطيع اختراق قلوب من حولها لتنثر في حناياها مشاعر وأحاسيس عجزت ألسنتنا عن البوح بها.فتأتي الدموع حاملة بين طياتها خليطا من المشاعر الإنسانية المكبوتة التي تأبى أن تخرج ربما لأنها تفضل الاختباء بدلا من الظهور أمام أناس قد تحجرت قلوبهم وأصبحت لا تبالي بدمعة الآخر أو ربما لأننا جميعا نعتقد أن الدموع رمز للضعف والانكسار فنحاول الابتعاد عنها علنا نجد طريقة أخرى تترجم كل ما نشعر به، لكن رغم تلك المحاولات إلا أننا نلجأ إليها في آخر لمطاف لتغسل أرواحنا من هموم وأوجاع أتعبتها.
ونحن عندما نلجأ للدموع نكون قد استنفدنا طاقتنا، لذلك نبدأ في البحث عن طريقة نستطيع من خلالها التنفيس عما يختلج صدورنا من ألم أو فرح محاولين الإفصاح عن مشاعرنا المكبوتة التي تعجز كل الكلمات عن البوح بها ربما لأنها مشاعر وأحاسيس صادقة يصعب علينا وصفها فنتخذ من الدموع رسالة تخترق أرواح من حولنا لتخبرهم عن السبب الذي أجبرنا على البكاء، فلكل قطرة منها حكاية تروي معاناة حقيقية تأبى الخروج من سجنها المظلم الضيق حتى لا تراها تلك العيون الكارهة الحاقدة التي تنتظر لحظة انكسارنا لاعتقادها أن مصدر دموعنا تلك هو الضعف والاستسلام فتغيب عن أذهانهم نقطة مهمة وهي أن حاجتنا للبكاء تعادل تماما حاجتنا للابتسامة، فهو كأي شعور آخر ينتظر منا ترجمة واضحة تحرره من أسره معلنا التمرد والعصيان على الكبت الذي يجردنا من حريتنا ويحولنا إلى أشخاص متصنعين قادرين على إظهار مشاعرهم الكاذبة المزيفة فقط ليقنعوا الآخرين بأنهم أقوياء وأن لا شيء في هذه الحياة يستطيع أن يهزمهم أو يضعف من عزيمتهم.
لذلك يحاول هؤلاء الأشخاص حبس دموعهم علهم ينجحون في إخفاء مشاعرهم المتوقدة باعتبارها نقطة ضعف تقلقهم وتستنزف طاقتهم لا يعرفون أن حبسهم لدموعهم قد يزيد من أوجاعهم ويعمق في نفوسهم الشعور بالضيق الذي يبقى مرافقا لهم فقط لأنهم اختاروا أن يتعاملوا مع دموعهم بقسوة وإجحاف رافضين أن يطلقوا العنان لها حتى لا يكونوا عرضة للشفقة التي تضاعف آلامهم وأحزانهم بدون قصد، لكن أحيانا نفقد السيطرة على دموعنا التي تفضل الخروج من سجنها لتغسل ملامحنا الجافة المتعبة ولتتمكن من إحيائها مرة أخرى، وذلك برسم ابتسامة صادقة على شفاهنا مهمتها تغيير حالتنا المزاجية والتغلب على دموعنا التي غالبا ما تجبرنا على كشف أسرار نأبى الإفصاح عنها لأنها أمور حساسة بحاجة إلى كتمان حتى لا تكون سببا في استغلالنا.
وبغض النظر عن المبرر الذي يدفعنا للبكاء، إلا أن هذا الانفعال الطبيعي يتعهد بتهدئة أعصابنا والتخفيف من حدة مشاعرنا التي تجعلنا منقادين لها لا نقوى على مقاومتها، لذلك نحتاج لتفريغها لكي نستجمع قوتنا ونلملم ما تبعثر منها، فنحاول أن نوقف ذلك السيل المتدفق من الدموع المتباينة والتي تجمع بين الخوف والقلق والتوتر بضحكة مرتبكة أو حديث مشتت نستطيع من خلاله استحضار لحظات مفرحة قادرة على أن تجدد نفسيتنا المثقلة بالدموع وتبث في أرجائها شعورا مؤقتا بالسعادة.
دموعنا لغة رقيقة تشعرنا بالراحة والطمأنينة وهي حق مشروع للجميع لا تقتصر على فئة دون الأخرى لا تفرق بين الكبير والصغير أو بين الرجل والمرأة، جميعنا نلجأ إليها كونها أعظم لغات العالم وأصدقها ومخطئ من يظنها حكرا على المرأة، وذلك لأنها حالة وجدانية تعتري كل إنسان لكن بدرجات متفاوتة؛ فهناك من يستطيع مقاومة دموعه وحبسها حتى لا يظهر بمظهر الإنسان المنكسر الهش المنقاد لانفعالاته الشعورية وهناك أيضا أشخاص يفضلون التعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم بسيل من العبرات الساكنة التي تحاول استعادة ذكريات غلفها غبار الماضي.. ذكريات أسدل عليها الستار لكنها تعود لتحيي فيهم أوجاعا كادت أن تنسى، لذلك ينبغي علينا أن نتعامل مع دموعنا بحكمة وإتقان كي لا تفقد قيمتها الحقيقية وتصبح سبيلنا الوحيد لحل مشكلاتنا، فهناك طرق أخرى عملية وواقعية غير الدموع بإمكانها أن تخلصنا من مشكلات وتحديات كثيرة قد تواجهنا