ظلومة النســـاء
ظلومة النساء
من مآثر الجاهلية الأولى أنها كانت تزدري المرأة وتصادر حقوقها وتهمل شئونها وتفرض عليها أن تعيش في زاوية من الإهمال والخمول ، ويظهر ذلك بوضوح عند تقسيم المواريث ؛ فإن الرجال يذهبون بالمال كله ولا يبقى للزوجات والبنات إلا الثكل والأحزان ،
والغريب أن تقاليد الجاهلية القديمة لا تزال حية في ضمائر البعض ، فهم يضنون علي البنت بأخذ نصيبها لا سيما إذا كانت متزوجة ، ويقولون لها تذهبين بمال الأسرة إلي الغرباء ، فإذا كانت لم تتزوج خلطوا مالها بأموالهم تمهيدا لأكله بالباطل ، وهذا كله فسوق عن أمر الله ، ورغبة في رد النساء إلي الجاهلية التي حررهن الإسلام منها ،
ويحكي المفسرون سببا لنزول الآية الكريمة { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا }
قالوا نزلت هذه الآية في أوس بن ثابت الأنصاري ، تُوفي وترك امرأة تُسمى ( أُم كحة ) وثلاث بنات وترك ثروة حسنة ، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصيَّاه ، يقال لهما سويد وعرفجة فأخذا المال كله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا ، وتلك حسب تقاليد الجاهلية التي لا تورث النساء ولا الأطفال ، وإنما يذهب بالتركة الرجال الكبار متعللين بان الإرث لا يستحقه إلا من قاتل وحاز الغنائم وحمى الحوزة ،،،
فجاءت امرأة أوس إلي رسول صلي الله عليه وسلم ، وشكت له ما وقع وقالت : إن زوجها ترك مالا كثيرا وتركني وثلاث بنات وليس عندي ما أُنفقه عليهن ، وقد اجتاح ( سويد ) و ( عفرجة ) كل شيء ولم يعطياني ولا بناتي منه شيئا ، وهُن في حجري لا يطعمن ولا يُسقين ،،
فدعاهما الرسول ليسائلهما عما فعلا ،، فقالا : يا رسول الله إن أولادها لا يركبن فرسا ولا يحملن كلاً ولا يكدن عدوا ،، فأنزل الله هذه الآية مبينا أن الإرث ليس متخصصا للرجال ، بل هو أمر مشترك بين الرجال والنساء ،،، فلما نزلت الآية مجملة لم تحدد فيها الأنصبة أمر الرسول صلي الله عليه وسلم بتجميد التركة حتى ينزل بيان بالتقسيم فنزل بعدئذ قوله تعالي ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل ُ حظ الأنثيين ) إلي آخر آيات المواريث ، فقسم ميراث أوس بن ثابت علي هذا النحو وفق تعاليم الشريعة 3\ 24 للزوجة ــ 16\24 للبنات ــ 5\24 لأولاد العم وهذا هو التقسيم المعتمد عند جمهور المسلمين ؛
ذلك وقد لوحظ أن اليتيمة تكون عند الوصي ، فيحب أن يتزوجها لأنها أقل مؤنة ومهرا ، وبذلك يأخذها ويأخذ معها ميراثها فنزل قوله تعالي { وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلي أموالكم إنه كان حوبا كبير ا } أي ذنبا عظيما
إن المجتمع الذي يهين النساء ، ويقلل من شأنهن ، ويستبيح حقوقهن المادية والأدبية مجتمع أناني ظلوم بعيد عن تعاليم الإسلام ووصاياه وكذلك المجتمع الذي يجور علي المستضعفين الذين لا شوكة لهم ن ولا يستطيعون دفاعا عن أنفسهم ،
إن الله سبحانه أمر بالعدل والرحمة ، ووصى بالإحسان والفضل ، وأقام الأمم علي التكافل الكريم ، وعلي أن يتنفس الصغار والكبار في جو إنساني رفيع وقال للناس بعد ذلك { وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما }