لندن: علي الصالح
«الانتفاضة الجديدة... مقاومة التمييز العنصري الاسرائيلي» هو اول كتاب من نوعه حول انتفاضة الاقصى، بمناسبة مرور عام على انطلاقتها في 28 سبتمبر (ايلول) من العام الماضي ردا على الزيارة الاستفزازية لزعيم حزب الليكود اليميني رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي ارييل شارون للحرم القدسي الشريف في القدس المحتلة والقبضة الحديدية التي واجه بها رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينها ايهود باراك الفلسطينيين المحتجين على الزيارة.
وكتاب «الانتفاضة الجديدة... مقاومة التمييز العنصري الاسرائيلي» ليس برواية وليس كتابا سرديا لاحداث وانما مساهمات من نخبة من اشهر الكتاب والباحثين والصحافيين العرب والاجانب وجدت ثمة حاجة ماسة لتقديم صورة امينة للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، في مواجهة عمليات التضليل المشينة التي مارستها بعض وسائل الاعلام المسيطرة في العالم حول الحقائق الاساسية لهذه الانتفاضة، لذلك يمكن القول ان هذا الكتاب هو محاولة صادقة وجادة للرد على هذا التضليل والادعاءات الزائفة من خلال تحليل اصول الازمة واعطاء صوت الجانب الفلسطيني من الازمة وكذلك صوت الاسرائيليين والاميركيين الرافضين للقمع الذي تمارسه دولة اسرائيل باسمهم.
فجاءت هذه المساهمات في الذكرى السنوية الاولى للانتفاضة وبعد ايام فقط على تفجيرات نيويورك وواشنطن، لتعكس رؤى هؤلاء كل من منظاره وتخصصه، لانتفاضة الاقصى... اسبابها... اهدافها وتطورها وانعكاساتها على الشعب الفلسطيني والدولة الاسرائيلية ومستقبل عملية السلام. ويقدم بعض المساهمين تقارير ميدانية عن الانتفاضة من شوارع وحواري القدس المحتلة وغزة والضفة الغربية الى مخيمات اللاجئين في لبنان.
ويقدم المساهمون ايضا وجهات نظر ناقدة للتغطية الاعلامية خاصة الغربية المضللة للانتفاضة وحقائقها الاساسية وكذلك العلاقة بينها وبين المقاومة الفلسطينية للاحتلال الاسرائيلي.
ويسلط المساهمون الاضواء في هذ الكتاب الذي يأتي في 354 صفحة من القطع الصغير تغلفه الصورة الشهيرة للطفل الفلسطيني فارس عودة وهو يواجه دبابة الاحتلال الاسرائيلي بحجر، تلك الصورة التي تناقلتها وكالات الانباء ونشرتها الصحف في صدر صفحاتها الاولى ليقتل بعدها ببضعة ايام برصاصة من جندي اسرائيلي في قطاع غزة، على رد الفعل العنيف لحكومتي باراك وشارون على الانتفاضة ودور الولايات المتحدة في الازمة. وينتقل هذا الكتاب للحديث في احد فصوله عن عيوب مسلسل اتفاقات اوسلو واسباب فشلها رغم مرور 8 سنوات على توقيعها في الحديقة الجنوبية للبيت الابيض واستراتيجية القيادة الفلسطينية. ويصل المساهمون الى نتيجة كيف ان الوحشية الاسرائيلية يمكن ان تقود الى حالة من الغضب واليأس التي تجلت في العمليات الانتحارية، تلك الظاهرة التي وصلت اخيرا الى الشواطئ الاميركية.
ويرى المساهمون ان تفجيرات نيويورك وواشنطن ليست الا نتيجة للسياسة الاميركية الخارجية. وتقدم الصور التي اختيرت في هذه الكتاب شواهد حية على بطولة المقاومين الفلسطينيين والثمن الباهظ الذي يدفعونه في مقاومتهم لقوات الاحتلال. واما الخرائط في هذ الكتاب فهي توضح الطوق الحديدي الذي تواصل اسرائيل فرضه على الاراضي الفلسطينية.
ويضم هذا الكتاب الى جانب محرره روني كير محرر مجلة «نيشين» الصادرة في نيويورك، نخبة من كبار الكتاب والصحافيين والاكاديميين ودعاة سلام وحقوق انسان من فلسطينيين وعرب وبريطانيين واميركيين، من بينهم نعوم تشومسكي، بروفسور في قسم الالسن والفلسفة في معهد ماساسوتس للتكنولوجيا وهو احد اشهر الكتاب والاكاديميين اليهود الاميركيين ان لم يكن اليهود قاطبة، مناهضة للصهيونية. وعلى مساحة 16 صفحة من الكتاب، كتب تشومسكي مقدمة الكتاب التي غطى فيها انطلاقة الاقصى واسلوب الرد العنيف الذي لجأت اليه اسرائيل منذ اللحظة الاولى ضدها. ثم استعرض من خلال استخدام اسرائيل لطائرات الاباتشي الاميركية ضد الاهداف الفلسطينية، العلاقات الاميركية ـ الاسرائيلية، ثم عرج على عملية السلام واسباب فشلها حتى الآن مسلطا الاضواء على المستوطنات في هذا السياق.
ويستعرض ادوارد سعيد بروفسور اللغة الانجليزية والادب المقارن في جامعة كولومبيا احد اشهر الشخصيات الفلسطينية في الغرب، صاحب كتاب «الاستشراق» الذي اصبح مرجعا للدارسين، اضافة لكتب اخرى من بينها «مسألة فلسطين ونهاية عملية السلام»، تحت عنوان «الفلسطينيون تحت الحصار» الى جانب اشياء اخرى، معاناة الفلسطينيين والخسائر البشرية والاقتصادية التي تعرضوا اليها على مدى سنوات عملية السلام.
وتساهم اهداف سويف الروائية البريطانية المصرية الاصل صاحبة رواية «خريطة الحب» التي كانت من بين 10 روايات مرشحة للفوز بجائزة بوكر البريطانية لعام 1999، بتحقيق مطول تحت عنوان «تحت فوهة البندقية: رحلة فلسطينية»، حول رحلتها الاولى، من الاردن الى فلسطين عبر جسر الملك حسين في مهمة صحافية كلفتها بها صحيفة «الغارديان» البريطانية. وخرجت سويف من هذه الزيارة بتجربة شخصية غنية عن المعاناة اليومية والقهر المتواصل الذي يعيشه الفلسطينيون على ايدي قوات الاحتلال والمستوطنين خاصة في مدينة الخليل حيث يعيش 400 من غلاة المستوطنين وسط اكثر ممن 120 الف فلسطيني.
اما غلين روبنسون، برفسور في كلية نافال للدراسات العليا في مونتري بكاليفورنيا وباحث في مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة كاليفورنيا ببريكلي ومؤلف «بناء دولة فلسطينية» و«ثورة غير مكتملة»، فانه يتحدث تحت عنوان «سلام الاقوياء» عن اسباب الانتفاضة المتمثلة الى جانب عوامل اخرى في فشل اوسلو في ازالة الاحتلال. وينتقد روبنسون وسائل الاعلام الاميركية التي اغفلت هذه الاسباب الواضحة للعيان وحملت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مسؤولية انفجار الوضع.
ويعود روبرت فيسك كبير كتاب صحيفة «الاندبندنت» البريطانية في شؤون الشرق الاوسط وصاحب العديد من الكتب وحائز جائزة افضل الصحافيين الدوليين البريطاني لسبع سنوات، في مساهمته الى مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت في 16 سبتمبر (ايلول) .1982 ويؤكد فيسك في تقريره تحت عنوان «هذا مكان قذارة ودم سيظل مدى الحياة مرتبطا بآرييل شارون». ويعود فيسك الى المخيمين الفلسطينيين اللذين شهدا عملية ذبح لاكثر من الف و800 فلسطيني نفذتها ميليشيات القوات اللبنانية تحت حراسة وحماية الجيش الاسرائيلي الذي كان يأتمر بأمر وزير الدفاع انذاك آرييل شارون. وبالمناسبة فان فيسك احد اوائل الصحافيين الاجانب الذين دخلوا المخيمين بعيد المجزرة وكتب تقارير وصفية عن بشاعتها