انطلقنا بالسيارة أنا وصديقي بل وأخي (فهد) إلى مدينة (؟) لنقوم بأمر مشترك لنا كلينا , وكنا قد طلبنا من أحد الأشخاص , أن يحجز لنا شقة في تلك المدينة , وأثناء الطريق وقبل الوصول , اتصل بنا صاحبنا وأخبرنا بأنه لم يجد شقة أبداً , إلا غرفة في مسجد وبها دورة مياة أجلكم الله , وذلك لكثرة الزحام الموجود في تلك المدينة !! لم يكن أمامنا إلا أن نقبل بما وجده لنا فطلبنا منه استئجارها لنا ونحن كارهين !
وصلنا المكان , وتضايقنا بعض الشيء لأن الغرفة ليست على ما نحب أبداً فلا يوجد بها تكييف ودرجة الحرارة مرتفعة جداً وغير هذا فالغرفة مكشوفة أمام الرايح والجاي, ولكن صديقي استدرك قليلاً وتغير منظر وجهه , وقال بأنه يعرف إمام هذا المسجد الذي تتبعه الغرفة!! (حيث أنه يسكن في بيت المسجد) وإنه سوف يحرج منه كثيراً لو حصل وصادفه هنا!
هونت عليه الأمر وقلت دع الأمر لي بعد الله ولو جاء صديقك هذا فاترك الأمر لي ودعني أتفاهم معه(طبعاً أنا أعرف الكرم (((الحاتمي))) الذي يتميز به هذا الرجل أقصد إمام المسجد,وأعرف أيضاً بأن صديقي فهد له معروف على إمام المسجد لا يمكن أن يقضيه له مهما عمل ومهما فعل , ولهذا أصريت أن أتفاهم معه) قمنا بإنزال أغراضنا , والحمد لله معنا أغراض متكاملة تكفي لعمل أحسن غداء وأحسن عشاء .
وفعلاً ماهي إلا دقائق , حتى وقف إمام المسجد فوق رؤوسنا , وسلَّم علينا ورحب بصديقي بعدما عرفه!! وطبعاً عرف القصة ولماذا نحن هنا !!
الرجل دعانا إلى الدخول إلى منزله والمبيت فيه, فطار عقل صديقي واعتذر وبدأ يطلق الأعذار تلو الأعذار بعدم مقدرته على ذلك !! فتدخلت في الحديث وقلت يا فهد الرجل يريد إكرامك وإكرامنا وأنت ترفض ! ثم وجهت الكلام لإمام المسجد وقلت بارك الله فيك كلها ثواني ونكون عند بابك , لكن أين هو الباب ودلنا عليه ؟>>>(نشبة)
وفعلاً لم تمضي دقائق , إلا ونحن في مجلسه وكان الوقت بعد صلاة العشاء , وكما يعرف الجميع فالرجال من ووجهيهم , وهذا الوجه لا يبشر بخير أبداً!!
ونسيت أن أقول بأن صديقي يكون محرماً لزوجة صاحب البيت (ومش عايز أوضح أكثر من كدة وبلاش فضايح ربنا يخليكم)
طيب , جاء صاحب البيت وسألنا هل تعشيتم؟؟ فبدأ صديقي يقول : لا داعي لذلك لقد تناولنا غداءنا متأخرين , فتبرعتُ بالكلام وقلت له الله يقويك بصراحة بأننا لم نتعشى , ولكن لا أريد أن أكلف عليك , فقط أخبرني أين يوجد أقرب مطعم من منزلك؟
قال الرجل لا لا يمكن ذلك , ثم غاب وجاء يحمل , صحناً فيه نصف دجاجة و6 أسياخ مشاوي (أذكرهم زين كأنها قدامي) طبعا بلا شاي….وبلا قهوة
انتهينا من تناول العشاء, ولم يكن هناك أي مشروب بعده كما لم يكن قبله أيضاً..!
خرج الرجل ثم عاد , ثم خرج وعاد!! وكأن لسان حاله يقول : أنتم فوق رأسي ولكن بطريقة ثانية!
ثم نطق وقال: سأحضر لكم الوسائد والأغطية (وكأنه يريد منَّا أن نقسم عليه ألا يحضرها)!! قلت له لا أنا معي فراشي , سأنزل وأحضره من السيارة (سليب باق- وهي فراش النوم الذي يكون فيه سحاب يغلق ويفتح به) قلتُ له ذلك ثم قلت لكن صديقي ليس معه فراش!!لم يمانع في ذلك , ثم دخل وعاد بفراش , لا يليق بمنزلهم وبالطبع لا يليق بضيف في منزلة صديقي !!
دخل وتركنا, متعجبين ودار بيننا بعض الكلام حوله!! استسلمنا للنوم, واستيقظنا في الصباح انتظرنا أن يطل علينا صاحب البيت أو صاحبة البيت , وطال انتظارنا ! ولكن لم يظهر أحد ولم ينجح أحد !! في حين أننا نسمع أصواتهم من داخل البيت !!
قلتُ يا صاحبي والله ما بدهاش , سأنزل إلى السيارة وآتي لنا بما يسد جوعنا ويروي ظمأنا! نزلتُ إلى السيارة , وحملتُ حقيبة القهوة , وأخرجتُ ما بها , وقمت بعمل القهوة لنا , ثم صعدتُ بها إلى فوق مع التمر والحلى , وتناولتها أنا وصديقي , حتى قاربنا على الانتهاء !
أثناء ذلك , دخل علينا صاحب البيت , وهو يقول : ما شاء الله عليكم مسويين قهوة!! وجلس معنا ثم بدأ يشرب القهوة ويظهر معزَّته لها بشكل كبير, ودون أن يبدو عليه أي تأثر أو اعتذار لنا!!
شربنا قهوتنا واستأذنا من الرجل في الذهاب لإنجاز بعض الأعمال المهمة لنا ، وخرجنا على أننا سوف نعود وقت الغداء ، وفعلاً رجعنا وقت الغداء ، وتخيلتُ بأنني أول ما أدخل إلى البيت سوف أشمُ رائحة قهوة أو بخور مثلاً يملئان البيت كما تعودنا ! ولكن خاب أملي فلم يحدث شيء من ذلك !
دخلنا المجلس، وجلسنا ، انتظرنا أن يأتينا شيء يدل على أن هذا البيت يخص بني البشر ، بلا فائدة ، حتى الماء الذي يشترك في أحقيته جميع بني آدم ، لم نحظى بشرف مقابلته هو الآخر!! وكنتُ قد أخذت احتياطي لذلك فأحضرت معنا بعض زجاجات الماء!
أخذت أجولُ ببصري في أرجاء مجلسهم وأقول ما فائدة هذا المجلس إذا كان لا يستقبل فيه الضيوف ، ولا يقوم معهم بأدنى درجات الضيافة! ولا حتى يقوم بأدنى درجات من يعرف حفظ المعروف ! فأنا أعرف بأن صديقي فهد له معروف كبير على صاحب البيت وأقل هذا المعروف بأنه , طوال أشهر عديدة وربما تتعدى السنة والسنتين كان يستضيفه في بيته يومياً ويؤمن له وسيلة المواصلات إلى إي مكان يريده!! وما جزاء الإحسان إلا الإحسان يا صاحب البيت!! وآآه وآآه وأين أنت يا صاحب كتاب البخلاء لترى بأم عينك ماجرى!
بعد أن طال انتظارنا لذلك الغداء المَجَازي وبعد أن قارب العصر على الأذان، وبعد أن أخذ منا الجوع أيما مأخذ ، قلت إلحق على عمرك ياولد لا تموتون جوع!
فخرجت من البيت ، وبحثت عن مطعم جيد نأخذ منه ما نسد به جوعنا ، اخترتُ ما أريد ورجعت به إلى صاحبي الذي تركته طاوياً ليس معه شيء ، ومن أدب صاحبي وحياءه رفض في البداية أن يأكل, إذ كيف نأكل في بيت الرجل على حد قوله! حاولت معه حتى رضخ لي , فأكلنا وشبعنا ثم خرجنا لننجز بعض الأعمال، وكل ذلك ونحن نسمع أصوات الرجل وعائلته من داخل البيت!
من الغد وفي الصباح ، نزلتُ إلى السيارة وقمت بعمل القهوة(خلاص تعودنا) وأحضرتها لنا وجاء صاحب البيت وشربها معنا!! وفي وقت الغداء جاء صاحب البيت وأخبرنا بأننا مدعوون معه على الغداء عند أحد الأشخاص (والذي نعرفه سابقا) لم نمانع في ذلك فالضيف في حكم المضيف كما يقولون، وإن كان لا يوجد هناك مضيف أساساً!
انتهينا من تناول الغداء، وخرجنا عائدين، وكنا بصحبة (الرجل في سيارته) وأثناء سيرنا بالسيارة قال: ما رأيكم لو توقفنا واشترينا ماءً أو عصيراً؟(أبشروا جاكم الفرج) توقف بالسيارة عند أحد البقالات وترجل منها ثم مشى باتجاه البقالة (وأنا متعجب وغير مصدق لهذا الحدث العظيم)!
ولكن لحظة فقد خاب أملي ، فماهي إلا لحظات حتى عاد يجري قائلاً: (معكم فكه، معكم فكه)!! ثم أردف قائلاً وهو يشير إلى جيبه ليس معي إلا500ريال ورقة واحدة!!
فأخرج صديقي عشرة ريالات من جيبه وناولها له ، فراح يجري بها وكأنه وقع على كنز !! وأي كنز إنها عشر ريالات بأكملها!
عاد وهو يحمل معه 3علب ماء(والسبعة ريالات يفتح الله، فهي في عداد الأموات الآن، فترحموا عليها يرحمكم الله)
شربنا الماء ، و حمدنا الله تعالى ، على الذي عافانا مما ابتلى به كثير من خلقه، وصلنا إلى البيت ، وحملنا جميع أغراضنا وأركبناها في سيارتنا، وعدنا باتجاه ديارنا غير آسفين إلا على هذا الثوب وهذا الشماغ اللذان جعلانا نعتقد أنه من الرجال….!
ملاحظة: راتب الرجل يزيد عن خمسة عشر ألف ريال , ويشغل منصباً عملياً عاليا!
أمس في 04:05 pm من طرف 
موضوع: موقف غريب.....! 
