الاسم: تيريز اسحاق هلسة
مكان الولادة: مدينة عكا / فلسطين
الديانة: مسيحية
سنة الأنتماء للحركة: 1969
تيريز هلسة بنت السابعة عشر ربيعا، وهو العمر الذي اختارته لتبدأ رحلتها مع الثورة الفلسطينية، التي انتقلت مراحلها من خطف طائرة إلى اعتقالها مروراً بحكم المؤبد مرتين واربعين عاما، وانتهاء بالنفي بعد الافراج، ضمن صفقة التبادل سنة 1983.
الثالثة بين أخواتها، عاشت في منطقة عكا التي انتقل إليها والدها منذ العام 1947، أما والدتها فكانت من قرية الرامة الفلسطينية.
وعندما بلغت هلسة، المتحدرة أصولها من مدينة الكرك الأردنية، السبعة عشر عاما، اعتملت في قلبها جراح الاحتلال الإسرائيلي، مشهد إهانة الرجال الفلسطينيين أمام عائلاتهم وأبنائهم كان من أكثر ما ملأ قلبها حسرة ورغبة في الثورة على الوضع السائد، لذا قررت شدّ رحالها مشيا على الأقدام من عكا إلى مرجعيون في الجنوب اللبناني كي تنذر نفسها لأي عملية ثورية من غير أن تُعلم أحدا من أهلها عن نيتها.
وبينما كان الأهل منهمكين بالبحث عنها كانت تيريز في مرجعيون تتلقى تدريباتها في معسكر تابع لحركة فتح على استخدام جميع أنواع الأسلحة والمتفجرات، تقول "حتى ذلك الحين لم أكن أعلم شيئا عن نوع العملية التي سأقوم بها، بيد أني لم أتفاجأ حينما أبلغوني بأنني سأقوم بخطف طائرة".
وفي يوم الرحلة المتجهة من بيروت إلى روما، قام ابو يوسف النجار وهو المسؤول المباشر عن العملية بتعريف تيريز على اعضاء المجموعة الذين سينفذون عملية الاختطاف معها، وكان من بينهم الشهيد زكريا الأطرش. تقول تيريز "استشهد زكريا أثناء العملية إلى جانب قائد العملية الشهيد علي طه"، فيما بقيت أنا والمناضلة ريما طنوس على قيد الحياة.
وعن تفاصيل ذلك اليوم تقول في تاريخ 2/5/1972 استقلينا الطائرة، أنا وزكريا، وريما وعلي، من بيروت إلى روما وكنا نحمل جوازات سفر لبنانية وكان اسمي بالجواز سميرة ومن ثم إلى ألمانيا وهناك تمت عملية تغيير الجوازات إلى جوازات سفر اسرائيلية وكنت احمل اسم مريم بهذا الجواز وبعدها إلى بلجيكا وتحديدا يوم 6/5/1972 وهو اليوم الذي أُبلِغنا فيه أن الطائرة المزمع اختطافها ستقلع من بروكسل إلى مطار اللد في اراضي عام 48. حيث كان التواصل يتم بيننا وبين الحركة عن طريق الشهيد علي بصفته قائد العملية.
ملامح غضب ترتسم على محيا هلسة، وهي تستحضر مشاعر ذلك اليوم وتروي العملية بكل تفاصيلها الدقيقة وكأن العملية تمت اليوم حيث كان همها الأول هو تنفيذ العملية بنجاح ومن دون تدخل من أحد.
توضح قائلة "من أبرز الثغرات أثناء تنفيذ أي عملية فدائية هو تدخل القيادة بها بعد مرحلة التدريب والتخطيط، وهذا ليس تقليلا من شأن القيادة أو لعدم الثقة بها أنما لأن الموجود في العملية هو الأقدر على الحكم على مصيرها وإلى أي اتجاه تتجه وهذا لأنه هو المتواجد بأرض العملية وهو اعلم بكل ظروفها. ولكن ما حدث معنا هو تدخل القيادة عندما مددت ساعات اعتقال الرهائن وبالتالي أضعفت من قوة الموقف".
وبعد أن استقلت هلسة ورفاقها طائرة سابينا، وهي خطوط بلجيكية برأس مال بلجيكي- إسرائيلي مشترك، والتي كان على متنها قرابة المائة وخمسين راكبا يهوديا وأثناء الرحلة المتجهة نحو مطار اللد وتحديدا في سماء فيينا قام علي ومن ثم زكريا ومن ثم هلسة وبعدها ريما من مقاعدهم وكأنهم متجهون نحو الحمام، بينما أشهروا أسلحتهم. واخذ كل واحد منهم موقعه فتوجه الشهيد علي الى كبينة الطيار والشهيد زكريا على باب الكبينة وهلسه في المنتصف وريما بالمؤخرة حينها أعلن الشهيد علي لركاب الطائرة عبر مكبرات الصوت أن الطائرة قد اختُطِفت. "ولأني أتكلم العبرية جيدا قمت انا بأبلاغ برج المراقبة بعملية الاختطاف وكان الهدف من عملية الاختطاف هو أولا أعتراف العالم وعلى رأسهم اسرائيل بالشعب الفلسطيني وحقه بالارض وانتزاع اعتراف بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية وتحرير الأسرى وأذا لم يتم ذلك خلال ست ساعات سيتم تفجير الطائرة"، قالت تيريز.
تكمل هلسة قائلة "وعن طريق كابينة القيادة صار التواصل بيننا وبين القيادة. وبعد انتهاء الوقت المحدد كان من المفروض ان يتم تفجير الطائرة ولأني كنت احمل الحزام الناسف ابلغت الشهيد علي اني سأفجر الطائرة لكنه رفض وذلك لأن القيادة اعطت اوامرها للشهيد علي بتمديد المهلة وبرغم أننا غير مقتنعين إلا أننا اضطررنا إلى الرضوخ لأوامرهم بتمديد فترة المهلة إلى ساعات ولكن لم يكن هناك استجابة وعندها طلبت من الشهيد علي بأن اعمل على تفجير الحزام ولكنه رفض مجددا وبلغ القيادة بأصراري على عملية التفجير فصدر الأمر بسحب الحزام مني ووضعه في مؤخرة الطائرة ومرة اخرى تم تمديد الملهة حتى وصلت أربعا وعشرين ساعة".
وتقول هلسة في تلك الساعات نفد الوقود من الطائرة وتوقفت محركاتها عن العمل والتي كانت تعمل حتى يتم توفير الاوكسجين، ما اضطرهم للمجازفة بفتح أحد الأبواب لدخول الهواء كي لا يموت الركاب.
تضيف "على الرغم من أنه كان بإمكاننا استغلال الأوكسجين الاحتياطي في الطائرة لمدة أيام بينما نترك الركاب يختنقون، غير أن ذلك ليس هدفنا إطلاقا، فنحن لسنا إسرائيليون لنتلذذ برؤية الموت كما يفعلون هم مع الفلسطينيين".
وتماشيا مع معاهدة جنيف، التي تسمح لرجال الصليب الأحمر بالصعود للطائرة المختطفة لتفقد أحوال الرهائن، وافقت هلسة ورفاقها على ذلك وهذا كان بعد مرور قرابة العشرة ساعات على عملية الاختطاف، وتقول معقّبة "بيد أنهم كانوا من الدهاء والمكر ما يكفي لتحديد عددنا ومواقعنا من دون أن نشعر".
وبعد ذلك طلبنا منهم وقودا للطائرة وطعاما للمسافرين، وأجابوا بالقبول وبعد مرور اربع وعشرون ساعة، وصل (لاند روفر) بجانب الطائرة على أساس أنه لمسؤول الصليب الأحمر كي يمدنا بالمطلوب، لذا فتح الشهيد علي فتحة موجودة في أرض الطائرة بداخل كبينة الطيار لإدخال الطعام بينما باغتته رصاصة إسرائيلية في رأسه، ليتبين أن (اللاند روفر) للجيش الإسرائيلي وليس الصليب الأحمر.
وبعد أن هرعت هلسة لمسدس علي كي تأخذه وتصوب رصاصة منه على المتفجرات المخبأة في آخر الطائرة كي تنفجر، باغتها الجنود برصاصات متتالية انهمرت على ساعديها حتى وقع المسدس من يدها التي غرقت في دمائها.
وعن تلك اللحظات تقول "تناهى لسمعي وأنا أمضي نحو المتفجرات صوت جنود الاحتلال وهم يقولون عن الشهيد علي بأنه فارق الحياة، بينما رأيت الشهيد زكريا غارقاً في دمائه. وقبل أن يصّوبوا على ذراعيّ حدثت مناوشة بيننا بالرصاص وكان من بين من أصيبوا نتنياهو".
وتقول "وبرغم كل ذلك رفضت الاستسلام، وهرعت نحو جناح الطائرة هاربة، فركض خلفي الجنود وألقوا القبض علي. وبعد ذلك تم وضعي على نقّالة، حتى جاء جندي وقطع شريان يدي اليسرى الذي يتصل بالقلب عن طريق سكين مثبتة في عقب بارودته.. وبعد ذلك فقدت الإحساس بكل شيء وغبت عن الوعي" تقول هلسة التي ما تزال تذكر تفاصيل ذلك اليوم وكأنه في الأمس القريب.
وأفاقت هلسة جرّاء سكب المياه على وجهها في مستشفى تل هشومير العسكري، لتبدأ دوامة التحقيق الطويلة. وبعد أن كانوا يداومون على سؤالها عن التنظيم وعن أسماء الأشخاص الذين يقفون وراءها برغم إعلانها ورفاقها على متن الطائرة بأنهم تابعون لمنظمة التحرير. وبرغم حالتها الصحية المتدهورة، إذ كانوا يضعون لها إبرة المغذي في رجلها لأنه لم يعد في ذراعيها المصابتين مكان للإبر، برغم ذلك ضربها جندي احتلال من غيظه على مكان الغرز عند الشريان المقطوع، ما اضطرهم لإدخالها مجدداً إلى غرفة العمليات.
وبعد مدة زمنية قضتها في المستشفى، تم اقتيادها إلى مبنى "نفي تريتسيا" لتجلس في غرفة الانتظار لأسابيع تحت ضغط التحقيقات المستمرة طوال الليل والنهار، ومن ثم تم أخذها إلى السجن. وحتى تلك اللحظات لم تكن تيريز قد حوكمت بعد.
بصوت هادئ تقول كانوا يضغطون عليّ بشتى الوسائل كي أتحدث. كانوا يضربونني ويسحبون الخيط من غرز جراحي بينما أرفض برغم الألم الهائل حتى مجرد ذرف دمعة.. كنت أرى في عيونهم أمام عنادي وعناد أي معتقل فلسطيني احتراماً ورهبة غريبين رغم كل ما كانوا يلحقونه بنا من صنوف تعذيب.
تتلاحق أنفاسها قبل أن تردف "كانوا يمنعون عني الماء وعندما أشارف على الجفاف يغذونني به من خلال المغذي وليس الفم". وتروي هلسة صنوفا أخرى من التعذيب منها "كانوا يضعونني تحت إضاءة قوية يرافقها صوت لا يتمكن أمامه أحد من النوم".
وكانوا يحاولون إيهامي بالجنون، إذ كانوا يغيبون عني لساعات ويوهمونني بأن نهاراً جديداً بدأ فيغيرون ثيابهم ويقولون لي صباح الخير، وكي أتأكد تركت يوماً ما خبزة وتحسستها عندما عادوا فوجدتها طازجة بعد فتأكدت بأن اليوم لم ينقضِ وحينما كشفتهم ضربوني ضرباً مبرحاً.
وفي يوم المحاكمة، الذي جاء بعد أربعة أشهر من الاعتقال، قرأ المدعي العام لوائح الاتهام المسندة إليها، والتي انتهت بابتسامة منها رغم الحكم المروّع.
تقول كانت المحاكمة صورية وإعلامية بحتة، وعندما نطقوا بحكم ريما المؤبد، وحكمي أنا بالسجن 240 عاماً ضحكت بشدة من عدم منطقية الحكم، لذا كتبت الصحافة حينها تيريز تبتسم رغم الحكم.