بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ناصر المستضعفين, ووليُ الصابرين , والصلاة و السلام على سيد الإنسانية, الرحمة المهداة و النعمة المسداة للبشرية أجمعين وبعد :/
ياليل مالك اخر يرجى ولا لليل اخر
ياليل طل يا شوق دم اني على الحالين صابر
السيدات والسادة الحضور:
في هذا المقام التضامني السامي مع أنبل قضية إنسانية عادلة, ومن على منبر هذا المؤتمر الإنساني الرفيع, أقف ابتداء وقفة شرف وكبرياء ...من أعماق أعماق قلبي تحية حب ووفاء إلى والدي ...أيمن قفيشة والذي مضى على اعتقاله في السجون الصهيونية أربع عشرة سنة إلا شهرا, وبتوقيت الحرية والحياة خمسة ألاف وثمانون يوما وبلغة قلبي وروحي وشوقي إليه مضى مائة وواحد وعشرون ألفا وتسعمائة وعشرون ساعة,ولولا أن اشق عليكم بالأرقام , لقلت الرقم بالدقيقة, لان الدقيقة عندي تعني ابتسامة رائعة منه, أو ضمة حنان, أو كلمة جميلة, أو إشارة توجيه, أو همسة عتاب, أو حركة تربوية أو موقف تعليمي.
إن السنة التي لا تعني للصهيوني شيئا هي حياة أسرٍ كاملة, تغلق باب بيتها على آلام وأحزان ومواجع وطول انتظار ..., إن السنة تعني حياة أرواح تبصر الحياة بعين واحدة, والعين الأخرى يتيمة.
ثم أتبع التحية تحية إلى رفاق ابي في المحنة جميعا, من الذي أمضى يوما إلى نائل البرغوثي الذي امضي أربعا وثلاثين سنة بكل دقائقها الغالية. تحية إلى كل هؤلاء الذين تذوب أعمارهم في صحراء السجون القاحلة, لا شيء إلا لأنهم حاولوا أن يؤمنوا لنا ولأجيالنا القادمة مستقبلا نقيا من الإجرام الصهيوني.
إنني اليوم في حيرة وتساؤل, تنقطع لها نياط القلب, وتهتز له الروح حزنا وأسى ...إلى متى؟؟؟ أربع وثلاثون سنة وراء الشمس
إلى متى, يظل الدمع المتدفق في عيون الأمهات إلى متى؟ تبقى الأزواج في بوتقة الحزن تصهر ويكوي قلوبهن طول الانتظار.
وإلى متى تُحرم الطفولة من كحل الصباح, لتربو في عتمة يتم حالكة.
آه ... لهذا الضمير العالمي... هل مات؟؟؟؟ هل شل عن الحراك؟؟؟ كيف له أن يحتمل النظر إلى تلك الأرواح البشرية وهي توأد حية بالألوف بين الجدران ...أي ضمير هذا الذي يسجل رقما قياسيا لأقدم أسير في العالم ثم هو لا يحرك سوى قلمه ليخط اسمه في مجموعة (غينيتس)... لقد انتكست الإنسانية وهي ترضى بهذا وتسلم له...
إن الحديث عن الأسرى هو حديث عن جرح في القلب, عن ذاكرة مثقلة بالهم, عن وجع لا يهدأ وحزن لا يستكين.
اسألوا امي كيف تمضي ساعاتها؟ كيف تربي أبناءها؟؟
كيف تواجه تكاليف الحياة القاسية وحدها؟ اسألوها ما معنى الوحدة؟ ومعنى الشوق؟ وما معنى الترقب والانتظار؟
اسألوا جدتي هل أبقى لها الحزن مدمعاً؟
اسألوني انا كيف يرون العالم بعين واحدة, وكيف تكون الطفولة بلا طفولة؟
واسألوني واسألوا جدتي اسألوا أمي عن معاناتها أثناء زيارتها لوالدي الغالي مرة كل عام _ وأعلم أن هناك زوجات تحرم لسنين طوال من رؤية أزواجهن.
واستعموا لها بأنصات وهي تصف الطريق الى الزيارة حيث الحواجز الأمنية والتي تقام على أنقاض الإنسانية وحقوقها هنالك التفتيش المهين بإبداع نازي, وبكل وسيلة تهشم الكرامة والكبرياء.
هناك رأيت كيف تمزق الفرحة في وجه أمي وبقية الأمهات حين يمزق التصريح ويطلب منهن بسخرية أن يعدن الى بيوتهن ... فلا زيارة لهن !!! لماذا؟ لأن النازي على الحاجز بمزاج سيء هذا الصباح.
وعلى باب الزيارة رأيت حقوق الإنسان معلقة بأحبال المشانق, إهانة, وإذلال, وتفتيش تهتك فيه الكرامة والأستار لتزيل هناك ما تبقى من الفرحة المهشمة على الحاجز.
والأسر كله معاناة وحرمان, والأسرى فيه يفتقدون لأبسط الحاجات اليومية, فكل شيء ممنوع التعليم والصحف ممنوعة إلا الصحيفة العبرية وكم أسير يتقن اللغة العبرية ليقرأها إن استحقت القراءة, وإدخال الكتب ممنوع وآخر ما سمعت به من والدي الغالي أن الأقلام و المساطر صارت تمنع, وفضائيات الأخبار ممنوعة حتى الجزيرة التي حصل عليها الأسرى بعد إضراب مفتوح عن الطعام... وما أكثر ما يقال لهم : ممنوع ممنوع ممنوع ......حتى رؤية الشمس أو معانقتها.
وقال لي أبي مره: إن العزل الانفرادي عبارة عن زنزانة صغيرة الحجم, ضيقة الجدران بلا نوافذ, وان هناك من أمضى فيه أكثر من خمسة عشر عاما.
إن الحياة ضيقة على اتساع خارطة الكون, فكيف إذا كانت على اتساع ثلاثة أمتار مربعة داخل زنزانة يصارع فيها ثلاثة أثقال: ثقله الوحدة وثقله الجسد المنهك وثقله الفكر والهموم.
إن الأسرى أيها السادة لا يحتاجون إلى الكلام وإنما إلى الفعل إلى الثورة والانتفاضة على هذا القهر الثقيل, إلى آليات فاعلة ومحركة على الأرض وفي المحافل الدولية لنخرجهم من ضيق الزنزانة إلى عالم الحرية الفسيح.
وأنا هنا لا أدري كيف يكون ذلك... ولست هنا إلا لأقول : "إن أحلام الناس كثيرة أما أنا فلي حلم واحد, أن أستيقظ صباحا على صوت أبي وهو يردد في أرجاء البيت صباح الخير يا سارة"