كلما ضربت كارثة طبيعية مجتمع من المجتمعات الإسلامية سارع الفقهاء الى تقديم ذات التفسير لهذه الكارثة ، فالزلازل والكوارث الطبيعية هي عقاب من الله ينزله على العصاة والمرقة الذين تمردوا على طاعة الله ، وسنة الله ماضية في ذلك منذ أقدم العصور، فهكذا عذب الله قوم نوح ولوط وغيرهم ممن كفر بالله ، وكذلك يفعل الله اليوم مع العصاة ليكون هذا درسا لمن يعصي الله ..
في اعتقادي ان تفسير الكوارث والنكبات الطبيعية على أنها عقاب من الله هو تفسير خاطئ يتعارض مع منطق العقل والنقل ايضا ..
1- ترى .. هل من العدل ان يعاقب الله الصالح مع الطالح ؟؟ اذا كان العاصي يموت في تلك الكوارث عقابا له على ما جنت يداه فما ذنب الصالح الطائع الذي قد يذهب هو ايضا ضحية هذه الكوارث ؟؟ بل ما ذنب الأطفال الذين يحصدهم هذا العقاب الطائش الظالم ؟؟ أوليس من مبادئ القرآن ذاته مبدأ فردية العقاب ( ولا تزر وازرة وزر اخرى ) ؟؟ وحتى اذا سلمنا هنا بصحة المنطق الغريب الذي يحاجج به الفقهاء لدحض هذا الاشكال العقلي بقولهم ان الله يبعث الناس يوم القيامة على نياتهم !! فيحق لنا أن نسأل هنا : ولكن ماذا عن آلاف الجرحى والمشوهين والمشردين الذين فقدوا بيوتهم وأهلهم وأموالهم ؟؟ بماذا نعلل المأساة الواقعة بهم ( وفيهم بلا شك الكثير من الصالحين ) سيما وأن لغة الأرقام تؤكد دائما أن هؤلاء هم الضحايا الحقيقيين للكوارث من حيث النسبة العددية ؟؟
2- هل تنحصر المعاصي ومظاهر الفسق والفجور في بقاع معينة من عالمنا الفسيح هذا ؟؟ وهل تتركز المعاصي في الجزائر وتركيا فقط ( وهي من المناطق الزلزالية التي تشهد الكثير من الزلازل ) ؟ ولماذا لا يعاقب الله باقي العصاة في امريكا واسرائيل بمثل هذه الكوارث ؟؟ وهل معاصينا أكبر من معاصي باقي الكفرة في العالم حتى تستوجب هذا العقاب العنيف والقاسي ؟؟ .. بل هل يمكننا حقا الجزم بأن جميع ضحايا هذه الكوارث هم من العصاة حقا ؟؟ وبماذا نعلل ظاهرة اجتماعية وهي أن جل ضحايا الكوارث هم من الفقراء المعدمين ، فهل يعني هذا أن اشد الناس فقرا وبؤسا هم أكثر الناس كفرا وفسقا وفجورا ؟؟
3- ان التفاعل النفسي مع التفسير العقابي للكوارث سيولد في النفس الإحساس بالشماتة والتشفي من ضحايا الكوارث لأنهم مجرد عصاة فجّار يستحقون ما اصابهم ، ولا تحسبنّ ان في هذا التصور مبالغة أو شطط فقد استنكر عالم معروف في سورية ( وهو الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ) وصف ضحايا الزلزال بـ ( الأبرياء ) لأن مثل هذا الوصف يوحي بأنهم ماتوا دون ذنب ، والواقع - في زعمه - يخالف ذلك ، فالزلزال عقاب والضحايا عصاة نالوا جزاء ما اقترافت يداهم !! ( قال البوطي هذا الكلام في خطبة الجمعة بمناسبة زلزال تركيا عام 1999 )
الا تدفعنا تلك النظرة الى الاحجام عن مد يد العون والمساعدة لضحايا الكوارث ؟؟ ولماذا نغيثهم وهم مجرد فساق وعصاة لا يستحقون الا العقاب ؟؟
4- ما ثمرة الإيمان بالتفسير العقابي للكوارث ؟؟ يجيبنا الفقهاء : ان في ذلك موعظة وتذكرة للناجين بضرورة التوبة واجتناب المعاصي والعودة الى الله وطلب طاعته .. ولكن .. بماذا سيفيدني اتعاظي بما جرى لغيري اذا اذا أصر الباقون على معاصيهم واسرفوا على انفسهم ولم يرتدعوا بما أصاب غيرهم ؟؟ هل ستحميني توبتي اذا قرر لله عقاب بني قومي بسبب معاصيهم ؟؟ يقول القرآن في ذلك ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذي ظلموا منكم خاصة )
5- ان السير مع منطق التفسير العقابي للكوارث سيوصلنا حتما الى نتائج غريبة يرفضها الدين ذاته ، فاذا كانت كل نكبة أو كارثة عقاب الهي للعصاة فهل النار التي التهمت خيام الحجيج في مكة قبل عدة سنوات عقاب الهي ؟؟ وهل انهيار جسر المشاة في المدينة والذي اودى بحياة عدد من الحجاج عقاب الهي ؟؟
اذا كانت مثل تلك التساؤلات غير واردة اصلا في تصور البعض فان عالما معروفا ( وهو الدكتور البوطي مرة اخرى ) أعلن قبل عدة سنوات أن المأساة الفلسطينية المتمثلة باحتلال وطنهم وتشريدهم في الأرض ما هي الا عقاب الهي استحقه الفلسطينيون جزاء بعدهم عن الله !!!
فهل هذا ما يؤمن به أنصار نظرية التفسير العقابي ؟؟؟