وكان الحب أقوى
بقلم :الداعي بالخير صالح صلاح شبانة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وكان الحب أقوى ، رواية للكاتب الأردني ربحي أبو سارة ، تقع في (160) صفحة من القطع المتوسط ، وفي ثمانية فصول ، تحكي قصة شاب ناجح ، سقط في امتحان الأعدادية ، وكان معمول به حتى عام 1970 م ، حيث أوقفت وزارة التربية والتعليم العمل به ، لظروف خاصة كان البلد يمر بها ، يطول شرحها ، ولا نريد اقحامها في سياق النص ، وصار اسمه التاسع الأساسي بدلا من الثالث الأعدادي ، والراسب يعيد السنة كأي صف آخر ، حتى يرسب الجميع في التوجيهي ، كما هو معمول به الآن ، وصارت نتائج التوجيهي من أدنى النتائج لتحملها افرازات الترفيع التلقائي ، وصار السخل بسعر التيس ، أو الحولي بسعر أمه على رأي المثل الشعبي ...!!!
المهم اعتبر خالد النتيجة الضربة الحاطمة القاصمة ، ووقوف الزمن ونهاية الكون ، فيحمل نفسه وهو ابن العائلة الميسورة ويقرر الرحيل الى جهة غير معلومة ، ويجد الأستاذ سعيد وهو رجل فاشل ، يعيش على ظهور الآخرين ، فيطلب منه أن يرافقه الى رحلة المجهول ، هربا من رسوبه في (المترك) ، وهو امتحان الأعدادية ، فيخبره انه لا يملك المال ، فيعلن له خالد أنه مسؤول عن التمويل المالي ، وعليه أن يكون رفيقا وحسب ...!!!
ويركبان من قريتهما الى عمان ، ثم من عمان الى دمشق ، حيث يتجولان قليلا ويكملان المشوار الى بيروت ..!!
وهكذا يجدا نفسيهما في مدينة لم يعهداها ، وخالد كان ولدا غراً ، لم يغادر قريته من قبل الا بصحبة احد من أهله ، وعمره لم يتجاوز السادسة عشرة بعد ، ويذهبان الى بنسيون كان أحد أخوة سعيد ينزل فيه كلما نزل الى بيروت ، ولكن مشكلة المصاريف تقف عائقا أمامهما وعدم مقدرتهما على ايجاد عمل ، يجعل سعيد لا يفكر الا بنفسه وتظهر أنانيته عندما يقنع خالد بأن يعود أحدهما ويرسل حوالة للآخر ليعود ، ويقنعه بأن يكون ذالك الأحد هو ، وسيرسل له الحوالة على بريد بيروت ، لعدم وجود عنوان ثابت له....!!!
وهكذا يعود الأستاذ سعيد الى القرية على حساب خالد ويتركه قشة في مهب الريح ، فيأخذ البحث عن عمل ، ويتعرف الى تحسين العجوز بائع أوراق اليانصيب ، فيطمع منه بالنصيحة ، فيدله الى الميناء ، لينافس العتالة العتاولة الذين يسحقون من ينافسهم في لقمة عيشهم ...!!!
كان خالد الولد الأغر ضحية لعصابة لصوص يقومون بأغراءه على لعب القمار ويستوليان على ساعته ، وتضيق الدنيا به ، فهو غريب ، وهو طري العود ، وغربته كانت حماقة ، ولكنه لا زال يعاند ليكمل المشوار ، فقد وقع المحذور ورمت به المقادير وانتهى أمره ، وعليه ان يثبت ذاته قبل أن تزل به القدم ويزول ...!!
يستطيع استدرار عطف تحسين فيعطيه ثلاثة انصاص أوراق يانصيب لعله يحصل على نصف ليرة لبنانية كمكسب من بعد مكسب تحسين ، بل ويقنعه أن يغادر الفندق الى فندق ارخص بنصف ليرة لكل ليلة بدلا من خمس ليرات في البنسيون ....!!
ولم يكن الفندق الجديد سوى سطح سقيفة قذرة ، ينام فوق صناديق أعطته المدام قطعتان من بطانية يسرح القمل ويمرح بهما ، وتفاجأ انه ليس وحده ، ولكن هناك مجموعة من الفقراء المسحوقين يشاركوه نفس المصير ، البرد والقمل وسطوة العجوز وزوجها تحسين ..!!
محمد الطاوي وجه مألوف له ، كان يقيم في قريتهم وهو مطلوب للثأر ويمتهن التسول ، يسكن ضمن سبعة آخرين ، وخالد تاسعهم ...!!!
يمثلون الفقر والبؤس والمآسي الأنسانية التي يخلقها الفقر ، وضحايا للأستغلال ..!!
وصارت أيام خالد تتلاحق ، ولكن كانت هناك فرجة أمل وضوء ، وهي بسمة حفيدة تحسين والعجوز ، تعيش البؤس مثلهم ، أحبت خالد وأحبها ، ولكنها تباع لأحد الأثرياء فيما يكون خالد مع أحد رفاق البؤس في زيارة للجنوب لحضور حفل عرس ، وتصب المأساة على رأس خالد ، ويصاب تحسين بجلطة ويقع صريع الفراش ، وتكتشف العجوز ان لديه سندات عمارات وعقارات وأموال فتستولي عليها ولا تتخلى عن عاداتها ، البخل والطمع ...!!
ولا زال خالد يبيع أوراق اليانصيب بعد ان استولى على مكان تحسين ، ويبحث عن بسمة الضائعة ، وينتظر الحوالة المزعومة من سعيد ، ولكن لا شيء يبان في الأفق ...!!!
وعندمات ييأس من لقاء بسمة يقرر العودة الى الأردن ، الى أهله بعد هذا الضياع ، ولكن فجأة تظهر بسمة ، بغناها وسيارتها الفخمة ، وقد تفجر جمالها ، وتقدم له شقة مما ورثت من جدها تحسين بعد أن مات وجدتها ايضا وصارت هي الوريثة الوحيدة ..!!
ويعقد خالد قرانه عليها ، ويعيش معها يوما ، ولكن عندما يدخل بها تموت ، فيتبرع بكل ما وهبته اياه من مال وعقارات أمضى تحسين والعجوز عمريهما البائسين في جمعه ، وماتا فقيران معدمان ، ولم يكونا أكثر من كلبي حراسة على مال آل غنيمة باردة لخالد ، ولكنه حسب سياق الرواية تبرع بكل أموالها للهيئات الخيرية ، وعاد الى أهله على حساب أهل الخير ...!!!
القصة فيها رومانسية عالية ، ومثالية لم تكن على زمن افلاطون ، وأظن ان تجربة شخصية للكاتب تربض بين السطور ، ولا أظن أن هناك بشر بمثل هذه المثالية ، وخصوصا بعد تجربة نفسية عميقة ، فقر وعذاب وحرمان ، وغربة قسا عظم خالد الطري فيها ....!!!!
القصة جميلة ومشوقة حتى اني قرأتها في جلسة واحدة في عيادة طبيب الأسنان حيث ينتظر الزبون عنده أكثر من ثلاث ساعات ...!!!!
ربحي أبو سارة كاتب متمكن ، ورغم اني أعرفه لأول مرة التقيته في مكتبة الأديب زياد عودة ، في الزرقاء ، وكانت معرفته مكسب للتعرف على أديب اردني رائع ومغمور ، سيما ونحن ( في الهوا سوا) في ظل شللية بغيضة ، تدفن المبدعين ، وتنفخ التافهين ...!!!
وكان الحب اقوى ، مع اعتراضي على العنوان ، فالحظ لعب دورا أكثر من الحب ، وكم من خالد اغترب وضاع ، وكم من بسمة بيعت وانحرفت .. فشكرا لربحي أبو سارة الذي حافظ لنا على هذين النموذجين ببراءتهما .