اليسار الفلسطيني وموقعه في المشهد السياسي

اليسار الفلسطيني وموقعه في المشهد السياسي
الكاتب: المحامي / لؤي زهيرالمدهون*

قبل الحديث عن رؤيتنا والعوامل المؤدية إلى الوضع المتردي لليسار الفلسطيني، كان لا بد وأن نعرج ولو قليلا ونتحدث عن ماهية هذا اليسار كونه يتسم بالازدواجية في مفهومه؛ حيث البرامج الحزبية لقوى اليسار الفلسطيني تتسم بالطابع التقليدي لمفهوم اليسار فهي معارضة لتمركز القوة والثروة في طبقة معينة من طبقات المجتمع بمفهوم آخر تنادي بالقضاء على اللامساواة وتعزيزها، وتبنيها نظريا قضايا الطبقة العاملة في المصانع من ضمانات اجتماعية وإنشاء نقابات عمالية، أما في الميدان فهو يسار راديكالي بعيد كل البعد عن الماركسية تقوده مجموعة من الارستقراطيون، تحرم من يعمل لديها من موظفين الضمانات الاجتماعية ومكافئة نهاية الخدمة والتأمين الصحي؛ متوجها نحو العمل المدني في مجال حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحماية البيئة وحرية الرأي والتعبير وأخيرا تعزيز الديمقراطية حتى أصبح اليسار الفلسطيني قائدا لـ "Organisation non gouvernementale"، الممول من الوكالة الأمريكية والكندية وغيرها من الوكالات؛ التي كانت قيادته أو إدارته في الماضي نوعا أو نمطا من أنماط البرجوازية العفنة كما كانوا يرددون.

رغم تألقه ونجاحه في ريادة وقيادة المنظمات الغير حكومية في فلسطين؛ إلا إننا نرى في ذلك معضلة كبرى أعجزت اليسار عن الاتصال والتواصل مع المواطنين من البسطاء والفقراء والمهمشين والكادحين؛ والعكس هو الصحيح حيث عزز اتصاله وتواصله مع كبار رجالات السلطة وكبار الموظفين وذوي النفوذ، والذي كان له مردود عكسي على وضع اليسار برهنته نتائج الانتخابات البلدية والمحلية، وكذلك الانتخابات التشريعية حيث نسبتهم كادت تكون لاشيء، وبالفعل هنالك العديد من قوى اليسار لم تحصل أو لم تصل إلى نقطة الحسم.

أمام إخفاقاته وهزائمه المتكررة لم تتنادى قوى وفعاليات اليسار الفلسطيني من اجل إقرار العمل الوحدوي والمشترك تحت راية واحدة راية التيار اليساري الفلسطيني، وفقا لأسس وتوجهات وأهداف اليسار الفلسطيني؛ رغم افتقاد الساحة السياسية الفلسطينية لتعبئة الفراغ السياسي الناشئ عن استفراد قطبين رئيسيين في تملك زمام الحركة السياسية في البلاد، وهما القطب الذي يمثل التيار الغالب في السلطة الوطنية الفلسطينية بمكوناتها المختلفة من جهة، والقطب الذي يمثل تيار الإسلام السياسي من الجهة الثانية؛ غاب عن صدارة الحركة السياسية الفلسطينية الحالية التيار اليساري الذي طالما مثل الجمهور الديمقراطي الفلسطيني العريض والواسع، والذي شكلت فصائله وتشكيلاته التنظيمية المختلفة ومؤسساته الاجتماعية والديمقراطية والنقابية، وعلى مدار الستين عاما الماضية أحد الأركان الرئيسية لحركة النضال الوطني الفلسطيني التحرري المعاصر؛ والتي لعبت دورا حاسما في قيادة وتوجيهه وشده نحو الأهداف الوطنية والتحررية، وتقريب يوم فوزه بالاستقلال الكامل والحرية، في إطار دولته الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي والوحيد.

رغم لعبها دورا هاما واستراتيجيا في الثورة الفلسطينية، إلا أن أحزاب وحزيبات اليسار الفلسطيني تتميز الآن عن غيرها من قوى اليسار في العالم بترهلها وعدم تماسكها التنظيمي وانعدام تحكم قيادتها في القواعد والفروع بفضل إهمال وإقصاء لجان الرقابة الحزبية إن وجدت والتي تلعب دورا محوريا في تحقيق ذلك بشكل سلس لا يخلو من الألاعيب والدسائس، إنها الأحزاب الأقل نشاطا على مستوى تجديد الفروع المحلية وعقد المؤتمرات الإقليمية والجهوية وكذلك المؤتمرات الوطنية، زد على هذا أنها من أقل الأحزاب الفلسطينية إن لم نقل اقلها تنوّعا من حيث المنظمات الموازية من قبيل منظمات الشبيبة والمرأة والمؤسسات الخدماتية إضافة إلى النقابات المهنية والعمالية.

كل هذه الصفات أفقدت اليسار قاعدة شعبية كبيرة لا يستهان بها في الاستحقاقات الانتخابية الشيء الذي كان دائما يساهم في تبوّئه المراتب الأولى؛ وافقده قوته التنظيمية و تعاطف شرائح واسعة من المجتمع المدني والقروي معه خاصة أولئك الذين عاصروا الثورة وتربّوا على مبادئ الحركة الوطنية مما عزز عزوف جيل الشباب الذي انتمى لهذه الأحزاب على أمل النضال من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية اللتان كانت دائما تدعو إليهما قوى اليسار في نشأتها وفي مسيرتها.هذا يجعلنا نقول أن الانتماء إلى الحزب لا يمكن أن يكون صحّيا بالنسبة للمتحزب إلا إذا كان مشروطا بنقطتين أساسيتين:

أولا: يجب على الحزب الذي يطمح المواطن إلى الانتماء إليه وممارسة السياسة من داخله أن يتّصف بالمصداقية والجرأة في سياسته إن كان داخل الحكومة أو خارجها حتى يعطي لمناضليه هامشا ومتنفسا للدفاع عن مبادئه وتوجهاته أمام الناس، فهم الناخبون وهم المحاسبون، ومن مسؤولية القيادة الحزبية التواصل مع قواعدها والنظر في انشغالاتهم التي تعبر عن انشغالات جزء من المجتمع وآرائه.

ثانيا: من واجب الحزب كذلك المحافظة على الديمقراطية الداخلية والتوجه نحو ترسيخها بما يسمح لذوي الطاقات والمؤهلات بالبروز وتحمّل المسؤوليات داخل تنظيماته المختلفة بشكل ديمقراطي لا تدخل فيه أية اعتبارات فئوية أو جغرافية أو ما شابه ذلك.
بمعنى أن شروط التعاقد بين الحزب والمتحزب يجب أن تكون مبنية على مشروعية الإشعاع السياسي للحزب وعلى سلامة التنظيم بداخله.
للأسف، وأقولها بحسرة، لقد فشل اليسار الفلسطيني في مرحلته الأخيرة في تحقيق هذين الشرطين ممّا انعكس على مردوده الإشعاعي وأدى إلى فقدان موقعه في الساحة السياسية الذي كان يرتكز على المزج بين ارتباطه بهويته الفلسطينية وبين العمل على الرقي بالمجتمع نحو الحداثة والديمقراطية، كما أخفق اليسار في تحصين بيته الداخلي ليتم اختراقه من طرف مجموعة من مصاصي دماء الشعب المختصون في الترحال السياسي بين الأحزاب لحماية مصالحهم الفردية ليتبعهم في ذلك الانتهازيون والمتملقون من داخل الحزب وخارجه.

بتقديري قد ساهم في الوصول إلى هذا الوضع المتردّي عوامل عدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- غياب المثقفين وتغييبهم عن الشأن الحزبي ليتم تعويضهم بالفقاعات الحزبية وذوي النزعات الشعبوية حتى صاروا يتكلمون باسمه ويستحوذون على خطابه من دون حق، وليس بالخطأ أن أستحضر هنا إحدى أقوال الإمام الغزالي الذي قال: " يجب لجم العوام عن علم الكلام "، وهي ظاهرة يمكن تعميمها على كل الأحزاب الفلسطينية وإن كانت نسبية.

2- استحواذ فئة معيّنة على المناصب والمهام الداخلية والخارجية وفقا لسياسة الارضاءات؛ بشكل فاضح يتداخل فيه عامل القرابة العائلية وارتباط أبناء هذه الفئة بنخبة مختارة، هذا المعطى يصيب أبناء الشعب وقواعد الحزب بالإحباط وفقدان الأمل فيما يمكن أن يقدمه لهم هذا الأخير على المستوى الشخصي والجماعي.

3- تقاعس اليسار عن سعيه وراء الإصلاحات السياسية العامة وعن أخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بتفاوضه مع الحزب الحاكم من أجل تطوير أدوار المؤسسات التشريعية والتنفيذية بما يتناسب مع التوجه الجديد للسلطة "منظمة التحرير الفلسطينية"، وأشير هنا إلى أن الإصلاح الدستوري المتمثل بـ" الميثاق الوطني، والقانون الأساسي، ومسودة الدستور الفلسطيني" المتوخى الوصول إليه ليس هدفا في حد ذاته مثلما يتخذه البعض عنوانا للضغط على أصحاب القرار، وإنما هو وسيلة لتنمية المجال السياسي في العمق .

4- فقدان ثقة المواطن في الأحزاب اليسارية نتيجة ممارسات خاطئة أو قاصرة قام بها جل من تحمّل المسؤوليات باسمها فأسفر ذلك عن ظهور نخبة جديدة من الشخصيات المستقلة الذين يعبّرون عن آرائهم في مختلف وسائل الإعلام فيلقون بأسواطهم على الأحزاب حاكمين عليها بالإعدام.؟ لكنني أسألهم: أين هو البديل في نظركم؟ كيف يمكن لنا أن نتقدم في بناء دولة حديثة مبنية على مؤسسات حقيقية بدون أحزاب سياسية؟ هل الإصلاح الفوقي كاف للرقي بهذا المجتمع أم أن انخراطنا في الإصلاح ضروري ومؤكد؟
أعتقد أن المطلوب من هذه الشخصيات في هذا البلد التمعّن قبل أخذ الأحكام المسبقة وعدم تحميل الأحزاب السياسية مسؤولية أخطاء الأفراد الذين تعاقبوا على تسييرها، إلا أننا لا يمكن أن ننفي كذلك الدور الأساسي الذي لعبته الأحزاب السياسية الحقيقية وعلى رأسها أحزاب اليسار في النضال من أجل ترسيخ الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات، وقد فرضت نضالاتها على سلطة الاحتلال وأجبرته على الرحيل، ونذكر على سبيل المثال مبادرة النقاط العشر التي تقدمت بها الجبهة الديمقراطية عام 1974، والتي نصت على إقامة دولة فلسطينية على اى شبر يندحر عنه الاحتلال، لتخلق نوعا من التحول الكبير في فكر وعمل المقاومة الفلسطينية، ومجرى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بشكل عام، هذه المبادرة التي استطاعت بموجبها منظمة التحرير حصد المزيد من الاعتراف العربي والدولي بها، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، بعد أن تم إقرارها في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الرابعة عشره، وأصبحت برنامجا سياسيا لكل الفلسطينيين، ومعارضة اليسار في العقود الماضية فكرة الدولة الفلسطينية المقترح إنشاؤها على جزء من أرض فلسطين؛ ورأى أنه لا يشكل حلاً جدياً، ولا يفي بحقوق الشعب الفلسطيني؛ مؤكدا أن الحقوق القومية لشعب فلسطين لن تُستَوْفي كاملة، إلا عند سحق الكيان الإسرائيلي، وتحرير كامل التراب الوطني.

محطات كثير مهمة في تاريخ قوى اليسار، ومن حقها التباهي والتفاخر بتاريخها النضالي، ولكن لا يجوز لها التغني بهذه البطولات والشعارات التي أفضحتها وعرتها أمام الشعب كونها فشلت في تشكيل تيار يساري قوي يعبر عن هويتها الفكرية ومواقفها السياسية لتكون قوى مؤثرة على الساحة السياسية؛ فالرهان الديمقراطي لم يعد يحتلّ مكانته في ذهن من يمثل هذه القوى!!، فالوقت لم يعد وقت زعامات وإنما هو زمن المؤسسات المبنية على أسس متينة.

بتقديري مطلوب من قوى اليسار الفلسطيني خلق مناخ سياسي في المستوى المطلوب لتخليق الحياة العامة وتنقية المشهد الحزبي من الفتونة والفوضى السياسية حتى تتمكن هذه القوى من أخذ مكانتها الطبيعية ومن الوصول إلى مستوى معقول من النضج والوعي باعتبارها شريكا لا محيد عنه في مسلسل الإصلاحات بعيدا عن منطق المواجهة والصراع الذي لا يفضي إلى أية نتيجة، وإلا فإذا استمرّ اللبس وفي ظل غياب ميثاق وطني وفي غياب الاتصال والتواصل بين قوى اليسار فيما بينها سيستمرّ الفساد وحالة الترهل إلى أن تندثر ليذكر التاريخ أن يوما ما في فلسطين كان هنالك قوى لليسار.

كاتب فلسطيني

مما لا شك فيه بأن اليسار الفلسطيني في أزمة على صعيد الفكر والممارسة وتأتي هذه الأزمة في ظروف حساسة ومصيرية للشعب الفلسطيني وقضيته وفي ظل هذه الظروف ضاع اليسار واضاع معه شريحة كبيرة من المؤيدين له
نعم يا رفاق اليسار بشكل عام انتم في أزمة فكرية وتنظيمية وعلى هذا اليسار بأن يقوم بإعادة النظر والبحث عن أسباب هذا الإخفاق وإعادة تصويب البوصلة نحوا الأهداف التي من أجلها وجد وأن يخطو خطوات جريئة لإعادة تجديد نفسه وصياغة برنامجه
دمت اخي ابو مصطفى في حفظ الرحمن

الاخ صقر الحاج مرورك داعم ومشجع
كما كان وسيكون دائما
الاخت دولة جنين لا تلومي نفسك لعدم الفهم
فالايام والاطلاع كفيلان .....

يسلمو يسلمو عمي بجد انا سألت عن الموضوع وقرأت وفهمت
شكرااااا كتيرر
تقبل مروري واحتراامي