لا أدري اذا كان البعض يذكر تلك القصة الطريفة التي تضمنها كتاب قراءة المرحلة الابتدائية واعتقد ان لم تخني الذاكرة كانت قراءة المرحوم خليل السكاكيني .
للتذكير ألخص : يحكى أن اعرابيا عابر سبيل حل بمدينة وكان جائعا ولم يملك سوى درهما ليشتري به طعاما يشبع جوعه وبينما هو يتسكع في شوارع المدينة اشتم رائحة الثريد تأتي من مطعم قريب فتوجه اليه وسأل النادل عن الثمن فقال له طبق الثريد بدرهمين فعلم الاعرابي أن درهمه لا يكفي لسد جوعه وما كان منه الا أن جلس داخل المطعم برهة ثم هم بالانصراف فجاءه النادل ليطلب منه أن يدفع درهما ولما قال له الاعرابي لم أكل شيئا رد عليه النادل عليك أن تدفع ثمن الرائحة ، مسح الاعرابي بلحيته مدعيا أنه شبع ثم دفع الدرهم وانصرف .
راينا شعوبا عربية ثارت على الطغاة بعضها أسقطهم والأخر يكاد ثم رأينا شعوبا عربية أرادت أن تثور تململت ثم استكانت . النوع الأول دخل مطعم الثورة لايملك غير ارادته ،جلس ، نادى على النادل ، أمره باحضار الطعام فانصاع النادل للأمر وامتثل ، أنهى طعامه وقد شبع ولما جاء النادل بالفاتورة ردعه وقال له كنا نبتاع ثريدكم على مر أعوام مضت وعلى علاته وندفع فاتورة تستحق على وجبة لا تستحق وقد أن لنا أن نأكل طعاما يستحق تعويضا عن فاتورة لم تكن لتستحق .
النوع الثاني دخل المطعم وقد صغر خده للنادل بخس من ارادته حتى أنفقها ثمنا للرائحة ثم ادعى أنه شبع وانصرف .
النوع الأول تجده يبني انجازا فوق الأخر على ثورته أما النوع الثاني فقد وقع في تناقضات لا متناهية في اللغط والاسفاف وعمى البصر والبصيرة معا فانقسم على نفسه وعلى غيره وبات يبحث عن طعام يشبع غريزة شرهه في مكب نفايات مطاعم الثورة ولا يعلم هؤلاء الأغبياء أن الثورات لا يأتي بها التسول ولايعلم هؤلاء العربان الذين كرسوا أنفسهم للسجود لللات والعزى وهبل انصياعا لأمر أبي جهل وأبي لهب أنهم ليسوا الا مجرد عابروا سبيل في شوارع مدن تدب فيها الحياة من جديد وتتحرك واذا ما اشتكوا من بطش الدرك ليعلموا أنهم جميعا في الدرك الأسفل .
الى هؤلاء نقول هنيئا لكم الرائحة ولكن حذار فليس كل لحم يذبح ويطبخ وما تحسبوه سهلا مستساغا هو في جوفكم أشد من العلقم وكما قال المثل الفلسطيني
عذاب ان تحب
وعذاب ان لا تحب
والعذاب الاكبر ان تحب بلا امل