تسعى هذه الورقة إلى الإجابة عن بعض الأسئلة الشائعة التي أُثيرت في الآونة الأخيرة حول المبادرة التي أطلقتها القيادة الفلسطينية للتوجّه إلى الأمم المتحدة بُغية الاعتراف بالإعلان عن إقامة دولة فلسطين على حدود العام 1967
وتتناول هذه الأسئلة أربعة محاور رئيسية هي: (1) المبادرة التي أطلقها الفلسطينيون للتوجّه إلى الأمم المتحدة للقبول بفلسطين كدولةٍ عضوٍ فيها، (2) ووضْع الدولة الفلسطينية في القانون الدولي، (3) والإجراءات المتَّبعة في قبول الدول في عضوية هيئة الأمم المتحدة، (4) والآثار المحتملة التي قد تترتّب على توجّه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة. وتسترشد مؤسسة "الحق"، في إطار إجابتها عن هذه الأسئلة، بالقانون الدولي وبالممارسات القانونية المعاصرة، بما يشمله ذلك من قواعد القانون الدولي الإنساني ذات الصلة.
•تجدر الاشارة بأن النص الأصلي تمت كتابته باللغة الانجليزية وأن هذا النص هو ترجمة عن اللغة الأصلية للوثيقة.
أولاً: المبادرة التي أطلقتها القيادة الفلسطينية للتوجّه إلى الأمم المتحدة للقبول بفلسطين كدولةٍ عضوٍ فيها
1- ما هي الخطط التي أعدّتها القيادة الفلسطينية للتّعامل مع استحقاق أيلول/سبتمبر؟
لقد عبّر بعض المسؤولين الفلسطينيين، في بادئ الأمر، عن نيّتهم إصدار إعلانٍ (أحاديّ الجانب) يقضي باستقلال دولة فلسطين وإقامتها على حدود العام 1967 خلال شهر أيلول/سبتمبر 2011. وكان من شأن هذا الإعلان، فيما لو تمّ، تعديل وثيقة إعلان الاستقلال التي أصدرتها منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1988، والتي تشكّل أحدث قاعدةٍ يستند إليها الفلسطينيون في مسعاهم نحو الإعلان عن إقامة دولتهم. وترتكز وثيقة إعلان الاستقلال على القرار رقم (181) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947، والمعروف كذلك بخطة تقسيم فلسطين. ويُعتبر هذا القرار أهمّ وثيقةٍ رسميةٍ تشير إلى الصفة الشرعية التي يضفيها المجتمع الدولي على فلسطين.
وقد طرأ تغيّرٌ على الخطة التي أعدّها الفلسطينيون لإصدار إعلان إقامة دولتهم المستقلة وذلك بتحويلها إلى سلسلةٍ من المبادرات التي تقوم على تقديم طلباتٍ للانتساب لعضوية المنظمات الدولية، كهيئة الأمم المتحدة، والمصادقة على مختلف الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بما فيها اتفاقيات جنيف وجملة مواثيق حقوق الإنسان. وبالتوازي مع ذلك، تتطلّع فلسطين في هذه الآونة إلى الحصول على اعتراف المزيد من الدول بإقامة دولتها المستقلة.
2- ما النتائج التي يمكِنُنا توقُّعها من توجُّه الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر؟
يشكّل توجّه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر القادم وسيلةً لا تخفى أهميتها في تعزيز الإمكانيات المُتاحة أمام فلسطين للانضمام إلى المعاهدات الدولية، ولا سيما مواثيق حقوق الإنسان، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما ستتمكّن فلسطين، إذا ما انضمّت إلى عضوية الأمم المتحدة، من الانتساب لعضوية بعض المؤسسات الدولية داخل منظومة الأمم المتحدة وخارجها.
ومن الناحية العملية، فإن أقصى ما تستطيع فلسطين إنجازه من خلال الإجراءات التي تقرّرها هيئة الأمم المتحدة لقبول الدول الأعضاء فيها، في ضوء تصويت الولايات المتحدة الأمريكية المحتمل بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، يتمثّل في استصدار قرارٍ من الجمعية العامة بالتوصية بالاعتراف بإقامة دولة فلسطين واستقلالها، و/أو منح فلسطين وضع ‘الدولة المراقبة’ في الأمم المتحدة، وذلك على نحو ما سيَرِد بيانُه أدناه.
ثانيًا: وضع الدولة الفلسطينية في القانون الدولي
1- هل تُعتبر فلسطين دولةً بموجب أحكام القانون الدولي وقواعده؟ وما هو موقف المجتمع الدولي بشأن الإعلان عن إقامة دولة فلسطين؟
لقد دأبت غالبية الدول والمنظمات الدولية على التعامل مع فلسطين بصفتها دولةً على مدى سنواتٍ طويلة. كما مُنِحت فلسطين، بصفتها عضوًا مراقبًا في هيئة الأمم المتحدة، حقوقًا تملكها الدول في مجلس الأمن والجمعية العامة وفي غيرهما من أجهزة الأمم المتحدة. فعلى سبيل المثال، اعترفت الأمانة العامة للأمم المتحدة، وبصورةٍ غير مباشرةٍ، بدولة فلسطين من خلال قبول الاتفاقيات التي أبرمتها بشأن الالتزام بمعايير النقل البري والبحري والنقل عبر السكك الحديدية تحت رعاية لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربيّ آسيا، والتي تعتبر فلسطين عضوًا فيها. وفضلاً عن ذلك، فلم تزل فلسطين توسّع من نطاق علاقاتها الدولية، بشقّيها الاقتصادي والدبلوماسي، مع دولٍ بعينها ومع مجموعاتٍ من الدول على مدى سنواتٍ عديدة.
ومع ذلك، لا يُعتبر وجود الدولة أمرًا قانونيًا، وإنما يُعَدّ أمرًا واقعيًا وسياسيًا خالصًا. وتنبع الصعوبات التي تكتنف المسائل المرتبطة بالإعلان عن دولة فلسطين من أن إقامة الدولة تشكل حالةً يصعُب تحديدها في ظلّ القانون الدولي. فلا يمكن التأكيد على هذه الحالة عن طريق توظيف اختبارٍ موضوعيٍّ يشتمل على مجموعةٍ من المعايير القانونية الواضحة. ولا تنطوي اتفاقية دول أمريكا اللاتينية (اتفاقية مونتفيديو) ولا غيرها من النظريات المتباينة حول الاعتراف بإقامة الدولة على فائدةٍ في تحديد وضع الدولة. وزيادةً على ذلك، فليس هناك من علاقةٍ قائمةٍ بين محددات الدولة، بما يشمل حدودها، وبين مسألة ما إذا كانت هذه الدولة دولةً أم لم تكن كذلك. كما أن القرار الذي يعرقل إقامة الدولة لا يشكّل عائقًا يحول دون إقامتها على أرض الواقع.
ونستطيع فهم إقامة الدولة، في أساسها، من ناحية الممارسات التي تنتهجها الدول حيال الكيان المعنيّ، بما يشمله ذلك من قبوله في عضوية المنظمات الدولية أو انضمامه بصفته طرفًا في المعاهدات والاتفاقيات الدولية. ففي هذا المقام، تضّطلع كلّ دولةٍ باتّخاذ قرارها بنفسها بشأن الاعتراف بالكيان المذكور باعتباره دولة، سواء كان ذلك بصورةٍ صريحةٍ أو ضمنيةٍ من خلال الدخول في علاقاتٍ معه. ومع ذلك، فلا يُفرِز هذا التصرف أثرًا على تحديد وضع هذا الكيان في القانون الدولي.
لقد نصّ القرار (181) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947 على إنشاء دولتين، إحداهما عربيةٌ والأخرى يهودية، عقب انقضاء الانتداب البريطاني على فلسطين. وينبغي النظر إلى هذا القرار، الذي يشكل جزءًا من جملة الوقائع السابقة والمعاصرة ذات الصلة، على أنه دليلٌ يعزّز نظرة المجتمع الدولي وممارسته وتصرفه فيما يتصل بإقامة دولة فلسطين. ومن الأهمية بمكان فهم الالتزامات الواقعة على المجتمع الدولي تجاه الشعب الفلسطيني من ناحية تمكينه من الإعلان عن استقلاله وسيادته على إقليمه.
وقد دارت نقاشاتٌ مستفيضةٌ في الآونة الأخيرة حول إقامة دولة فلسطين في سياق الإعلان الذي قدّمته السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب أحكام المادة (12/3) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، باعتبارها دولةً ليست طرفًا في هذا النظام، حيث طلبت فلسطين نقل الولاية على الجرائم الدولية التي ارتُكبَت في إقليمها إلى المحكمة. وقد أثار إصدار هذا الإعلان نقاشًا بين المفكرين وفي الأوساط والهيئات القانونية في عددٍ من الدول حول فلسطين اذا كانت تشكل دولة ام لا، حيث تركّز النقاش حول ما إذا كانت فلسطين تعتبر دولةً بموجب أحكام القانون الدولي، لغايات النظام الأساسي المذكور أو غيره. وفي هذا السياق، ينبغي على المحكمة الجنائية الدولية، التي تتبنّى منهجيةً وظيفيةً تتواءم مع أهداف عملها، أن تقبل الإعلان الفلسطيني على أساس أن فلسطين تُعتبر دولةً من الناحية الفعلية لغايات نظام روما الأساسي.
2- هل يؤثّر وضع فلسطين باعتبارها تحت الاحتلال على وضعها بصفتها دولة؟
لا تتأثّر الدولة بقيام الاحتلال الحربيّ على إقليمها، ولا ينفي الاحتلال وجود الدول ولا يحلّ محلّها من الناحية القانونية. ولا يُشتَرَط لإقامة الدولة وجود الاحتلال، الذي لا يزيد تأثيره عن الحدّ من قدرة الدولة على ممارسة سيادتها على إقليمها وإعلان استقلالها عليه. بل تبقى السيادة على الإقليم المحتل، إبّان فترة الاحتلال وفي جميع الأوقات، من حقّ سكان ذلك الإقليم. وقد جرى التأكيد على سيادة الشعب الفلسطيني واستقلاله على إقليمه، بالإضافة إلى حقّه الجوهريّ وغير القابل للتصرف في تقرير مصيره، في العديد من قرارات الأمم المتحدة وفي البيانات الرسمية التي جاءت على لسان عددٍ من الدول.
3- ما هي الآثار التي يمكن أن يُفرزها الاعتراف بإقامة الدولة على وضع الكيان المعنيّ في ظل القانون الدولي؟
يتمثل الموقف السائد في القانون الدولي في أنّ عدد الاعترافات التي يحصل عليها الكيان الذي يسعى إلى إقامة دولته والإعلان عن استقلاله بأنه ليس لهذا الاعتراف أثرًا قانونيًا على تحديد حالته باعتباره دولة. فالاعتراف بهذا الكيان يعبّر عن تصريحٍ لا ينطوي إلا على إقرارٍ بالواقع القانوني الذي يقضي بأن ذلك الكيان يشكّل دولة. وفي المقابل، يشكّل رفض الاعتراف بإقامة دولة فلسطين عملاً سياسيًا لا ينطوي على أيّ أثر قانوني على وضعها كدولة. وعلى نحوٍ مماثل، لا يمثّل الإعلان عن استقلال الدولة سوى دعوةٍ للدول يُقصَد بها دفْع هذه الدول وحثّها على الاعتراف بتلك الدولة.
وقد اعترفت معظم الدول، بما فيها إسرائيل، بفلسطين وبسيادة الشعب الفلسطيني على أرضه، سواء كان ذلك على نحوٍ صريحٍ أو ضمنيّ، من خلال إقامة العلاقات معها. كما بات ما يقرب من 117 دولةً، حتى هذه اللحظة، تعترف بدولة فلسطين بصورةٍ صريحة. ويتوقع الممثلين الفلسطينيين الحصول على اعتراف ما يربو على 130 دولةٍ بإقامة الدولة الفلسطينية بحلول شهر أيلول/سبتمبر 2011. وعلى الرغم من أن هذا الاعتراف لا يشكّل الدولة المنشودة بحدّ ذاته، فهو يعزّز مسعى الفلسطينيين نحو إقامة دولتهم، بحيث يؤمِّن لها المزيد من الوسائل التي تكفل لها اكتساب قدرٍ أكبر من الحقوق والالتزامات في النظام القانوني الدولي.
4- هل ترتبط مسألة إقامة دولة فلسطين بأية صلة بتوجُّه الفلسطينيين إلى هيئة الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر؟
على الرغم من أن توجّه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة – على أهميته – يستتبع أسئلةً محددةً حول وضع فلسطين باعتبارها دولة، فإن "خيارات أيلول/سبتمبر" لا تفضي إلى، أو لا يبدو أنها تفرز في غايتها أو أثرها، أي إجاباتٍ حاسمةٍ عن هذه المسألة. وبعبارةٍ أخرى، لا توضّح الخيارات المطروحة مسألة ما إذا كانت فلسطين تشكل دولةً أم لا في ظلّ القانون الدولي، ولا توفّر إجابة عنها كذلك.
وبذلك، لا يمكن أن يفضي انتساب فلسطين لعضوية الأمم المتحدة ولا حصولها على اعتراف عددٍ أكبر من الدول بها بصفتها دولةّ إلى تحديد ما إذا كانت تشكّل دولةً أم لا من الناحية القانونية – فكلّ دولةٍ وكلّ منظمةٍ دوليةٍ تملك الكلمة الفصل في اختيار التعامل مع فلسطين باعتبارها دولة من عدمه. ويعتمد هذا الأمر بكلّيته على الإرادة السياسية لدى تلك الدول وعلى الصفة الشرعية التي تختار كل دولةٍ إضفاءها على فلسطين، وهو لا يعتمد على التحديد الموضوعي القائم على أساس المعايير القانونية الدولية.
إن القضية المطروحة في سياق "توجُّه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر" لا ترتبط بطلب الإعلان عن إقامة الدولة بحدّ ذاته، وإنما بالإستراتيجية التي يتبنّونها في سبيل تعزيز موقف فلسطين وتوطيده في النظام القانونيّ الدوليّ، بما يفضي إلى الاعتراف بحقوقها والتزاماتها بصورة لا مواربة فيها في القانون الدولي العام وترسيخ قدرتها على إنفاذ هذه الحقوق من خلال رفع مطالباتها وادّعاءاتها أمام الهيئات الدولية المعنية.
ثالثًا: الإجراءات المتبعة في قبول الدول كأعضاء في هيئة الأمم المتحدة
1- ما هي الإجراءات المرعيّة في قبول الدول في عضوية الأمم المتحدة؟
يتمّ الشروع في إجراءات قبول دولةٍ في عضوية الأمم المتحدة بعدما تقدّم الدولة المعنية طلبًا إلى الأمين العام، تعلن فيه التزامها بما جاء في ميثاق الأمم المتحدة. وبعد ذلك، يرفع مجلس الأمن، الذي يضمّ 15 دولةً عضوًا، توصيته التي يجب تأييدها بتسعة أصوات، مع اشتراط عدم التصويت ضدها بحق النقض (الفيتو) من جانب إحدى الدول دائمة العضوية فيه. ولا تستطيع الجمعية العامة التصويت على عضوية هذه الدولة إلا بعد تصويت مجلس الأمن على النحو المذكور. كما يستوجب تصويت الجمعية العامة مصادقة ثلثيّ أعضاء الجمعية عليه.
ويتألّف مجلس الأمن في تشكيلته من خمسة دولٍ دائمة العضوية وتملك صلاحية التصويت بحق النقض، وهي الصين، وفرنسا، والاتحاد الروسي، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. كما يضمّ المجلس في عضويته عشر دولٍ غير أعضاء (تنقضي عضويتها بانقضاء السنة). وتشمل هذه الدول، في هذه الآونة، البوسنة والهرسك (2011)، ألمانيا (2012)، والبرتغال (2012)، والبرازيل (2011)، والهند (2012)، وجنوب أفريقيا (2012)، وكولومبيا (2012)، ولبنان (2011)، والغابون (2011) ونيجريا (2011).
وقد عبّر الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن نيّة الولايات المتحدة التصويت بالفيتو على توصية مجلس الأمن بشأن قبول فلسطين في عضوية الأمم المتحدة. ومع احتمال التصويت بحق النقض في مجلس الأمن، فمن غير المؤكَّد ما إذا كان هناك من مسارٍ بديلٍ تستطيع فلسطين سلوكه من أجل الانضمام لعضوية الأمم المتحدة عن طريق الالتفاف على مجلس الأمن (انظر التفاصيل أدناه).
2- هل تنتهي إجراءات قبول الدولة في عضوية الأمم المتحدة إذا ما وصلت توصية مجلس الأمن إلى طريقٍ مسدودٍ بسبب التصويت بحق النقض (الفيتو)؟
تستدعي إجراءات قبول الدولة في عضوية هيئة الأمم المتحدة، بموجب أحكام الفقرة الثانية من المادة (4) من ميثاق الأمم المتحدة، تصويت تسع دول أعضاء في مجلس الأمن على تأييد قبول تلك الدولة قبل أن تتمكّن الجمعية العامة من إجراء تصويتٍ على قبولها في عضوية الهيئة. ولذلك، يُتوقَّع أن يؤدّي الطريق المسدود الذي يصل إليه مجلس الأمن في هذا الشأن إلى عوْق الإجراءات ‘الكلاسيكية’ التي تُعمِلها الأمم المتحدة لقبول الدول في عضويتها. ومع ذلك، تستطيع الجمعية العامة بذل بعض المحاولات التي تمكِّنها من التصرف على الرغم من التوصية السلبية التي يخرج بها مجلس الأمن، بما يشمله ذلك من المراسلات التي تجري بين هذين الجهازين والتي يمكن الشروع فيها بسبب التوصية السلبية التي صدرت عن المجلس.
ويقترح البعض، في إطار الردّ على هذه التوصية السلبية، إمكانية توظيف الصلاحيات التي يقرّرها قرار "متّحدون من أجل السلام" الصادر عن الجمعية العامة (والذي يحمل رقم 377) بغية الالتفاف على الطريق المسدود الذي يصل إليه مجلس الأمن ورفع مسألة قبول فلسطين في عضوية الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة. وبما أنه من غير المرجَّح أن يُنظَر إلى الامتناع عن قبول فلسطين في عضوية الأمم المتحدة على أنه يشكّل ‘تهديدًا للسِّلم والأمن الدوليين’، فمن غير المحتمل إنفاذ الصلاحيات التي يشملها القرار المذكور. فقد نظرت محكمة العدل الدولية، في فتواها التي أصدرتها في العام 1950 في قضية قبول دولةٍ في الأمم المتحدة في أهلية الجمعية العامة في سياق الإجراءات التي تُعملها الأمم المتحدة في قبول الدول في عضويتها، وتوصلت إلى نتيجةٍ مفادها أن توصية مجلس الأمن تشكّل شرطًا مسبقًا لتصويت الجمعية العامة على مسألة العضوية، وهي شرطٌ مسبقٌ لقبول دولة في عضوية المنظمة كذلك.
ومن الخيارات الأخرى المُتاحة أمام المسؤولين الفلسطينيين لتجاوز التصويت بحق النقض في مجلس الأمن ما اقترحه بعض المفكرين من إمكانية افتراض أن قبول دولةٍ في عضوية الأمم المتحدة يشكّل أمرًا إجرائيًا، وليس موضوعيًا. وبذلك، فلا يجوز تمكين الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس من استخدام صلاحياتها بالتصويت بالفيتو، بصورةٍ تحول دون تأمين تصويت تسع من الدول الأعضاء في المجلس على تأييد قبول عضوية تلك الدولة.
ومن الملاحظ أن هذا الأمر لم يكن من بين المسائل المباشرة التي تطرّقت إليها فتوى محكمة العدل الدولية الصادرة في العام 1950. ولذلك، يمكن للجمعية العامة رفع هذه المسألة أمام المحكمة من أجل البتّ فيها. ففي هذا السياق، يضيف رأي الأقلية من قضاة المحكمة في الفتوى المذكورة أنه كان يتوجّب على المحكمة أن تفرّق بين سيناريوهين: يرتبط أولهما بالطلب الذي لا يحظى بتأييد أكثرية الأصوات في مجلس الأمن، وثانيهما بالطلب الذي يحصل على أغلبية الأصوات التي تؤيده ولكن تعارضه دولةٌ من الدول دائمة العضوية في المجلس. ففي هذه الحالة الأخيرة، من غير الجائز، وفقًا لما جاء في رأي الأقلية في فتوى المحكمة، لدولةٍ دائمة العضوية في مجلس الأمن أن تعطّل قبول طلب دولةٍ للانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة، والذي يحوز على تأييد أغلبية الدول الأعضاء في المجلس، بحيث ينتقل بعد ذلك للحصول على أغلبية ثلثيّ أصوات الدول الأعضاء في الجمعية العامة. وما تزال الأسس التي يستند إليها هذا الخيار محلاً للأخذ والرد، وما تزال آفاقه وإمكانيات إنفاذه غير مؤكّدة كذلك.
3- ما مغزى الخيار المتعلق بوضع ‘الدولة المراقبة’؟ وما الأهمية التي ينطوي عليها، سواء كانت قانونيةً أو سياسية؟
في ضوء الضغوط السياسية التي تُمارَس في الأمم المتحدة، فإن أقصى ما يمكن توقُّعه، من الناحية الواقعية، من الطلب الذي ستقدّمه فلسطين للانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة يكمن في قرارٍ تصدره الجمعية العامة بأغلبية أصوات الدول الأعضاء فيها، بحيث توصي فيه بالاعتراف بالإعلان عن إقامة دولة فلسطين ومنحها صفة ‘الدولة المراقبة’.
وتستند هذه الصفة في أساسها إلى الممارسات القائمة، وليست هناك من أحكامٍ تنظّمها في ميثاق الأمم المتحدة. ويتمثل الشرط الوحيد المطلوب استيفاؤه في هذه الحالة في أن تكون الدولة غير العضو في الأمم المتحدة عضوًا في واحدةٍ أو أكثر من الأجهزة المتخصصة التابعة لها، وذلك وفق ما تشير إليه السوابق المتعلقة بكل من سويسرا والنمسا وفنلندا وإيطاليا واليابان. وفي هذه الحالة، يبدو أن التصويت بأغلبيةٍ بسيطةٍ في الجمعية العامة كافيًا لمنح الدولة صفة العضو المراقب.
ومع ذلك، يشكّل رفع مستوى فلسطين من صفة مراقب غير دولة إلى صفة ‘دولة مراقبة’ في هيئة الأمم المتحدة تقدمًا لا تخفى أهميته، لأنه سيكفل لفلسطين قدرًا أكبر من الدعم السياسي، ويؤكّد على حقوقها بصفتها دولة تنتظم في عضوية هذه المنظومة الدولية. وفضلاً عن ذلك، فمن شأن صفة ‘الدولة المراقبة’، وعلى الرغم من الآثار المحدودة التي تستتبعها بالمقارنة مع قبول فلسطين كدولةٍ تتمتع بعضويةٍ كاملةٍ في هيئة الأمم المتحدة، تعزيز موقف الفلسطينيين في مواجهة الدول الأخرى، بما فيها إسرائيل، مما يفضي إلى ترسيخ قوتهم والأخذ بيدهم في المطالبة بحقوقهم وانتزاعها من الآخرين.
4- ما هي القيمة التي قد ينطوي عليها انضمام فلسطين إلى عضوية الأمم المتحدة (أو اكتسابها صفة ‘الدولة المراقبة’ فيها)؟
على الرغم من القيمة السياسيّة الرمزيّة الهامّة التي ينطوي عليها انتساب فلسطين لعضوية الأمم المتحدة والتوصية بالاعتراف بالإعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية في الجمعية العامة، فإن هذين الأمرين لا يفرزان أي آثارٍ قانونيةٍ بحد ذاتهما. فالاعتراف بإقامة الدولة وعضويتها في منظومة الأمم المتحدة مسألتان متباينتان، ولا تتضمن إحداهما الأخرى – ولا تشكّل عضوية الدولة في الأمم المتحدة شرطًا لازمًا لإقامة الدولة ولا تملك الجمعية العامة الصلاحيات التي تخوّلها الإعلان عن إقامة دولةٍ ما.
لا يطالب الفلسطينيون، في سياق مسعاهم إلى الانضمام لعضوية الأمم المتحدة، بحقّهم في إقامة دولتهم المستقلة (التي هي قائمه)، بل إنهم يطالبون بالحقوق الناشئة عن وضعهم كدولةٍ قائمة. ولا يطالب الفلسطينيون بحقّهم في السيادة على إقليمهم أو استقلالهم، وإنما يطالبون بالوسائل التي تمكّنهم من ممارسة السيادة والاستقلال على أرض الواقع.
رابعًا: الآثار المحتملة المترتبة على توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة
1- ما هي الآثار القانونية التي قد تترتّب على توجّه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة؟
قد تنشأ بعض الآثار القانونية غير المباشرة عن قبول فلسطين في بعض المنظمات والمعاهدات الدولية، مع ما يواكب هذا الأمر من تعزيز شرعيتها وتوطيد شخصيتها القانونية بصفةٍ عامة. ويمكن تحقيق عدد من المكاسب من الإستراتيجية المرتقبة، حيث سيستفيد الفلسطينيون من الآليات التي تكفل إخضاع إسرائيل للمساءلة والمحاسبة عن مخالفات القانون الدولي التي ارتكبتها. فلم تزل إسرائيل تستفيد، حتى هذه اللحظة، من وضعٍ ضَمِن لها الإفلات من العقوبة ووفر لها "الحماية" وكانت العدالة فيه رهينةً لسياسة ‘طاولة المفاوضات’ و‘عملية السلام’ التي أسيأت تسميتها.
ويمكن تصنيف المزايا التي تنشأ عن الارتقاء بالشخصية القانونية التي تكتسبها فلسطين على الساحة الدولية إلى فئتين: أولاهما زيادة الاحتمالات القائمة للبتّ في الادعاءات المرتبطة بالانتهاكات الواقعة على القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وثانيهما احتمالية اكتساب قدرٍ أكبر من التأثير على مدى استعداد المجتمع الدولي لوضع حدٍّ للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل.
ففي المقام الأول، يكفل انضمام فلسطين إلى المنظمات والمعاهدات الدولية وصولها إلى محافل دولية ومؤسسات قضائية جديدة، بما فيها هيئات الأمم المتحدة المنشَأَة بموجب معاهدات ومن الإجراءات الخاصة التي تُعمِلها، والاستفادة منها في محاسبة إسرائيل عن انتهاكها لأحكام القانون الدولي وقواعده، والتي أقر بها الجميع وأدانتها مختلف أجهزة الأمم المتحدة في عدد لا يُحصى من المناسبات. ويكتسب هذا الانضمام أهميةً أخرى لأنه ييسّر وصول فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث يمكن أن يساعد الأثر الذي يفرزه قرار الجمعية العامة المرتقب (والذي يوصي بالاعتراف بإقامة دولة فلسطين) على قبول الإعلان الذي قدّمته فلسطين بموجب أحكام الفقرة الثالثة من المادة (12) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واحتمال مصادقتها على هذا النظام.
ومن الخيارات الأخرى التي ستصبح متاحةً أمام فلسطين طلب إصدار فتوى من محكمة العدل الدولية حول الصفة غير القانونية التي يكتسيها الاحتلال بسبب الانتهاكات التي لا تفتأ السلطات الإسرائيلية ترتكبها بحق القانون الدولي، بما يشمله من قانون الاحتلال الحربي والأحكام التي تحظر ممارسة الفصل العنصري والممارسات الكولونيالية الاستعمارية.
كما سيحظى الفلسطينيون بقدرٍ أكبر من الدعم السياسيّ الذي يمكّنهم من ممارسة الضغط على المجتمع الدولي لكي يمتثل للمسؤولية الملقاة على عاتقه (والتي يمليها ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي بشأن مسؤولية الدول والمادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف) في وضع حدٍّ لمخالفات إسرائيل لقواعد القانون الدولي وأحكامه، بما يشمله ذلك من حثّ الأمم المتحدة على تعريف النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني على أنه يشكّل ‘تهديدًا للسِّلم والأمن الدوليين’ بغية السماح باستخدام مجموع التدابير التي تتيحها الأمم المتحدة ضد إسرائيل.
وقد تتأثر المؤسسات الحكومية الفلسطينية في الأرض الفلسطينية المحتلة، في ذات الوقت، بانضمام فلسطين إلى المعاهدات الدولية المنظَّمة بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وذلك بإخضاع عملها للمراقبة والتدقيق الشامل من قبل هذه الاجهزة للتأكد من مدى حمايتها لحقوق المواطنين الفلسطينيين الذين يخضعون لإختصاصها.
2- ما هي الآثار السياسية المترتبة على توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة؟
تُعتبر الآثار السياسية التي قد تنشأ عن المبادرة التي أطلقها الفلسطينيون للتوجه إلى الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر القادم متعددةً ومتشعبة، وهي تتداخل في كثير من جوانبها مع الآثار القانونية التي ينشِئها هذا التوجه. كما تنطوي الآثار القانونية غير المباشرة، التي عرّجنا على ذكرها أعلاه، على آثار سياسيةٍ متباينةٍ على موقع فلسطين في النظام القانوني الدولي، بحيث يضعها في ‘وضع تتساوى فيه’ مع غيرها من الدول. وسوف تحظى فلسطين، بعد أن تكتسب هذه الصفة الشرعية في النظام القانوني الدولي، بوضعٍ أفضل يمكّنها من المطالبة بحقوقها من المجتمع الدولي، وخاصةً فيما يتصل بالوسائل التي تمكّنها من ممارسة الحق في تقرير المصير.
وبناءً على ما تقدّم، فمن المتوقَّع أن يعيد هذا الأمر إعادة تشكيل النزاع وإفراز تحوُّل سياسيٍّ مفصليٍّ من وضعٍ مزدوجٍ ‘تتساوى فيه حسابات الربح والخسارة’ بين إسرائيل والفلسطينيين إلى نزاعٍ متعدد الأطراف، لا تتغير فيه الأطراف المعنية فحسب، وإنما تتنوّع وتتعدّد.
3- ما هي الفوائد المحتملة التي قد تترتب على توجّه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر؟
يعود النقاش المتصل بالإعلان عن إقامة دولة فلسطين في جذوره إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي ما يزال جاثمًا على الأرض الفلسطينية منذ ما يربو على أربعة عقود، والذي ما يفتأ يحرم أبناء الشعب الفلسطيني من حقهم في تقرير مصيرهم. ففي هذا المضمار، يملك المجتمع الدولي ذُخرًا من المعلومات حول الانتهاكات الجسيمة والمُمَنهجة التي تواصل إسرائيل ارتكابها بحق القانون الدولي، بما يشمله ذلك من انتهاك الحظر الذي يفرضه هذا القانون على الممارسات الكولونيالية الاستعمارية وأعمال الفصل العنصري، والتي تشكّل السمة غير القانونية التي لا تنفكّ عن الاحتلال الإسرائيلي. ولذلك، تقع الدول تحت التزامِ لا لبس فيه يملي عليها عدم الاعتراف بقانونية وضعٍ قائمٍ، وعدم تقديم العون أو المساعدة له، والتعاون على نحوٍ فعالٍ وناجعٍ في سبيل وضع حدٍّ للانتهاكات والمخالفات التي تقترفها إسرائيل.
ومن المتوقّع أن يفضي توجه السلطة الوطنية الفلسطينية إلى هيئة الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل لطلب الإعلان عن إقامة دولة فلسطين إلى الارتقاء بوضعها في النظام القانوني الدولي، من خلال السماح لها بتعزيز صفتها الشرعية واكتساب ‘وضع تتساوى فيه’ مع غيرها من الدول على المستوى الدولي. ومن شأن هذا الأمر إتاحة الفرصة أمام فلسطين لتسريع الإجراءات القانونية الدولية الجارية في هذا الشأن، ناهيك عن تأمين الاستفادة من آليات المساءلة الدولية الكفيلة بإنصاف الفلسطينيين من الانتهاكات الإسرائيلية الواقعة على القانون الدولي.
4- هل يفرِز توجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر تأثيرًا على حماية المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة من ناحية إنفاذ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان؟
القانون المُطبَّق على الأراضي الفلسطينية المحتلة هو القانون بشأن النزاعات المسلحة الدولية، الذي يسري بسبب احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وهي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة. ومن غير الممكن أن ينشِئ توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة أيلول/سبتمبر، بصرف النظر عن النتائج التي قد تتمخّض عنه، أي تغيير في الإطار القانوني الساري على الأراضي الفلسطينية، لأن هذه الأراضي سوف تبقى خاضعةً لسيطرة وإدارة القوة القائمة بالاحتلال، وهي إسرائيل، التي تعتبر مسؤولةً في نهاية المطاف عن ضمان تمتُّع أبناء الشعب الفلسطيني بالضمانات الجوهرية التي يكفلها القانون بشأن الاحتلال الحربيّ لهم.
وفضلاً عن ذلك، تُعتبر الحقوق التي تكفلها أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة حقوقًا مطلقةً لا يجوز المساس بها من خلال أي تغيير يطرأ على الإقليم المحتل أو حكومته، حتى لو كان ذلك عن طريق الاتفاق بين القوة القائمة بالاحتلال والشعب الواقع تحت الاحتلال. وبذلك، فلن يؤثر قبول فلسطين في المنظمات الدولية وانضمامها إلى المعاهدات الدولية على الحقوق المكفولة للمواطنين الفلسطينيين المحميين تحت الاحتلال.
5- ما هي المخاطر التي ستتمخّض عن توجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر؟ وهل يمكن أن تؤثر هذه المخاطر على ممارسة الحقوق الوطنية الفلسطينية و/أو تحديد المسائل المتعلقة بالحدود واللاجئين في المستقبل؟
بما أن المسار الذي اختاره الفلسطينيون محدّدٌ وينطوي على أمورٍ إجرائيةٍ في جانبٍ كبيرٍ منه، فلن يؤدي توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة إلى إفراز أي تغييرٍ قانونيٍّ على الحقوق الحالية التي يتمتع بها أبناء الشعب الفلسطيني، والمتمثلة بصفةٍ خاصةٍ في الحق في تقرير المصير وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم. فهذه هي الحقوق التي يكتسبها المواطنون ويمارسونها، وليست الدولة من يكتسبها ويمارسها. ولذلك، لا تحتمل هذه الحقوق المساس ولا الإخلال بها بقرارات ترتبط بقبول دولةٍ في منظمةٍ دوليةٍ أو الاعتراف بها من قبل دولٍ أخرى.
وفضلاً عما تقدم، يتعين على دولة فلسطين، حالما تملك القدرة على ممارسة حقوقها السيادية وتنال استقلالها التامّ – وذلك عند زوال الاحتلال على وجه التحديد – أن تحدّد وتضع الأسس القانونية التي ترتكز عليها الجنسية الفلسطينية. ومن ثم يتوجّب على القيادة الفلسطينية أن تدرس الجهة التي تتولى تمثيلها في المفاوضات وأن تحدّدها بعناية لكي تضمن عدم المساس بحقوق اللاجئين الفلسطينيين وهدرها.
ولذلك، تكتسب المخاوف المتعلقة بالآثار التي سيفرزها قبول فلسطين في عضوية الأمم المتحدة والإعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 على ترسيم حدود فلسطين في المستقبل من جانب الشعب الفلسطيني طابعًا سياسيًا، ولا يجوز الخلط بين هذا الأمر وبين الآثار القانونية التي يخلفها هذا الإجراء. ولن يستتبع توجه السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر المقبل تقويض الحقوق الواجبة لأبناء الشعب الفلسطيني ولا المساس بممارستها في المستقبل، لأنها لا تنطوي بذلك على ممارسة أي حقٍّ وليس هناك من ضمانٍ بأنها ستفرز أي تغييرٍ على وضع الاحتلال. بل إن ما يُعنى هذا التوجه بتحقيقه يكمن في تعزيز المطالبات بتوفير السُّبل التي تكفل للشعب الفلسطيني ممارسة هذه الحقوق.
6- هل يشكّل توجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر شكلاً من أشكال ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره؟
تمثل إقامة الدولة وترسيم حدود الكيان المعنيّ وتقرير طبيعة حكومته أمران متباينان. فالأمر الأول لا يشكّل مسألةً قانونيةً كما قررنا ذلك فيما تقدّم من هذه الورقة، في حين يعبّر الأمر الثاني عن مسائل يقررها الشعب المعنيّ في سياق ممارسة حقه في تقرير المصير.
ومن الناحية العملية، تستدعي ممارسة الحق في تقرير المصير مشاركة جميع أبناء الشعب الفلسطيني – بمن فيهم السكان القاطنون في الأرض الفلسطينية المحتلة، واللاجئون الفلسطينيون، والفلسطينيون في الشتات والمواطنون الفلسطينيون في إسرائيل. ويمثل الاستفتاء الشعبي أحد الوسائل العملية الشائعة في تقرير ممارسة الشعب لحقه في تقرير مصيره، مثلما كان عليه الحال في جنوب السودان الذي قُبِل مؤخرًا بصفته دولةً عضوًا في هيئة الأمم المتحدة. ومن شأن إجراء الاستفتاء المذكور إضفاء قدرٍ أكبر من الشرعية وتأمين المزيد من الدعم لأي مبادرةٍ تطلقها القيادة الفلسطينية في هذه المرحلة، وذلك إن كان القصد منها إدراج أمور تتعلق بترسيم الحدود الإقليمية بين فلسطين وإسرائيل، مثلاً.
7- هل يمكن النظر إلى توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر القادم على أنه يشكّل خرقًا للاتفاقيات المُبرَمة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولا سيما الاتفاقيات المرحلية الموقعة بين الطرفين في العام 1995 (أو ما يُعرف باتفاقيات أوسلو)؟
لا تشكّل الاتفاقيات المؤقتة الموقّعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية (أو ما يُعرف باتفاقيات أوسلو) معاهدةَ بموجب أحكام القانون الدولي، وهي لا تمسّ أو تغيّر أيّ حقوقٍ تكفلها اتفاقيات جنيف للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال. وبذلك، لا تنفي هذه الاتفاقيات، التي أُبرِمت بين القوة القائمة بالاحتلال وممثِّل الشعب المحتل بغية إدارة الإقليم الواقع تحت الاحتلال، الحقوق والالتزامات التي يمليها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وفضلاً عن ذلك، لا ينفي الاحتلال، على نحو ما تقدم ذكره، وضع فلسطين باعتبارها دولةً تحظى بالاستقلال في إقليمها في ظل أحكام القانون الدولي وقواعده. وبذلك، لا تستطيع اتفاقيات أوسلو تعديل حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبسط سيادته على ربوع إقليمه، وهو الحق الذي أكّد المجتمع الدولي عليه في ما لا يحصى من المناسبات، ولا حتى تحجيمه أو تقييده بأيّ شكلٍ من الأشكال.
وبما أن توجه القيادة الفلسطينية إلى هيئة الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر المقبل لطلب الاعتراف بالإعلان عن إقامة دولة فلسطين يشكّل وسيلةً تعيد التأكيد على سيادة الفلسطينيين على إقليمهم ووسيلةً لتعزيز وضعهم في النظام القانوني الدولي وترسيخه والارتقاء به، على أساس وضعهم وحقوقهم القانونية القائمة والمحددة في الأصل، فإن هذا التوجه لا يمثل خرقًا لاتفاقيات أوسلو، وهو لا يفرز أيّ تغييرٍ على وضع الإقليم التابع لأي من الطرفين ولا على حقوقهما.[img][/img]