لم يصافني انسان واحد , بمن فيهم أنا, لم يمسه الاحساس بالضيق في بعض الاحيان او يتملكه الخوف او اليأس وما شابهه.
في تلك اللحظات, طالت ام قصرت, يشعر الانسان بأنه مقطوع الصلة بسائر المخلوقات. يشعر بأنه مصاب بحالة انعدام وزن في الفضاء الكوني الخاص الذي يسكنه, فيتمني ان يهبط علي ارض صلبة توجهه نحو هدف محدد يشعره بالرضا والهدوء والسعادة.
ولكن نادرا ما تكون فكرة السعادة واضحة في ذهنه لأنه قد يحلم بما ليس عنده كنجومية مدهشة تهبط عليه من السماء, او ثروة بالملايين , او مسكن فاخر , او عبارات رائعة يسمعها من حبيب متيم أو ان تجتمع كل تلك الاحتمالات في حلم متعدد الفصول ان تحقق اصبحت السعادة ملك يمينه.
المكتبات في جميع انحاء العالم تعرض عشرات الكتب بعناوين مختلفة واحجام مختلفة عن تحقيق الطموح والتغلب علي الاحباط والتخلص من القلق والانتصار علي التردد..عناوين مذهلة عن النجاح في الحب والتفوق في العمل.
السعادة اذن غاية وهي ايضا معني لم نجد له تفسيرا . فأين انت ايتها السعادة التي تفتننا حين تلوح ثم تختفي كحلم ليلة صيف؟ كم لمحتك حتي خلتك جزءا من ذاتي. اشتاق اليك في ازمنة الحزن واتمني ان اجدك في موقع ثابت يمكنني اللجوء اليه في اوقات الشدة. اريد ان اسكنك ركنا مضيئا في زوايا الروح.
عند هذا المنعطف تذكرت أحد اهم الكتب التي قرأت والتي بدلتني من حال الي حال. كان كتابا صغيرا يحمل معلومات عن ماعت, ربة العدل والحق والصدق في مصر القديمة. لم تكن ماعت امرأة بالفعل و ان صورت علي هيأة امرأة تحمل فوق رأسها ريشة , ولكنها كانت معني يصل الارض بالسماء. وتطورت في التراث القديم حتي اصبحت تعبيرا شاملا عن الفضائل. صارت معني يفيد بأن الرحمة افضل من القسوة والنظام افضل من الفوضي والصواب أفضل من الخطأ والعدل افضل من الظلم. ومن الطريف ان هؤلاء القدماء صوروا حساب المرء علي جدران معابدهم بأن رسموا القلب في كفة وريشة ماعت في الكفة الاخري بحيث تفدر حسناته بدقة تامة. ومعني ذلك انهم آمنوا بأن العدل يرتبط بالسعادة في الحياة الاولي والاخرة.
وذكر في الكتاب ان الملك اخيتي الرابع وجه تعاليم مفصلة لابنه فقال: تحل بالفضائل حتي يثبت عرشك علي الارض, هدئ من روع الباكي, ولا تظلم الارملة ولا تجرد احدا من املاكه ولا تطرد موظفا من عمله ولا تغدر بزميل تلقي معك العلم ولا تكن فظا بل كن رحيم القلب. ان لم تك ظالما فأنت آمن ولن تدور عليك الدوائر. ان لم تسلب فقيرا قوته فلن تذهب بك الدفة حيث لا تريد. لا تخلف وعدا ولا تعش بين الناس بغريزة صقر يفترس الطيور الصغيرة. ارحم من استجار بك وكن رحيما محسنا وابحث عن الحقيقة.
تذكرت تلك الكلمات فخلت انني عثرت علي سر السعادة في فكرة. انها فكرة وجدت في ثقافة سبقت زمننا بالاف السنين ثم توارت تحت ركام التجربة الانسانية . فهل آن الاوان لكي نكتشف من جديد معاني العدل والصدق والرحمة فنسعد؟
احمد الله علي انني لم اك يوما صقرا يفترس الطيور الصغيرة وادعوه ان يهبني قلبا رحيما محسنا وبصيرة تنفذ الي قلب الحقيقة.
فوزية سلامة
عذاب ان تحب
وعذاب ان لا تحب
والعذاب الاكبر ان تحب بلا امل