خطبة الجمعة
لكم الله يا أسرى المسلمين
الخطبة الاولى
الحمد لله نحمده.. ونستعينه ونستهديه ونستغفره.. ونتوب إليه ونتوكل عليه ونستنصره.. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.. إنه من يهده الله فلا مضل له.. ومن يضلل فلا هادي له.. وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. واشهد ان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله.. إمام المتقين.. وقائد المجاهدين.. ورحمة الله للعالمين.. ثم اما بعد أيها المسلمون:
أوصيكم وإياي بتقوى الله وطاعته.. واحذركم ونفسي من مغبة معصيته ومخالفة امره.. فإن التقوى وقاية والمعاصي غواية..{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
أيها المسلمون:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فكوا العاني ـ يعني الأسير ـ وأطعموا الجائع وعودوا المريض)), وفي الصحيح أيضاً عن أبي حجيفة قال: قلت لعلي رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين, هل عنكم من الوحي شيء؟" قال: "لا والذي فلق الحية وبرأ النسمة, إلا فهماً يعطيه الله عز وجل رجلاً وما في هذه الصحيفة"، قلت: "وما في هذه الصحيفة؟" قال: "العقل، وفكاك الأسير, ولا يقتل مسلم بكافر"..
قال القرطبي: "وتخليص الأسارى واجب على جميع المسلمين إما بالقتال وإما بالأموال, وذلك أوجب لكونها دون النفوس إذ هي أهون منها, قال مالك: واجب على الناس أن يُفْدوا الأسارى بجميع أموالهم, وهذا لا خلاف فيه.".
وعندما وقع بعض المسلمين في الأسر.. بعث إليهم عمر بن عبد العزيز بعبد الرحمن بن عمرة لفك أسرهم ..وقال له : ( أعطهم لكل مسلم ما سألوك !! فو الله لرجلٌ من المسلمين أحب إلي من كل مشرك عندي ! إنك ما فاديت به المسلم فقد ظفرت به ! إنك إنما تشتري الإسلام) . .
أمة الإسلام : لقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة في استنقاذ الأسرى من أيدي العدو، فعندما رجع المنصور بن أبي عامر من إحدى غزواته في شمال الأندلس قابلته امرأة مسلمة على أبواب قرطبة وقالت له : إن ابني أسير عند النصارى ويجب عليك أن تفديه أو تأتي به ، فما دخل المنصور قرطبة ..بل عاد بجيشه حتى فك هذا الأسير ..ولما سمع الحكم بن هشام أمير الأندلس أن امرأة مسلمة أخذت سبية فنادت : واغوثاه يا حكم فعظم الأمر عليه وجمع عسكره واستعد وحشد وسار إلى بلد الفرنج سنة ست وتسعين ومائة وأثخن في بلادهم وافتتح عدة حصون وخرب البلاد ونهبها وقتل الرجال وسبى الحريم ونهب الأموال وقصد الناحية التي كانت بها تلك المرأة ، حتى خلصها من الأسر ثم عاد إلى قرطبة مظفرا .. فقد أورد أحد المؤرخين: أن صاحب عمورية من ملوك الروم كانت عنده شريفة من ولد فاطمة رضي الله عنها.. مأسورة في خلافة المعتصم بن الرشيد فعذبها.. فصاحت الشريفة: وامعتصماه.. فقال لها الملك: لا يأتي لخلاصك إلا على أبلق – (والأبلق.. فرس فيه سواد وبياض )– فبلغ ذلك المعتصم فنادى في عسكره بركوب الخيل البلق،، وخرج وفي مقدمة عسكره أربعة آلاف أبلق،، وأتى عمورية وفتحها،، وخلص الشريفة وقال: اشهدي لي عند جدك (صلى الله عليه وسلم) أني أتيت لخلاصك وفي مقدمة عسكري أربعة آلاف أبلق. هكذا كان قادة المسلمين ..ما أن يسمعوا صرخة مستغيث ..وإلا ويبادروا الإجابة ..وينصروا المظلوم ... وذكر أبو غالب همام بن المهذب المعري في تاريخه أنه لما عقد سيف الدولة الفداء مع الروم اشترى أسرى المسلمين بجميع ما كان معه من المال .. وقد بلغ ما أنفقه أبو العباس الخزاعي أمير الشام في فكاك أسرى المسلمين من الترك ألفي ألف درهم .
وإن لم ينفع المال فإنه لا محالة من استخدام أسلوب التهديد والوعيد ،لما صالح قتيبة رحمه الله ملك شومان كتب إلي نيزك طرخان صاحب باذغيس في إطلاق من عنده من أسرى المسلمين وكتب إليه يتهدده ويتوعده فخافه نيزك فأطلق الأسرى وبعث بهم إليه
أيها المسلمون:
جميعنا في فلسطين أسرى.. لأننا في سجون كبيرة أو صغيرة.. ولا بد من أن تتوحد جهود المخلصين من أبناء الأمة لفكنا وتخليصنا من الأسر.. وهذا لا يتم إلا بفتح الجبهات بجيوش الأمة الهادرة..كما فعل المعتصم بفتح عمورية.. وخلص المرأة المسلمة من الأسر.
قال ابن النحاس رحمه الله معلقا على هذه القصة بعدما ذكرها (فهكذا.. فليكن إعزاز الدين ومثل هذا ينبغي أن تكون أئمة المسلمين،، اللهم لا تحرمه أجر هذه الهمة ،، وأثبه على ما كان عليه بكشف هذه الغمة)
أيها الأسرى:
اوصي نفسي وإياكم بالصبر والثبات.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وستحاسب الامة من سلم أبناءها ليهود.. ستحاسب الامة كل من تآمر عليها وعلى بلادها ومقدساتها.. ولعذاب الآخرة أشد لو كانوا يعلمون..
أيها المسلمون:
وانتم أيها الأسرى .. لكم الله.. لكم الله.. لكم الله.. في سجون الظالمين ويهود.. ولكم الثواب والاجر العظيم إن شاء الله.. {..إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)(الزمر).. ويكفيكم أن يسجل في صحائفكم أنكم وقفتم امام الظالمين وقاومتم اليهودورفضتم التنازل والتفريط.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .