اَلمولِدُ اَلنَّبويُّ الشَّرِيفُ
الحمدُ للهِ ثمَّ الحمدُ لله ، أحمدُكَ ربِّي كما ينبغي لجلال ِوجهكَ وعظيم ِسُلطانِكَ ، لكَ الحمدُ مِلأ َ السماواتِ والأرض ِ، ومِلأ َما شئتَ ، لكَ العُتبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوة َ إلاَّ بك . وأصلي وأسلمُ على نـبيِّكَ الأواهِ ، الرحمةِ المُهداهِ ، محمدٍ بن ِعبدِ اللهِ ، صاحبِ الرسالةِ المُجتباةِ ، والأمَّةِ المُصطفاةِ ، وعلى آلهِ وأصحابهِ وأتباعهِ ومن والاهُ ، صلاة ًدائمة ًطيبة ًمباركاً فيها وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، القائلُ في كتابهِ المبين ِ( لقد مَنَّ اللهُ على المؤمنينَ إذ بَعَثَ فيهم رسولا ًمِن أنفسهم يتلوا عليهم آياتِهِ ويُزكيهم ويُعلمُهُمُ الكتابَ والحِكمة َوإن كانوا من قبلُ لفي ضلال ٍمبين (164 آل عمران .
وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً مُهْدَاةً لِلْعَالَمِينَ، أَقَامَ صُرُوحَ العَدْلِ وَحَارَبَ الظُّلْمَ دَعَا إلى عِبَادَةِ اللهِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ وَحَارَبَ الشِّرْكَ وَحَطَّمَ الأَوْثَانَ، نَشَرَ الأَخْلاقَ الحَمِيدَةَ وَحَارَبَ الرَّذِيلَةَ، دَعَا إلى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ وَنَبْذِ التَّبَاغُضِ والتَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ والتَّنَافُرِ بَيْنَ المُؤمِنِينَ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ،
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ في القَاعِ أَعْظُمُهُ
فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ القَـاعُ والأَكَمُ
نَفْسِـي الفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ
فِيهِ العَفَـافُ وَفِيهِ الجُودُ وَالكَرَمُ
أَنْتَ الشَّفِيعُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ
عِنْدَ الصِّـرَاطِ إذَا مَا زَلَّتِ القَدَمُ
صلى عليكَ اللهُ يا علمَ الهُدى ، وإمامَ التقى، ما هبتِ النسائمُ، وما ناحت على الأيكِ الحمائمُ
وبعدُ أيُّها المُسلمونَ : يا أمَّة َالهادي محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أَصغوا بقلوبـِكم، واحفظوا بصدورِكُم قولَ ربكم : ( لقد جاءَكم رسولٌ مِنْ أنفسِكُم عزيزٌ عليهِ ما عنِتـُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيم{128}) التوبة .
اللهُ أكبرُ يا نبيَّ اللهِ ما أعظمكَ عندَ ربِّكَ، وعندَ مَن عَظـَّمَكَ.
أخوة الإسلام : تهلُّ علينا ذكرى مولدِ الهادي عليهِ السلامُ . أَحَبِّ الخَلْقِ إلى اللهِ تَعَالى، نَعِيشُ في ذِكْرَى وِلادَةِ سَيِّدِ الخَلائِقِ ، مَا اجملها مِنْ ذِكْرَى عَظِيمَةٍ، مَا أَعْظَمَهَا مِنْ مُنَاسَبَةٍ كَرِيمَةٍ عَمَّ بِهَا النُّورُ أَرْجَاءَ المَعْمُورَةِ، مَا أَعْظَمَهَا مِنْ حَدَثٍ حَوَّلَ تَاريخَ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ ببعثته مِنْ قَبَائِلَ مُتَنَاحِرَةٍ مُشَتَّتَةٍ يَفْتِكُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ يَتَبَاهُونَ بِالرَّذَائِلِ وَالمُحَرَّمَاتِ حَتَّى صَارَتْ مَهْدَ العِلْمِ والنُّورِ والإيمانِ، وَدَوْلَةَ الأَخْلاقِ وَالعَدْلِ وَالأَمَانِ بِهَدْيِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ
أخوة الإسلام
الواجبُ علينا أنْ نجعلَ من هذهِ الذكرى العَطِرَةِ موقفاً مَعَ الذاتِ لمحاسبةِ النفس ِعلى ما فرَّطـَتْ في جنبِ اللهِ ورسولِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ صاحبِ الذكرى .
لقد كانَ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ نبياً ورسولاً، وكانَ بشراً كسائرِ البشرِ، وكانَ زوجاً، وحاكماً، وقاضياً، وأميراً للجهادِ . وقد أوصَانا قبلَ موتِهِ بوصَايا غالياتٍ, وَحَذرَنا مخالفة َأمرهِ.
يقولُ الرسولُ الأكرمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( تركتُ فيكم ما إن تمسكتم بهِ فلن تضلوا بعدي أبداً، كتابَ اللهِ وَسُنتي) وكتابُ اللهِ هو الفرقانُ الذي أنزلهُ على عبدِهِ ليكونَ للعالمينَ نذيراً. وسنتي أيّ طريقتي .
ويقولُ أيضاً: (من رَغبَ عن سنتي فليسَ مني) أيّ : من حادَ عنها وتركها. وسُنـَّتـُهُ عليهِ السلامُ هي كُلُّ ما صَدَرَ عنهُ من قول ٍأو فعل ٍأو تقرير فأين نحن من وصاياه وتعاليمه الشريفة.
أيُّها الإخوة ُُ: ذكرَ ابنُ هشام ٍفي سيرَتِهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وُلِدَ يَومَ الإثنين ِلاثني عَشْرَة َ ليلةٍ خَلتْ، من شهرِ ربيع ٍالأول ِلعام ِالفيل ِ.
وُلِدَ الهُدى فالكائناتُ ضياءُ وَفمُ الزمان ِتبسُّمٌ وثناءُ
لقد أكرمَ اللهُ الخلقَ بمولدِهِ،فهلت بهِ بشائرُ الإسلام ِالعالميِّ العظيم، فقد كانَ عليهِ السلامُ خاتمَ النبيينَ لآخرِ وخيرِ أمَّةٍ أخرجتْ للناس ِأجمعين .
وقد قالَ اللهُ تباركَ وتعالى بحقـِّهِ: (يا أيُّها النبيُّ إنا أرسلناكَ شاهداً ومبشراً ونذيراً{45} وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجاً منيراً{46}) الأحزاب .
وُلدَ الحبيبُ المُصطفى، فاصطفاهُ ربُّهُ من خِيرَةِ خلقهِ واجتباهُ، فكانَ المُصطفى .
ولم يجعل ِاللهُ في الكون ِكلـِّهِ رجلاً مَحلَّ تأس ٍوإقتداءٍ إلاَّ هو.
كيفَ لا وقد قالَ فيهِ ربُّهُ جلَّ في عُلاهُ: ( لقد كانَ لكم في رسول ِ اللهِ أسوة ٌحَسَنة ٌ لمن كانَ يرجوا اللهَ واليومَ الآخرَ وذكرَ اللهَ كثيراً{21} ) الأحزاب.
أخوة الإسلام إن مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم يشدنا إلى عظمة النبوة وشرف الرسالة التي حملها نبيه عليه الصلاة والسلام، فكوّن أمة خرجت من غياهب الضلال إلى نور الإسلام، ومن ظلمة القبيلة إلى عدل الشريعة، ومن أوهام الشرك إلى نور التوحيد، ومن الفرقة والتناحر إلى أخوة الإيمان، في ظل دولة الإسلام التى ساوت بين الشريف والوضيع، وبين الأبيض والأسود، وبين العربي والأعجمي، فلا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ [الحجرات:13].
بهذه المبادئ العظيمة والأخلاق الكريمة التي أتمها نبيكم عليه الصلاة والسلام أنقذ عباد الأصنام من النار، وجعل من الأعراب المتحاربين لأتفه الأسباب خيرَ أمة أخرجت للناس، حملت رسالة الإسلام إلى العالمين في ثبات لا يتزعزع، وإقدام لا يتراجع، وإباء لا يقبل الضيم، وعزة لا تقبل الذل، وشموخ لا يقبل الباطل. فقد خَرجت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم قادة الدنيا إلى كل فضيلة، حملوا للعالم من حولهم نور الهداية وحسن الخلق وبشاشة الإيمان، وأعادوا للإنسان كرامته المهدرة، وأخرجوا من شاء من العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، نشروا الفضيلة وحاربوا الرذيلة وشدّوا الناس بأخلاقهم، فأقبل الناس على دين الله أفواجاً
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، وكأن الزمان قد استدار كهيئته يوم ولد وبعث عليه الصلاة والسلام، فغدت الجاهلية الحاضرة أشد وأعتى من الجاهلية الأولى، وأضحى عباد الأصنام البشرية والشهوات الدنيوية أقسى قلوباً من عباد الأصنام الحجرية، وأطل رأس الكفر ومن يسايره من المنافقين يحاربون الإسلام وأهله، وأصيبت الأمة في أخلاقها، وانكِرت العقيدة في نفوس أبنائها فصار المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، ضُيعت الأمانة، وزاد الفجور وشربُ الخمور، وانتشرت الموبقات والمخدِرات، ونخر الفساد جميع مناحي الحياة، فعمّت الرذيلة، وتراجعت الفضيلة، ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
لقد تعطلت أحكام القران بعد إلغاء الحكم الإسلامي، وهذه أكبر مصيبة أصيبت بها الأمة بعد ابتعادها عن هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد حذرها من الفتن وبين لنا طريق الرشاد بقوله: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ)).
واجبنا اليوم نحو صاحب هذه الذكرى صلى الله عليه وسلم أن نتبعه ونتبع الإسلام الذي جاء به وأن نقتدي به وأن نتأسى به صلى الله عليه وسلم وأن نقف في وجه الحملة المسعورة التي يشنها أعداء الإسلام على شخص النبي عليه الصلاة والسلام وعلى أمته وعلى دينه العظيم ..
واجبنا آن نأخذ ببشارات المصطفى صلى الله عليه وسلم التي بشر بها أمته بالنصر والتمكين على الأعداء، فابشروا يا أمة محمد بأن المستقبل للإسلام ولدين محمد صلى الله عليه وسلم وللشريعة التي جاء بها ، فلنسارع بالالتزام بها وتطبيقها في جميع مجالات حياتنا لنسعد أنفسنا بها أولا ونسعد بها البشرية بعد أن شقيت من هذه الأفكار الوضعية الجاهلية ، واسمعوا حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث بشرنا بأن المستقبل للإسلام فقال عليه الصلاة والسلام : ( بشّر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والدين والتمكين في الأرض ) ..وسيحكم الإسلام الأرض بإذن الله وسينتشر نوره فيها( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله )
قول قولي هذا واستغفر الله ادعوا اللهَ وأنتم مُوقنونَ بالإجابةِ
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ ذي الطـَّول ِوالإنعام،أكرَمَنا بالإيمان ِ، وأنعمَ علينا بالإسلام ِ. والصلاة ُوالسلامُ على خيرِ الأنام، وخاتم ِالأنبياءِ والرسل ِالكِرام
وبعدُ إخوة الاسلام: اجعلوا من هذهِ الذكرى توبة ًإلى اللهِ وأوبَة ً, لِتـُحشروا مَعَ صاحبِ الذكرى.
فكونوا منَ الغرباءِ الذينَ وجدوا كتاباً عَطـَّلهُ الناسُ وسُنـَّة ًأماتوها، فعَمِلوا على إحياءِ الكتابِ وإظهارِ السُّنةِ، لِتعُزُّوا وتسُودوا، وبهذا تكونونَ بحق ٍقد أحييتم ذكرى نبيِِّكـُم صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إن الاحتفال بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم يكون بإحياء سنته واتباع هديه وانتهاج طريقته وإقامة حكم الله في الأرض ونشر القيم الفاضلة والأخلاق النبيلة التي دعا إليها رسول الرحمة وحث عليها وتخلق بها خلفه الصالح، فكانوا سادة الدنيا في كل خير،
اللهمَّ أعِد علينا الذكرى القادمة َوقد رُفعت راية الإسلام خفاقة ًفوقَ قبةِ المسجد الأقصى.
إني داع فامنوا
اللهم انصر الإسلام والمسلمين اللهم أعزِّنا بالإسلام ِ، وأعزَّ الإسلامَ بنا، وأعزَّ الإسلامَ بقيام ِدولةِ الإسلام ، وأعزَّ دولة َالإسلام ِ بالجهاد، ليُعَزَّ بها كلُّ عزيز، ويُذلَّ بها كلُّ ذليل، واجعلنا اللهمَّ وإياكُم شهداءَ يومَ قيامها ، واجعلنا اللهمَّ مِمَّن يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنهُ ، أللهمَّ اغفر للمسلمينَ والمسلماتِ، والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأموات، إنكَ مولانا قريبٌ سميعٌ مجيبُ الدَّعْوات .
اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنبا الا غفرته...