بيع الوهم

تابع العرب منذ فترة الانتخابات في الكيان الصهيوني بشغف كبير بانتظار القادم الجديد وكالعادة أفردت لها بعض الفضائيات برامج وجندت محلليها وصدعت رؤوسنا بالنقل المباشر وكأن تلك الانتخابات تجري في إحدى دولنا - ربما الهدف من المتابعه والتغطيه غير الطبيعية لتلك الانتخابات لترسيخ هذا الكيان في الذهن العربي وكأنه جزءاً من عالمنا- وسمعنا كثيراً المفاضلة بين القتَلة وأخذ إعلامنا بترويج مصطلحات اليمين واليسار، الصقور والحمائم امعاناً بالاستخفاف بعقولنا وكأن هناك يمين متطرف ويسار معتدل في هذا الكيان العنصري المدموغ بالقتل والاجرام، فقد رأينا الاصطفاف الصهيوني والتوحد الكامل خلف المجرمين في عدوانهم على غزه، لكن هناك فئة لازالت تصرّ على تلك المصطلحات وبيع الوهم لتقنعنا بأن هذا الكيان طبيعي كباقي دول الدنيا ويجب ان نتعامل معه على هذا الاساس لعلنا ننسى انه الكيان الوحيد على وجه الارض الذي نشأ بقرار دولي أيد اغتصابه حقاً ليس له وأرضاً يعيش عليها أهلها وأصحابها.

بكل الاحوال جاءت نتائج الانتخابات الصهيونيه مخيبة لآمال الكثيرين وعلى خلاف ما يتمناه البعض ففاز حزب الليكود بزعامة المجرم بنيامين نتينياهو "الرافض للسلام" كما يصفه اعلامنا، والذي سيتقدم اليوم باركان حكومته للكنيست لنيل الثقة، وكأن الأحزاب الاخرى كانت ولازالت مؤيدة للسلام وعملت لتحقيقه بكل جهودها لكن "الشريك العربي" هو الذي عطل تلك المسيرة "المباركة" وأدى تعنته وعدم تقديمه التنازلات تلو التنازلات الى زيادة عدد الاسرى ونهب الارض بجدار يتلوى كالافعى وحواجز تتزايد والاستيلاء على بيوت المقدسيين وتهويد القدس، تعنت "الشريك العربي" أدى الى الاقتتال بين الاخوة وسال الدم بسلاح كان لزاماً ألاّ يتوجه إلا لصدر العدو الحريص على وحدتهم، وتعنت العربي وعدم تنازله أدى الى حصار غزه ثم العدوان عليها والقضاء على البشر والشجر والحجر ولم يقم الكيان الصهيوني "المسالم" بأية حروب ولم يهاجم بغداد وتونس ودمشق والسودان مؤخراً ولم يرتكب المجازر. هذا الكيان الورقي يعيش رعب اغتصابه لفلسطين ويعلم تماماً انه كيان طاريء وخلية شاذه لن يتقبلها الجسد العربي ولابد وأن تُزال منه حتى يتعافى، وهو منذ أن نشأ يعيش هاجس الأمن ويحاول جاهداً أن يمنع أي محاولة للمساس به وتشكلت كل "حكوماته" على أساس تحقيقه لقطعان مستوطنيه لينعموا بالهدوء ولو أدى ذلك لارتكاب مجازر ابادة جماعية وطرد اصحاب الارض فهذا في ظل المقاييس السائده حق طبيعي لكيان مغتصب مدعوم من كل الدنيا لا يجد من يردعه.

نتينياهو الذي جاء يبشر بسلام اقتصادي لا يختلف عما نادى به مناحيم بيغن بأن العرب لا يستحقون أكثر من حكم ذاتي وصرح بأنه اكبر خطأ يرتكبه "الاسرائيليون" تسليم الضفه للفلسطينيين بالرغم من كل ما يقدمه الشريك المفاوض من تنازلات ويروّج بأن "حكومته" قادرة على تحقيق السلام والأمن والتنميه للفلسطينيين، وفي الايام القادمه سيُعلن عن تشكيل حكومته العنصرية التي ضمّ اليها افيغدور ليبرمان الذي ينادي بطرد العرب والتبادل الاقليمي وكان قد هدد بقصف السد العالي وضرب غزه بقنبلة نوويه، وعقد معه اتفاقاً لتوسيع الاستيطان في القدس كما ضم إليها "ايهود باراك" بطل الرصاص المصهور وغالبية نواب الائتلاف الحاكم ينادون بطرد الفلسطينيين كحل للصراع من خلال صياغات تجميلية. لا اعتقد أن هناك ما سيمنع من التعامل مع تلك الحكومة العنصرية، فالسلطة ستتعامل معها "اذا" صرحت"بقبولها" مبدأ حل الدولتين، ولا مانع ان تكون ممارساتها خلاف ذلك فمجرد التصريح يكفي لمفاوضات لن تنتهي ولا مانع لو انتهت بـ "صفر، صفر، صفر" كجواب أحمد قريع عندما سُئل ماذا حققتم من مفاوضاتكم مع اولمرت "المعتدل"!!! ولا مانع من التجربه حتى لا يُقال أن الشعب الفلسطيني ارهابي عدو السلام ولا مانع في سبيل تلك المفاوضات ان يتمدد الافعى ويقضم مزيداً من الارض، وأن تهوّد القدس المؤجله قضيتها "للمرحله النهائيه" ويستولي قطعان المستوطنين على بيوت المقدسيين حتى أصبحت القدس "عاصمة الخيام"، ولا مانع من اجتياح الضفه وسطو المستوطنين المدعومين من الجيش عليها وتخريب بيوتها، فالسلام يحتاج للصبر ولنعطي نتينياهو أو غيره مجرد فرصة لأربعة أعوام قادمه حتى لو كان برنامج حكومته "التوسع بالاستيطان، وعزل القدس عن محيطها ورفض ما يسمى بحل الدولتين"، وبالصبر ستتحول هذه الحكومه من عنصرية لشريك السلام وسيُستقبل نتينياهو ولبيرمان وباراك وستختفي التصريحات العنصرية بقتل وطرد العرب وتهويد القدس والقضاء على وجودهم وسننسى كل ما جرى في غزه من قتل وجرائم ابادة. فقط نحتاج الصبر لفهم تلك الحكومه!!!.