بسم الله الرحمن الرحيم
يتردى العاصي بمعصيته، و يتخبط في دروب المذلة والهوان، والضعف والعجز، والقلق والحيرة، والفزع وضيق النفس؛ بسبب استزلال الشيطان لقدمه بعيداً عن الطريق؛ فتغلب عليه مشاعر الضياع، وفقدان الأمل في صلاح الحال!!
وفي تلك الأجواء الكئيبة وحدها، يسعى الشيطان لاستثمار هذه المشاعر؛ لتأصيل اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى في قلب العبد، حتى يدفعه للمزيد من الانغماس في الزلل؛ بزعم انعدام الجدوى من الممانعة، وبُعد المسافة عن طريق العودة!! ويظل الشيطان محاولاً إبقاء ذلك العبد حبيس دهاليز هذا السجن المقيت من القنوط واليأس من رحمة الله، آملاً في دوام السيطرة والهيمنة على مشاعره!!
ولكن يظل في خبايا النفس صوت خافت يتردد، عسى أن يجد طريقه يوماً إلى مسامع ذلك القلب مردداً : هل من توبة؟ هل من عودة؟
فيسوق الله له يداً حانية برحمته؛ تأخذ بيده، فتبدد ظلام وقسوة تلك الأجواء عن قلبه، وتفتح له نافذة مشرقة من الأمل عنوانها :
(وإني لغفارٌ لمن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً ثم اهتدى)!!
فتتهاوى جميع الجدران العاتية أمام أنوار تلك الكلمات الساحرة، وتستنشق النفس عبير نسمات الحرية من جديد؛ لتكسر قيود الذل والهوان والاستسلام لمشاعر اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى؛ وتنطلق إلى أفقٍ رحبٍ فسيحٍ من رحمات الله تعالى ومغفرته!!
إن هبوب رياح الأمل في رحمة الله تعالى مجدداً على القلب، لتمثل بالنسبة له نبض الحياة بعد طول ممات، فتذرف الدموع ندماً، وتستنهض النفس عزائم خيرها، أملاً في الاستقامة على أمر ربها، والطهارة من رجسها!!
فبالتوبة يتحرر القلب من أغلال المعصية!! وبالتوبة يستشعر معاني الندم؛ فيتطهر من درنه ويقترب من ربه!! وبالتوبة يتبدل رصيد السيئات إلى حسنات!! وبالتوبة تتهاوى حجب الغفلة، ويستنفر القلب جنود الخير لتلافي الزلات!!
إن عالماً من الممكن أن يتحول في أجوائه أشقى الأشقياء، ليكون برحمة الله أتقى الأتقياء، لهو عالمٌ تغمره الرحمة، وتعلوه السكينة، وتنهمر عليه نسمات الأمل في سعة رحمة الله تعالى ومغفرته!! فهلا اغترفنا من نبعه أحبتي، عسى أن يتبدل حالنا إلى أحسن حال؟! إنه بحق عالم يمتلك بين جنباته عجباً، يقال له :
سـحر التوبة!!