بعد عشرين عاما على توقيع اتفاقية اوسلو يبدو واضحا ان العرب فشلوا في كل واد , وان الفلسطينيين انتصروا على كل الظروف . وان من حق اي فلسطيني ان يرفع رأسه لانه فلسطيني في زمن الخيانة والعار . وقد انشغل المراقبون في متابعة ردود فعل الجمهور على اتفاقية اوسلو بعد عشرين عاما على توقيعها ، وهل فشلت ام لا ؟
وبحكم طبيعة عملي حاولت عمل مقابلات ولقاءات مع عدد من المسؤولين الكبار للحديث عن هذه التجربة ، ولفت انتباهي رفض القادة الكبار الذين وقّعوا اتفاقية اوسلو الحديث عن هذه الاتفاقية، لانه لم يعد هناك اسرار مخفية وقد عرف العالم كله جميع اسرار اوسلو ، وكيف كان الزعيم عرفات يفكر اتجاهها ، وعبارته الشهيرة : لو كان لديكم انتقاد ضد اوسلو فانا عندي مئة انتقاد ضد اوسلو .
احد كبار المسؤولين في منظمة التحرير رفض اجراء مقابلة تلفزيونية عن اوسلو وقال لي : انا لا اريد التحدث عن اموات , اوسلو ماتت . وقد وقفت مطولا امام هذه العبارة محاولا ان افهم طريقة تفكير القيادة ووصلت الى نتيجة واحدة وهي العرفاتية التي انتقدها الجميع ثم اتضح انها هي الافضل على صعيد السياسة العربية .
فلم يبق احد الا وانتقد عرفات ، وهذا حق مكفول للجميع . ولم يبق طالب في كليات العلوم السياسية الا وكتب ضد العرفاتية بحجة انها لم تحقق كامل انجازات الثورة ، ولكن المفارقة ان الاخرين لم يحققوا ايضا كامل انجازات الثورة , وبعضهم امضى اخر عشرين عاما لا يعمل شيئا سوى انتقاد العرفاتية والعيش على فتاتها .
وانا ومعظم سكان الارض المحتلة نقول: اوسلو فشلت , اوسلو قتلت , اوسلو مشروع فاشل, اوسلو مؤامرة امريكية اسرائيلية كبيرة ضد قضية فلسطين . لكن عرفات لم يخطئ، فقد طردته كل العواصم العربية وطردت الفدائيين من كل المدن لاجباره على السلام مقابل الارض . فهم السبب وهم النتيجة وهم المذنب ونحن الضحايا للزعماء العرب ولأسيادهم الامريكيين وادواتهم التي قفزت الى السلطة بعد عرفات لتنهش لحم التاريخ وتحطم عظام العظماء . وان اخطأ عرفات في تصديق العالم والوعود فنحن جميعا شركاء معه لاننا وقفنا متفرجين ولم نطرح اية بدائل ولا اية تصورات سوى الحرد والاستنكاف . وحين قتلت اسرائيل عرفات شاهدنا ماذا فعلت العواصم العربية لفلسطين ، وكيف حاولت كل عاصمة ابتلاع القضية لمصلحتها حتى جاء الدور عليهم . وحين شاهدنا الزعماء العرب كيف يفاوضون امريكا ويقولون " حاضر سيدي " فهمنا كم ظلمنا انفسنا وكم كنا على ضلال حين صدقنا بعض الاوباش الذين وعدونا ببدائل افضل من العرفاتية .
وحين رأينا البدائل الاخرى عن منظمة التحرير ، فهمنا كيف هذه البدائل صغيرة وانانية وموتورة وفاشلة ولا تؤتمن على وطن ، لانها تعمل لمصلحتها ولمصلحة جماعتها فقط ، وفهمنا كم كان عرفات اكبر واعظم منهم جميعا، وكيف تضائلوا حتى اضمحلوا حين رحل عرفات ، ولم يبق لهم سوى مصالحهم الانانية ومشاريعهم المشبوهة وشتائمهم . بل انهم لا يجرؤون على الاحتفال بذكرى عرفات لانهم يخافون منه وهو ميت اكثر مما خافوا منه وهو حي .
نم قرير العين يا أبا عمار ، فنحن نسير نحو القدس ونرفع رؤوسنا احياء او اموات ، ولا شئ يقلقنا على باب القيامة .
ناصر اللحام
وكالة معا
شكرا لتواجدك زائر نورت الصفحة