إدمانٌ جيد !! أن تكون مستعداً للنظر الدؤوب بداخلك سائحاً و سابحا و مسبحا تستجلي ما أودعه الله فيك من عجائب حُسن خَلقه وتخليقه لك .
وفي هذاالسياق أستعذب كلاماً قرأته للدكتور مصطفى محمود يقول فيه : ” إنك حين تفتح عينيك على ثرائك الداخلي تغمرك السكينة وتبدأ الهدنة التي بينك وبين الحياة وترتضي نفسك وتتقبلها, وهذه الهدنة هي النبع الذي تتدفق منه المحبة فتحتضن النفس نفسها والآخرين من حولها , بل الحياة ذاتها, فالمرء منا مثلاحين يشعر أن الزهر يبتسم له فما ذاك إلا لأنه يرى ابتسامته الداخلية منعكسة عليه , وحين يقول: إن الدنيا حلوة, فالحقيقة أن نفسه هي الحلوة, لأنه لا يرى الدنيا, بل لأنه يرى صورة نفسه كما تعكسها له الدنيا ” وهكذا فإن جمال طريقة الملاحظة هي الطريق الذي يجعل كل شيء خارج الإنسان صورة عن الإنسان أو من الإنسان
ومما يؤكّد ضرورة هذا النظر الجُوَّانيَ التوجيه الإلهي [ و في أنفسكم أفلا تبصرون ] الذاريات فهو تحضيضٌ على وجوب العودة إلى [ الداخل ] ذلك أن الاستبصار والتبصر لا يتم إلا فيه .
الإشادة بالتبصر في النفس إنما هو استرسال في تتبع [ مجهول ] متسع قد تمّ تعميته عنّا بقصد السعي للاستكشاف تزامنا مع حدوث التكشّف التلقائي الذي تزوّدنا به تجربتنا الحياتية ، و هذا تشاغل حق و لحقّ ، و يكسبنا نفوذا لما حولنا من خلالنا ، مما يجعلنا في حالة من التواصل الكيفي مع الكلّيتين التي اقترنت بالآية السابقة [ و في الأرض آيات للموقنين ، و في أنفسكم أفلا تبصرون و في السماء رزقكم و ما توعدون ] في ثلاثية محكمة تلخّص مسعى الإنسان في مسرى الحياة و مسرحها .
التدرّب على ملاحظة النفس فيه مشقّة إلا إن كان من باب إحسان المرء جوار نفسه ، و تقديره لهباته ، و انطلاقه في فتح هداياه ، و الاسترسال في إعتاقها و تخليصها ، فحينها لا تُبطِّئنا مشقّة الملاحظة للنفس ، ذلك أننا جئنا من جهة [ المحبة ] لا من جهة [ الواجب ] .
يهمني الإشارة إلى التحذير من أن نحمل [ الملاحظة ] على مفهوم [ مراقبة النفس ] فالملاحظة لا تكون إلا للإيجاب و للقصور الذي نلاحظه بالجمال لا بالكمال ، و هي طريقة من طرق الإفاضة على الذات ، و نوع من التوسعة الشعورية التي تبعث على الاستمساك بمبدأ [ ما كان الرفق في شيء إلا زانه ]
و أما المراقبة ففيها من الخشونة لأنها حالة من المحاصَّة و المحاققة و الجدّية التي نلجأ إليها حين نلمس في أنفسنا حيداً أو ميلاً ، و هذا فرقٌ جوهريٌّ بينها و بين الملاحظة ، و من الحكمة استعمال الشيء في سياقه الموائم ، و هذا يتجلّى بوضوح في علاقتنا بالله سبحانه و تعالى ، فنحن في حال التسامي نعامل الله سبحانه و تعالى بوصف كونه [ قريباً ] و في حالة التدلِّي و الانخفاض و التجافي نعامل الله سبحانه و تعالى بوصف كونه [ رقيباً ] و هذا التنوُّع في الحالين هو من حمل النفس على ما يناسبها .
لذا فالملاحظة [ رؤية بجمال ] و المراقبة [ رؤية بكمال ] و لكلٍّ من الرؤيتين عينها ، من [ آن ] و [ ميزان ] و يعني أن الملاحظة تتمركز على [ النفاسة ] و أما المراقبة فتتمركز على [ النفس ] و كم يحزننا حالة عدم السواء التي تظهر في إهمال انحيازنا لأنفسنا في كثير من الأحيان ولن نستكفي خشونة المراقبة و حالة تأثيمها ما لم نستطع أن نتواجد بكثافة في الملاحظة التي هي رؤية بجمال لنفاستنا التي انطوت عليها نفوسنا
فلا لأنفسنا بالضخامة و الكبر بل بالتواضع و المراعاة