السلام عليكم ....
لغة الصمت !!
وهل للصمت لغة ؟؟؟
فى الكثير من الأحيان يكون الصمت أبلغ من الكلام ، فالصمت لغة الحكماء والفلاسفه ، لما
يحمله من معانى التدبر والتأمل وحسن الرؤية والتفكير السديد ، وأيضا رصانة الحكم بالمنطق
السليم ...
نصمت لنعلم ونتعلم !! ...حين لا نمتلك كل أسباب المعرفة الكافية للوصول إلى الحقيقة ، والتى
تتطلب من الاساس معرفه مايدور فى عقول الناس من نوايا حقيقيه ، فالصمت يكون حينها
أفضل للمرء ، ( لانهم كثيرا ما يريدون غير ما يدعون !! ) ..
.. من يتكلم بدون معرفه يعد ثرثارا ** فتصير مقولة ( السكوت من ذهب ) هى طوق النجاة
له ولنا ، بدلا من الوقوع فى دوائر اللغو والسفسطة المرهقة ، أو ارتكاب الذنوب بدون شعور
فى حق أنفسنا ، أو الغير ، ( فلا تجادل جاهلا !! ) ...
لقد خلق الله الناس أشتاتا ، فى الشكل واللون والنوع ، وفى نواحى متعدده أخرى ، مثل الملكات
والقدرات ، لكن يظل العقل هو أهم تلك الاشكالات .. !
فهناك من يتكلم وهو مغلق لعقله ، وحين تحدثه لا يسمعك ، فهو قد أغلق أذنه وعقله عن فهم
واستيعاب أى شئ ، إلا عما هو راسخ وثابت فى خياله !! وهذا سيجهدك قطعا ..
وهناك من يتشبث فى أذيال البراءة والطهر والعفاف ( وهذا أخطر الاصناف ) فهو يستعزب
أن يقوم دوما بدور ( الضحية ) البريئة المجنى عليها ، فيلقى على ألآخرين كل ما يشينهم
ويحقرهم ويلطخهم دونما أى دليل سواء على صحة كلامه ، أو حتى صدق نيته !!
فلا نراه ابدا يشيد بإنسان إلا لو كان يريد منه عرضا من عرض الدنيا ، ويمتلك فضول قاتل
لمعرفه كل شئ عن الناس ، دون سبب واضح ، إلا ( ليعرف ما يتميزون به من نعم الله ) ،
حتى يعرف ما يستطيع ( إقتناصه ، وصيده منهم !! ) ، والناس عنده قسمان ، فإما معه أو
عليه ، ويمتلك كل اسباب الحقد والغل والكراهيه ، لكل من هو أوفر منه حظا ، فقلبه متشح
بالسواد ، وروحه تسبح فى بحار الظلام بدون غايه ولا هدف !!
وهذا لا يتسم بالصدق والعدل مطلقا ، لان رأيه فى الناس يأتى من إنعكاس صورته هو فى
المرآة التى لاينفك ينظر اليها فى عجب وخيلاء !! .. فملامح البراءة التى تعترى قسمات
وجهه ، ونبرات الشجن التى تزين كلماته ، لاتعدو كونها كذب يتجمل به أمام أعين الناس !!
وهذا تركه أفضل ...
وهناك من صنع من الوهم حقيقة !! .. وذهب به خياله .. بعيدا .. بعيدا .. ، حتى حسب
الحلم حقيقة مثل قصة المرأة بائعة اللبن :
يحكى انه ذات يوم جلست بائعه لبن ممسكه بعصاها وأمامها جرة مملوءة باللبن ، وغفت قليلا
ورأت انها ( لو ) ادخرت ثمن كل ما تبيعه من لبن لمدة شهر لاشترت بثمنه بعض الغنم ،
وإنها ( لو ) رعيت هذا الغنم لصار قطيعا كبيرا ، وراح بها الخيال فرأت بعض من الغنم
يشرد بعيدا عنها فما كان منها إلا أن تهشه بعصاها ، وما هى إلا لحظة وهى ترفع عصاها ..
حتى ضربت جرة اللبن فانسكب على الأرض ..... وضاعت منها ثروتها كلها فى لحظة !!
وهناك صنف آخر من الناس لا يجيدون لغة التعبير عن ما يريدون بالكلمات
فإذا رايتهم يتكلمون وددت لو أنهم ( يصمتون ) !!
لأنهم عندما يتكلمون بما يشعرون فان كلماتهم فى الكثير من الأحيان تأتى بنتائج سلبية وبثمار
غير مرجوة من خلال استخدامهم لكلمات وتعبيرات تبعث على النفور والاستنكار ، بعيدا عن
آداب الحوار وذكاء ومهارة توظيف اللغة بالدقه المناسبة للموقف ، وفى هذا قيل :
كان هناك ملك من الملوك رأى ذات يوم فى منامه بان أسنانه كلها تسقط من فمه
وطلب من العرافين تفسير هذا الحلم المزعج فأتوا له بثلاثة عرافين :
قال الأول : إن جميع أقربائك يموتون قبلك !! فأمر الملك بقتله ..
وجاء الثاني وقال قول قريب من الأول وبنفس الأسلوب ، فأمر بقتله أيضا ..
أما الثالث فقال : أطمأن يامولاى فإنك أطول أقربائك عمرا !! فاستحسن الملك قوله ،
وأمر له بعطاء ..
وهكذا نرى إن الثالث لم يأتى بجديد ، فكلامه يتطابق مع الأول والثاني ، لكنها اللياقة
وحسن التعبير وبراعة فى استخدام الكلمات المناسبة ..
يقول أرسطو : ليست الشجاعة أن تقول كل ما تعتقده ، بل الشجاعة أن تعتقد كل ما تقوله ..
... من آداب التواصل مع الناس حسن الإنصات لما يقولونه والاهتمام بكلماتهم ، فلو أردت
أن تكون مهما عليك فى البداية أن تكون مهتما ، فالصمت للإنصات لهم هنا فضيله !!
الوجه الآخر للحقيقة ..
** الناس صنفان ، صنف يسبق لسانه عقله ، وصنف يسبق عقله لسانه **
وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل ، والعدل لا يأتى من قلبك بل من قلوب الآخرين ، فدائما
هناك ( شاطئ آخر للنهر ) ، فلا تأخذ بكلام إنسان كقضية مسلم بها ، ويجب التدبر اولا وعدم
التعجيل بالاحكام ، فثقتك فى إنسان ما لا تعنى بالضرورة خلوه من آفات البشر ، ولا تعنى
وصوله لتمام الحكمة وكمال المعرفة التى لم يصل إليها حتى بعض الأنبياء !
.... القرآن الكريم نور لنا ، فلم يغفل عن أى شئ فى حياة الناس ، ومنه نأخذ مثل أعظم فى
حكمة النظر والتمعن والتريث لإصدار الأحكام كما فى سورة الأنبياء :
قال تعالى : { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم
شاهدين ، ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا
فاعلين} الأنبياء 78- 79 ..
فحكم سيدنا داود عليه السلام كان الحكم الظاهر والأرجح بدون تمعن ، لكن حكم سيدنا سليمان
كان أحكم واعدل وأوثق ، لأنه صمت ، فشمل ووعى وتدبر ألأمر ، وهذا فضل من الله ..
لكى نتكلم فلا بد ان نمتلك رؤية صادقه ويجب أن نعلم كل الحقيقة ، ولن يتم لنا هذا إلا بالعبور
إلى الشاطئ الآخر لها ، وإذا كان هناك من يعيش فى الظلام فهذا ليس معناه إن الشمس غائبة ،
فهى تشرق فى أفق آخر *
فلا تبادر بالتفاعل أبدا مع أى حدث لمجرد انه استثارك ، بل أصمت ليعمل عقلك أولا ، ثم انظر
هناك ... الى البعد الآخر للصورة فربما سترى أفضل لو انك فعلت ، وربما سيتغير عزمك إلى
صوب ما وليت !!
كما إن هناك أمور فوق إدراك البشر لا يجب البحث عنها أو فيها ، فربما لو عرفنا ما جهلنا
لعلمنا إن الله كان بجهلنا عنها رحيما ، فهناك حدود للمعرفة الإنسانية وقدرات للعقل البشرى ،
لا يجب أن نتخطاها فى رحلة البحث عن الحقيقة !!
قال تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْئَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تسؤكم وَإِن تَسْئلُواْ عَنْهَا حِينَ
يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } المائدة 101 .
من أهم فوائد لغة الصمت انه يجعلنا نرى بعقولنا وليس بأعيننا ، فيعلمنا ان ننشغل بأمور
أرقى وأسمى فى دروب الدنيا ، ونعرض عن اللغو **
فبهذا سنتحلى بالخلق الحسن بين الناس ..
... لكل إنسان خصوصيات ، ويجب أن نحترم خصوصيات غيرنا ليحترموا هم خصوصياتنا *
وعندما نريد أن نعلم فيجب أن يكون نطاق بحثنا فى حدود ما يخصنا فقط ، أما ما لا يخصنا
فلا نقترب منه ، وإلا فإننا نعد بذلك من المتطفلين ، ونخرج بهذا العمل عن ألآداب والسلوكيات
القويمة ، والتى تعد من سمات النفس البشرية الأبيه ، ومن مبادئ ديننا الحنيف ......
عن أبي ثعلبة الخشني { جرثوم بن ناشر } رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( إن الله فرض فرائض ، فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وحرم أشياء
، فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء لكم غير نسيان ، فلا تبحثوا عنها ) رواه الدارقطني وغيره .
همســـــة *
أحرص على الحق والعدل أينما كنت ، وأحكم بما يرضى الله على سائر أعمالك ، ولا تميل الى
هوى النفس فإنها ظالمة ، ولا تعدو خلف متاع الدنيا فإنها زائلة ، واتقى الله وتوكل عليه فإنه
نعم المولى ونعم الوكيل ..
لايوجد على الارض سلطان على عقلك إلا روحك ... إذا... فلتكن سلطان عادل !!
أبحث .. وحتما ستجد .. فقط ... إن أردت !!!... أو فالتتبع لغة الصمــــت *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيـــــــــــــع
17/09/24, 10:24 am من طرف 
موضوع: لغـــــــة *** الصمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت !!!! 
