مثالب منظمة التحرير ومخالب عباس
وصف محمود عباس مساوئ منظمة التحرير الفلسطينية بأن وضعها فيه الكثير من المثالب، على حد تعبيره، متجاهلاً التزاماتها تجاه العدو الصهيوني في إطار اتفاقيات أوسلو، التي ترتب عليها استحقاقات سياسية وأمنية مرهقة لشعبنا الفلسطيني، استغلها الاحتلال الصهيوني ورعاته ليصنعوا منها مخالب لعباس يدمي بها قلوب شعبنا ويجلب لهم الخراب.
فبالرغم من ضعف محمود عباس كرئيس لحركة فقدت أهليتها وصلاحيتها وشرعيتها لقيادة الشعب الفلسطيني، تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون والعرب من تحويل عباس وحركته إلى أداة بيد العدو الصهيوني، لاستنزاف الشعب الفلسطيني، وكسر إرادته، وتبرير جرائم العدو الصهيوني ضده، وإجباره على الاستسلام. وذلك عبر الحصار، والتعاون الأمني مع الاحتلال، وعزل الحكومة الفلسطينية الشرعية عن العالم.
وتتمثل هذه المخالب في ممارسات عباس ومواقفه السياسية المعادية لطموحات شعبنا الفلسطيني ومخالفة لخياره ونهجه المقاوم، ولا يزال عباس يؤكد هذه المواقف عبر ممارساته وتصريحاته، وآخرها التصريحات التي أدلى بها أول من أمس (5/2/2009م) في لندن أمام مجموعة من ممثلي وسائل إعلام عربية بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون. وكعادته، رهن عباس في تصريحاته فك الحصار بتحقق مواصفات محددة في الحكومة الفلسطينية التي ستسفر عنها المصالحة الوطنية عند حدوثها، وهي المواصفات ذاتها التي تبنتها اللجنة الرباعية الدولية ويصر العدو الصهيوني على إخضاع شعبنا الفلسطيني لها.
ورهن عباس في الوقت ذاته المصالحة الوطنية بقبول حركة حماس والفصائل الأخرى تهدئة بمحددات صهيونية، كما رهن إعمار غزة بما وصفه بتثبيت التهدئة وبقدرة حكومة حماس على نيل اعتراف المجتمع الدولي بها. هذا المخلب الذي ينال به عباس من صمود الشعب الفلسطيني يهدف إلى وضعه بين خيارين لا ثالث لهما: إما الرضوخ لعباس وإما استمرار الحصار. ولا يقبل عباس بأي حلول وسط في هذا الصدد، حتى لو أدى إلى ذلك إلى سحق غزة!
أما المخلب الآخر، فهو التعاون الأمني مع العدو الصهيوني ضد المقاومة، مما أدى إلى إقصاء حركة حماس وتيار المقاومة والممانعة في الضفة نهائياً. وموقف عباس وجماعته من المقاومة واضح، فقد تساءل عباس خلال مؤتمره في لندن: 'المقاومة لماذا؟'، ثم أضاف قائلاً: 'نحن الذين بدأنا المقاومة وواصلناها إلى أن جاءت (إسرائيل) إلى طاولة المفاوضات!! وكأن عباس قد أرغم العدو الصهيوني على ما لا يريده أو ما يحقق لشعبنا أدنى ما يطمح إليه!!
وهناك مخلب ثالث، وهو الاستقواء بالولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والعرب على شعبنا وحكومته الشرعية، لعزلها وإجبارها على الخضوع لاستحقاقات أوسلو السياسية والأمنية. ولا شك أن هناك مخالب أخرى مؤذية لشعبنا ومدمية لقلوب أبنائه ومزهقة لتضحياته وإنجازاته.
على أي حال، يؤمن عباس بأن المفاوضات هي الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الاحتلال، حتى أنه رد على الصحفيين عندما سألوه عن جدوى المفاوضات التي تعهد نتانياهو بوقفها عندما يصبح رئيساً للوزراء، قائلاً: 'طريق السلام سنسير فيه، لكن ليس معنى ذلك أن الشخص الذي قابلنا سيصنع سلاماً'، ثم قال: 'ما الحل؟ ما هو الحل أمامي؟'. والأدهى والأمر أن عباس يعترف بأن العدو الصهيوني لا يريد سلاماً، قائلاً: '(إسرائيل) أكيد أنها ليست حسنة النيات، وأكيد أنها ستضرب، لكن لماذا أنت تعطيها الذريعة؟'.
هذه بعض مخالب عباس، وهذا نهجه الاستسلامي، وهو لا يملك بديلاً عن المفاوضات سوى الشكوى للأوروبيين، وهذا ما قاله عريقات خلال المؤتمر: 'إننا نسأل الأوروبيين إذا جاءت حكومة (إسرائيلية) وقالت لن نوقف الاستيطان ولا نريد دولة فلسطينية، ماذا يكون موقفكم؟'.