جلسة الطعام في الهدي النبوي
* عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال : " لا آكل متكئاً " رواه البخاري . و عن أنس رضي الله عنه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه و سلم جالساً مقعياً يأكل تمراً " رواه مسلم . و قد ورد عن أبي بن كعب في صفة طعام النبي صلى الله عليه و سلم : " أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يجثو على ركبتيه و كان لا يتكئ " . وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال فلما أضحوا و سجدوا للضحى أتي بتلك القصعة و قد ثرد عليها فالتفوا حولها،فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له أعرابي ما هذه الجلسة ؟ فقال صلى الله عليه و سلم : إن الله جعلني عبداً كريماً و لم يجعلني جباراً عنيداً،ثم قال: كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها " ، وجثا يجثو:جلس على ركبتيه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " لم يأكل النبي صلى الله عليه و سلم على خوان قط وما أكل خبزاً مرققاً حتى مات" رواه البخاري،وفي رواية للترمذي:قيل لقتادة فعلام كانوا يأكلون؟ قال على السفر،والسُّفَر:جمع سُفرة وهو ما يوضع على الأرض ليؤكل عليه. قال ابن القيم(6) :و قد فسر الاتكاء بالتربع، و فسر بالاتكاء على الشيء و هو الاعتماد عليه و فسر بالاتكاء على الجنب. و الأنواع الثلاثة من الاتكاء:فنوع منها يضر وهو الاتكاء على الجنب فإنه يمنع مجرى الطعام عن هيئته و يعوقه عن سرعة نفوذه الى المعدة فيضغطها فلا يستحكم فتحها للغذاء. و أما النوعان الآخران فمن جلوس الجبابرة المنافي للعبودية و لهذا قال صلى الله عليه و سلم : " آكل كما يأكل العبد".و كان يأكل وهو مقع،والإقعاء أن يجلس للأكل متوركاً على ركبتيه و يضع بطن قدمه اليسرى على ظهر القدم اليمنى.و هذه الهيئة أنفع هيئات الأكل لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي. وإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائل التي تحت الجالس فيكون المعنى:أما إذا أكلت لم أقعد متكئاً كفعل الجبابرة ومن يريد الإكثار من الطعام،لكني آكل بُلْغة كما يأكل العبد". و يرى د.إبراهيم الراوي (18 ) أن الجهاز الهضمي يحتاج إلى كمية كبيرة من الدم ليستطيع القيام بما يلزم لاستقبال الطعام الوارد و التهيؤ لهضمه لذا كان الإجراء الطبي الصحيح لذلك وجوب الجلوس و ثني الساقين تحت الجسم لحصر الدم في منطقة الجهاز الهضمي،مع وضع الساق اليسرى منثنية و اليمنى مرتكزة على القدم لجعل المعدة حرة طليقة بعيدة عن أي ضغط مسلط باتجاهها من الخارج.و هذا هو أصح حالة لعمل الجهاز الهضمي.كما يجب الامتناع عن الحركة و السير أثناء الطعام لمنع ذهاب الدم إلى العضلات في وقت يكون جهازه الهضمي في أمس الحاجة إليه. وهذا الوضع” جلسة الطعام" التي طبقها أستاذ البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وهو أصح و أسلم في حالة الجلوس على الأرض حول السفرة من استعمال الكراسي حول مائدة الطعام. و حول الأكل متكئاً يقول د.الراوي أن الاتكاء يسبب التشنج و الاضطراب و التقلص في عضلات البلعوم فلا يستطيع الإنسان بلع اللقمة في ارتياح و لذة،كما أنه يحدث ارتخاءً في عضلات البطن فلا تستطيع المعدة استقبال الطعام بشكل صحيح. ولأن المعدة تكون بوضعها الصحيح في حالة انتصاب الجذع وارتكازه على الأرض دون لجوئه إلى الارتكاز الجانبي في حالة الاتكاء. أما د.غياث الأحمد فيرى أن الجلوس على المقعدة (التربيع) يؤدي إلى انبساط المعدة و إلى أن تأخذ المعدة مجالاً واسعاً فتزيد قابليتها لأخذ الطعام و المزيد منه .أما الإقعاء بنصب الساقين أو أحدهما مما يضيق حيز المعدة و يقلل اتساعها مما يؤدي بها إلى الامتلاء بمقدار أقل من الطعام حيث يشعر المرء بالشبع بآلية انعكاسية فيقل مطعمه ولا يصاب بالتخمة.