الجزائر ـ 'القدس العربي': تحبس الجزائر أنفاسها تحسبا للمظاهرات الشعبية التي من المنتظر أن تشهدها العاصمة وعدد من مدن البلاد اليوم السبت، بعد الدعوة التي وجهها تنظيم 'التنسيقية من أجل التغيير والديمقراطية' والتي أسستها أحزاب ومنظمات حقوقية ونقابات قبل أسابيع للتحضير لمظاهرة العاصمة، التي كان الهدف منها إلغاء قانون الطوارئ، قبل أن ترفع سقف مطالبها إلى رحيل النظام، في وقت تصر فيه السلطات على أن المظاهرات تبقى ممنوعة في العاصمة لأسباب أمنية.
وتضم التنسيقية التي كانت الرابطة الجزائرية من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان وراء تأسيسها أحزابا مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (معارض علماني) الذي يقوده سعيد سعدي، وكذا نقابات مستقلة منها النقابة المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية، ونشطاء وحقوقيون وأكاديميون آخرون.
واستفاقت الجزائر الجمعة على أخبار المظاهرة التي من المقرر تنظيمها اليوم، فالعاصمة كانت هادئة على غير العادة، لكن هدوءها كان مشوبا بالحذر وقليل من الخوف، فالجميع يسأل ويتساءل عما سيجري وعن إمكانية تحول المظاهرات إلى عمليات شغب وتخريب سئم منها الجزائريون.
مؤونة وبنزين
وسارع الكثير من سكان العاصمة منذ الساعات الأولى للصباح إلى محطات البنزين لملء خزانات سياراتهم تخوفا مما قد يحدث اليوم، وهو ما كان سببا في طوابير طويلة أمام محطات الوقود. كما شهدت المحلات إقبالا كبيرا من المواطنين الذين أرادوا اقتناء كميات كبيرة من المواد الغذائية وتخزينها خوفا من بقاء المحلات مغلقة عدة أيام.
من جهة أخرى شرعت قوات الشرطة في الانتشار عبر مختلف النقاط المهمة في العاصمة، وخاصة في الشوارع والأحياء الرئيسية، وبالقرب من مقار الوزارات والهيئات الرسمية. كما تم تطويق المسار الذي من المفترض أن تتخذه هذه المظاهرة، التي اختار منظموها السير من 'ساحة أول مايو' إلى 'ساحة الشهداء' نحو ثلاثة كيلومترات. وتم أيضا تعزيز نقاط التفتيش والمراقبة على مداخل ومخارج العاصمة.
وكانت 'التنسيقية من أجل التغيير والديمقراطية' قد عقدت اجتماعا الجمعة خصص لوضع آخر اللمسات بخصوص هذه المظاهرة، خاصة في ظل إصرار السلطات على منعها وانتشار قوات مكافحة الشغب عبر مختلف شوارع وأحياء العاصمة، وكذا عدم إمكانية وصول الكثير من المواطنين القادمين من الولايات والراغبين في المشاركة فيها بسبب الحصار المفروض على العاصمة.
ديمقراطية الواجهة
وقال مصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في تصريح لـ'القدس العربي' ان الجزائريون تعبوا من 'ديمقراطية الواجهة' مضيفا أنهم بحاجة إلى تغيير ديمقراطي حقيقي، وأن هذه المظاهرة وسيلة لإسماع صوت الشعب للسلطة الحاكمة وحملها على الاستجابة بالطرق السلمية والحضارية، كما قال.
وأوضح بوشاشي، وهو محام، أن آخر الأصداء التي وصلت إلى التنسيقية تفيد أن قوات الأمن منعت المواطنين القادمين من الولايات الأخرى من دخول العاصمة، وأن السيارة التي تقل أكثر من شخصين على متنها لا يسمح لها بالمرور، وكذلك الأمر بالنسبة للحافلات، مشيرا إلى أن المواطنين الراغبين أيضا في الذهاب إلى مدينة وهران (400 كيلومتر غرب العاصمة) يمنعون من الوصول إليها ويتم إيقافهم عند مدخل ولاية الشلف، في منتصف الطريق (190 كيلومتراً غرب العاصمة).
وأوضح أن السلطات تستعمل وسائلها العادية من أجل تقليص عدد المشاركين في المظاهرة. وقال ان هذا 'كله متوقع، ولكن الكثير من الراغبين في الانضمام إلى المظاهرة تمكنوا من الوصول إلى العاصمة'.
وأعرب بوشاشي عن تفاؤله بنجاح هذه المظاهرة بصرف النظر عن عدد المشاركين فيها، أو كيفية تعامل السلطات معها، موضحا أن الكثير من المواطنين التفوا حول المظاهرة بعد الإعلان عنها، وأنها أوجدت لدى الناس إحساساً بأن النضال السلمي ممكن وأن 'الضغط على النظام من أجل التغيير السلمي والهادئ في متناولنا'.
وقلل رئيس الرابطة من أهمية انسحاب حزب الحرية والعدالة (تحت التأسيس) من المظاهرة، مشيرا إلى أن انسحاب هذا الحزب الذي يقوده محمد السعيد كان متوقعا، لأنه منذ البداية ربط مشاركته في المظاهرة بالترخيص لها من طرف السلطات.
وأوضح أن محمد السعيد، حسب المعلومات المتداولة حصل على الاعتماد لحزبه، معتبرا أنه على الأقل فإن المظاهرة حققت بعض المطالب قبل موعدها، مثل الإعلان عن إلغاء قانون الطوارئ وفتح الإعلام الحكومي أمام المعارضة وكذا قرب اعتماد مجموعة من الأحزاب.
واعتبر أنه حتى ولو كانت بعض المطالب قد تحققت، 'لا يجب أن نتوقف. حققت نتائجها، لا يجب ان نقتنع بهذا الشيء. لا يجب أن نكون أقل من مستوى الشعوب الأخرى'.
من جهته قال الإعلامي والأكاديمي فضيل بومالة وهو أحد أعضاء التنسيقية المنظمة للمظاهرة، ان رياح التغيير هبت على المنطقة العربية، مضيفا أن هذه الرياح 'فرصة لفرض التغيير في الجزائر لأننا أمام سلطة فاشلة وعاجزة'. وقال: 'آن الأوان لتتجمع كل القوات الحية في المجتمع من أجل أن تعبر عن رأيها وتطالب بالتغيير الهادئ والسلمي'.
وشدد على أن المظاهرة 'ستتم حتى لو سعت السلطات إلى منعها لأن العاصمة هي عاصمة الجزائريين وليست عاصمة السلطة، ومن غير المقبول أن تقول الحكومة للجزائريين سيروا أينما شئتم باستثناء العاصمة'.
وعلى جانب آخر دعا أغلبية أئمة المساجد في خطبة الجمعة المواطنين إلى الهدوء وتفادي النزول إلى الشارع، وحذروا المصلين من 'الفتنة ومن الأطراف الخارجية المتآمرة التي تبحث عن مثل هذه الفرص من أجل ضرب استقرار البلاد والعباد'.
'الصحوة الحرة'
من ناحيته أصدر التنظيم المسمى 'الصحوة الحرة لأبناء المساجد الجزائرية' بيانا أعلن فيه أن 'الصحوة' لن تشارك في المظاهرة التي من المقرر أن تنظم اليوم السبت، ودعا الجزائريين إلى عدم المشاركة فيها لأسباب 'خطيرة تتعلق بوجهات خارجية معادية للإسلام والجزائر تهدف إلى ضرب وحدة البلاد وزعزعت استقرارها'.
وذكر البيان أن الجزائر عرفت حربا أهلية خلفت أكثر من 200 ألف قتيل وآلاف المفقودين وخسائر مادية ضخمة، وأنه لهذه الأسباب فإن 'الصحوة' ترفض 'العودة إلى الحرب حفاظا على الإسلام وعلى أرواح الجزائريين'.
وحذرت بعض الصحف من الانفلات الذي قد تشهده المظاهرة. وقالت صحيفة 'الشروق '(خاصة) ان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يسعى إلى تحويل المظاهرة التي حمام دم، معتبرة أن النداء الذي وجهه التنظيم الإرهابي للجزائريين ودعوته لهم بالمشاركة في المظاهرة تثير المخاوف.
وذكرت الصحيفة أن تنظيم القاعدة دعا أنصار المظاهرة إلى دعمه ماديا وكذا الانضمام إلى تنظيمه الذي يعاني من عزلة وهشاشة بعد الضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم من طرف قوات الجيش والأمن.
كما دعت أحزاب التحالف الرئاسي وفي مقدمتها التجمع الوطني الديمقراطي (حزب رئيس الوزراء) المواطنين إلى احترام القانون الذي يحظر المظاهرات في العاصمة.
وقال ميلود شرفي الناطق باسم هذا الحزب ان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة 'أعلن عن قرب إلغاء قانون الطــوارئ وفتح الإعلام الحكومي أمام المعارضة'، مشيرا إلى أن هذه كانت مطالب منظمي المظاهرة منذ البداية، وعليه لم يعد هناك داع لتنظيمها.
شكرا لتواجدك زائر نورت الصفحة